نرمين دميس - افتح قلبك..

“أربعة عقود من العمر، وأنا أفتخر بدور المحارب الشجاع، أستمتع بقوة الشخصية وتحمل المسئولية، أتفانى في مواجهة الأزمات والزلات، أتحايل على المفروض والمرفوض، فأكون صاحبة القرار والقول الفصل، تأتي الرياح العاصفة؛ فأواجهها تارة، وأخفض رأسي بمقدار تارة أخرى، المهم ألا يسودني موقف فيكون الخضوع مصيري.
مزيج استحال أن يجتمع والندم، فكيف ذلك وأنا ذاك المحارب المنقرض؟!
ولكن ما إن تخطيت العقد الرابع حتى انفرطت حباته، ولاحت لي علامات على الطريق، فشممت رائحة ندم في الأفق، رحت أكذبها بكل ما أوتيت من قوة، كمن يغفل عن رائحة حريق في بيته، فيظل يبحث عنها خارجه، لم تكف تلك الرائحة عن ملاحقتي، راحت تدق على مسامع روحي بلا توقف، حتى بصرت بدخان الحريق، وعرفت مصدره، تيقنت أن دور المحارب سلاح ذو حدين، أوقعني في أخطاء لم أدركها إلا بعد حين، فقررت ألا أخلع عني الدرع والسيف، بعد أن ألتقط أنفاسي في استراحة محارب”
المحاربة س.ع

اغرورقت عيناها بالدموع، عندما قرأت تلك الرسالة، لا تدري لم تأثرت بها إلى هذا الحد، فهي بحكم عملها كصحفية، تقرأ المئات من الرسائل التي يخفق لها القلب، ولكن تلك الرسالة لمست فيها شيئا ما، ربما دار بخلدها أن تكون تلك المرأة الأربعينية يوما، وهي الشابة القوية الطموحة التي لا تيأس ولا تستسلم، أو ربما تخشى أن تطول أنفها رائحة الندم تلك، قررت لوهلة ألا تكمل قراءة باقي الرسائل، فتكون تلك اختيارها لهذا الأسبوع، ولكن مهنيتها أجبرتها أن تتخلى عن تلك الفكرة، وتناولت الرسالة الثانية..

“غدا سأخطو فوق سنوات هي نصف عمري تقريبا، سأحصد نتاج زراعتها، ستلمع عيناي بدموع الفرح، ويرسم ثغري بسمات من القلب، سأعلن انتصاري على لحظات التعب والقلق والانتظار، ستهون التضحيات وتتضاءل أمام تلك اللحظة، لحظة اعتلائه منصة التكريم، في حلته الأنيقة الجديدة، يكسوه زي تخرجه، يدور بوجه باسم بين عدسات التصوير، ستسري في جسدي تلك الرعشة الدافئة، بينما تتمتم شفتاي بدعوات الحفظ والتوفيق، ستصفق يداي “للدكتور” حتى تستحلفني أن كفى، هكذا أناديه وهو لم يحضر يوما في الكلية بعد، أتساءل إن كانت تلك فرحة دخولها، فكيف تكون فرحة التخرج؟!
نعم..فغدا تتويج أولى إنجازات أمومتي وفرحتها، ولكنه تتويج لن أحضره قط؛ فقد فاجأني بعدم رغبته في الذهاب وحسب، تعجبت من ردة فعله، ناقشته كثيرا، سألته عن الأسباب ولكن بلا جدوى.
هو ليس بالأناني أو اللا مبالي ، بالتأكيد لديه أسبابه الخاصة، ربما هناك الكثير الذي لا أعرفه، حاولت تقبل الأمر، وامتثلت لرغبته في النهاية، ولكن ترى هل أستطيع إلهاء نفسي غدا؟!”
أم الدكتور ك.ن

ارتعدت أوصالها وتسارعت دقات قلبها، وهي التي لم تذق طعم الأمومة، بل لم تتزوج بعد، ولكن تلك المشاعر الصادقة لا تخطئ طريقها الى القلب أبدا، حب يكبر ويترعرع كل يوم، كنبتة تثمر في كل المواسم، تسرح بخيالها وتتوق إلى اليوم الذي تكون فيه أما، تحمست وراحت تلتقط الرسالة الثالثة، فيبدو أن الليلة مليئة بالأحاسيس والشجون واستأنفت القراءة..

” وقفت بالأمس في الشرفة أتوارى عن الأنظار، فتارة أقترب من سورها، وتارة أبتعد للخلف، أودعهما بعينين تسكبان الدمع، وقلب يكاد ينخلع من مكانه، ألقي عليهما النظرة الأخيرة، أحفر تفاصيلهما في ثنايا ذاكرتي، صيحاتهما الأخيرة ملء أذني، يجول بخاطري شريط ذكرياتنا معا، فكم لهونا ولعبنا في فناء البيت، زرنا العديد من الأماكن، تشاركنا جميع المناسبات. الأفراح والأتراح، سمعنا أحلى الألحان والنغمات، ليقطع حبل حنيني وذكرياتي صوت مزلاج البوابة الحديدية، الذي ينفتح استعدادا لخروجهما، تعالت دقات قلبي وتسارعت، عانقتهما بدموع انفلت زمامها، وفقدت السيطرة عليها، لأدعو لأبي الحبيب بالرحمة، وأعده أن تكون المرة الأولى والأخيرة التي نبيع فيها شيئا كان له، كان وداعا مؤلما ، فقد كانت تلك السيارتان تتعبقان برائحة أبي “
الابنة المحبة المشتاقة كثيرا أ.ج

لم تتمالك نفسها، راحت تذرف الدمع مدرارا، فقد تذكرت أباها هي الأخرى، والذي غادر عالمنا قبل أن يراها تحقق حلمه، وتكون صاحبة باب أسبوعي في إحدى الجرائد الكبرى، وأيقنت أن مهمتها صعبة، فكيف تختار بين تلك المشاعر التي أنطقت الكلمات على الورق، وانتوت أن تؤجل قرارها إلى صباح الغد.

وفي الصباح وبينما تتناول قهوتها الصباحية المعتادة، كتبت في افتتاحية رسالة هذا الأسبوع ..
“قرائي الأعزاء..لم أتخيل يوما أن أغير تقليد باب “افتح قلبك” الذي يعرض رسالة أسبوعية لأحد القراء، ولكن قلبي وقف حائرا عاجزا أمام شلال من المشاعر التي تشع صدقا، فلم أستطع تنحية أحدها جانبا، فاقرءوها بقلوبكم.”

نرمين دميس

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى