محمد مزيد - الفتاة الصومالية تضع البحر بين يديها

((أمضيت سبع ساعات مع الفتاة الصومالية، في رحلة القطار الذاهب الى انقرة، من المدينة التي أسكنها، تحدثت كثيرا عن حياتها، ونحدثت قليلا عن حياتي، فأوحى اليّ حديثها بالعديد من القصص، هذه واحدة منها)) ...

وضعوني في حجرة مظلمة، بعد أن جردوني من ملابسي، هؤلاء المتشددون، الغرفة خالية من الأثاث، أجلسوني على كرسي خشبي، هو كل آثاث الغرفة.
بعد أن بلغ الجهد والتعب والجوع، حتى وصل بي الامر، الى التحدث مع نفسي، بدون ان أوجه الكلام الى غاية، كانوا يريدون معرفة الوجهة التي ذهب اليها زوجي، ولم يصدقوا عندما أخبرتهم إنه ركب أحدى السفن المبحرة الى أوروبا.
في منتصف الليل، كنت أريد أن أغفو قليلا، كي أطرد التعب، وأحلم بزوجي الحبيب، دخل أحدهم الى الغرفة، بيده شمعة، وبالآخرى يحمل دفتراً صغيراً بحجم الكف، عثروا عليه في طيات ملابسي، قال ضاحكا ، ولم أستبن ملامحه، لانه شديد السواد مثلي، وثمة لحية بيضاء كثيفة لمحتها بصعوبة، صوته ضعيف، بالكاد يتنفس " زوجك شاعر " ، لوح بالدفتر أمام وجهي، وضع الشمعة على لسان النافذة المغلقة، أمسكني من ذراعي، بقبضة شديدة، ودفعني الى الحائط، أخذ مكاني على الكرسي، جلست القرفصاء على أرضية الكاشي الساخنة، اتكأت الى الجدار، جلب الشمعة ووضعها على حروف زوجي، ضاحكا، معلقا " أمشط شعر الليل على جسدك حبيبتي، أنثر منه نجوما، تحلق الى السماء، أغمس اصابعي في بحرك حتى اطفئ حرائق روحي " اطلق ضحكة مدوية، معلقا " يعني إنه يضع أصابعه هناك " وأشار الى وسطي،كان يضحك بصعوبة، يقلب بالدفتر ويختار منه عبارات، ثم يعلق عليها، كنت أريد أن اغفو قليلا، وضعت حنكي على ركبتي وأحطت بهما بذراعي، منعا لرؤية اجزائي، طلب مني أن أنام على بطني، نمت كما أمرني، عصيانه يعني المزيد من الدفرات، لست قادرة على تحملها، بعد نهار صعب من التعذيب والتحقيق، أخذ يمرر نور الشمعة على جسدي، ويترك قطراتها المذابة تتساقط على مؤخرتي، فاكظم غيظي بصعوبة، " الا تخبرينا أين يختبئ زوجك ؟ " لم أجبه، كنت أكتوي بلسعات محرقة، تسببها قطرات الشمع المذاب، لا يكترث لصياحي وزفراتي وتنهداتي، أعرف إنه يريد شيئا آخر، بعد أن أعياهم عدم أعترافي بمكان زوجي ، الذي أجهله حقا، شعرت إنه بدأ يتضايق من صمتي، وانه سيقوم بالشيء الذي جاء من أجله، مرت نصف ساعة، حتى شعر بالارتواء والسعادة، أكتشفت انه كهل عجوز، بالكاد أنهى مهمته، ثم خمد في مكانه، عاريا، مددت يدي الى رقبته، لا أثر للنبض في جسده، نسي أن يقفل الباب، كان مواربا، نهضت بتثاقل، نظرت من الفتحة الصغيرة، كل الموجودين في البيت غطسوا في النوم، أستطعت التسلل من الغرفة، ومن باحة البيت على أطراف أصابعي ، فتحت الباب الخارجي، ثم ركضت بأسرع ما لدي من طاقة، لا أعرف كيف أهتديت الى مكان الميناء؟ لا اعلم كيف وجدتني أقف قبالة الساحل، بعد ساعة من الركض؟ تعلقت بحبال سفينة كانت تزأر للإبحار، بخبرتي عرفت إنها ستبحر، في تلك اللحظة، تشبثت بحبل النجاة، ثم صعدت الى السطح ، أنزويت في مكان مظلم، أنطلقت السفينة، تشق عباب أمواج البحر، كانت قد انفتحت مشرعة امامي كل أبواب الحرية.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى