ميخائيل زوشنكو - المتوترون.. ترجمة: يوسف نبيل بساليوس

منذ مدة غير طويلة اندلعـت مشاجرة في شقتنا المشتركة(1). لم تكـن مـجـرد مشاجرة؛ بل معركة حقيقيـة. تقع الشـقة في تقاطع جلازوفايـا وبروفايـا(2).
لقـد تشاجروا بالطبـع بضمائـر حيـة، وكادوا تقريبـاً أن يفصلـوا آخـر مـا تبـقـى مـن جـسـد جافريلـوف المقعـد؛ ألا و وهـو رأسه. السبب الرئيسي في ذلك أن الشعب أصبح متوتراً جـداً، يفقد أعصابـه لأتفـه الأسباب، ويثـور. وفي أثنـاء هـذا يتشاجرون بقـوة كـمـا لـو أنهـم مشوشـون تماماً. يقولون إنـه بعـد الحـرب الأهلية (3) أصبحت أعصاب النـاس متوتـرة عـلى الـدوام. قـد يـكـون هـذا صحيحاً، ولكـن هـذه النظريـة لـن تجعـل رأس جافريلـوف المقعـد تنمـو ثانيـة سريعاً. على سبيل المثال، تذهـب ماريا فاسيليفنا شيبتسـوفا - إحـدى الساكنات - إلى المطبخ في التاسعة مساء وتشعل وابـور الجـاز. هـي دائمـاً مـا تشـعله - كما تعلمـون - في مثـل هـذا الوقت، وتضغـط عـلى المكبس وتشرب الشاي. هكذا تذهب إلى المطبخ، تضـع الـوابـور أمامهـا وتبـدأ بإشعاله، لكنهـا تجـده قد تعطل تماماً، ولا تشتعل النيران.
تفكر في نفسـها قائلة: «لماذا لم يشتعل؟ أيكـون السـخـام قـد أفسـده تماماً؟».
تمسك المكشطة بيدها اليسرى كي تنظـف الوابـور مـن السـخام. وبينـمـا تـهـم بتنظيفـه تمـر جارتهـا داريـا بتروفنـا كوبيلينـا، وهـي صاحبـة الإبرة، وتـرى إبرتها في يد ماريا فتقـول لـهـا:
- بالمناسبة.. يمكنك أن تعيـدي المكشطة إلى مكانها أيتها العزيزة ماريا فاسيليفنا.
غضبت بالطبع شيبتسوفا من هذه الكلمات فأجابتها:
- يمكنك أن تذهبـي وتخنقـي نفسـك بـهـا يـا داريا بتروفنـا. إني حتـى أشمئز مـن أن ألمس مكشطتك، فضـلاً عن أخذها من يدك!
وبالطبع اشتعلت داريا بتروفنـا كوبيلينـا غضبـاً مـن هـذا، وأخذتا تتحدثان. تعالى صـوت ضجيجهما، وسـاد الهرج والمرج.
ظهـر الـزوج إيفـان سـتيبانيتش كوبيلين صاحـب المكشطة على إثـر سـماعه للضجيج، وهـو رجـل قـوي، بـل ضخـم البطـن أيضا، لكنـه عصبـي هـو الآخـر قـال:
- إني أعمـل كالثـور في التعاونيـة مـن أجـل 32 روبـل وبضعة کوبیكات، وأبتسـم للزبائن، وأزن لهـم السـجق وما إلى ذلك، وقد اشتريت المكشـطـة مـن عـرق جبينـي، ولم يهمني، لكنـي لـن أسـمح لأي غريـب أن يستخدم مكشطتي.
وتصاعـد الضجيج ثانية، واندلع الحديث حول المكشطة. بالطبع تجمع كافة السكان داخـل المطبخ، وأخـذوا يتحركون بقـوة. وظهـر المقعد جافريلتـش هو الآخـر بالمكان.
- لماذا هذه الضجة وما من قتال؟
وبعد هذه الكلمات تحديداً تأكد الأمر.. اندلع القتال.
المطبخ كما تعلمـون ضيق، مـا مـن مسـاحة للشجار.. إنـه ضيـق للغايـة.. وابـورات الجـاز والأواني في كل مكان. لا مكان حتـى كي تلتفت فيـه، وهناك اثنـا عـشر شخصا قـد وجـدوا طريقهـم إليـه. عـلى سـبيل المثال إن أردت أن تضرب أحدهـم فستصيب الضربة ثلاثة. وبطبيعـة الأمـر يتناطح الجميـع ويتساقطون.. حتى وإن كانـت لـديـك ثلاثـة أرجـل فليسـت لـديـك أدنى فرصـة كي تمنع نفسـك مـن السقوط، مثلـك مثـل المقعـد الـذي لـديـه سـاق واحـدة تماماً.
ولكـن المقعـد -مثير الشجار هـذا- تمكـن مـن أن يشق طريقـه بشكل مـا وسـط هـذا الجمع الكثيف. صرخ فيـه إيفـان سـتيبانيتش - صاحب المكشطة - قائلاً:
- اخـرج يا جافريلتـش مـن هـنـا حـاذر.. سـوف يقطعـون لـك سـاقك الأخـرى.
ويجيبه جافريلتش:
- سـوف أفقـد سـاقي إذن! لكنـي لـن أغـادر.. لقـد حـطـمـوا كبريائي كمقاتل تماماً.
وفي تلك اللحظـة ضـربـه أحدهـم عـلى وجهـه، لكنـه لم يغـادر، بـل هـجـم عليـه، وحينهـا انـهـال شخص آخـر بإحـدى أواني المطبخ على رأسه.
سقط المصاب فجأة على الأرض.. سقط وحده!
في تلك اللحظة هرع أحد الطفيليين ليبلغ رجال الميليشا".
ظهر رجل الميليشيا بالمكان وصاح:
- جهزوا أنفسكم أيها الشياطين للدفن.. سوف أطلق النار حالاً.
وحين سمعوا تلك الكلمات فقط، عـاد المواطنـون إلى رشدهم، وذهـب كل منهـم إلى غرفتـه.
وفكروا في أنفسهم قائلين:
- هناك كثـير مـن الدمـاء فـعـلاً، فلماذا نغضـب نـحـن - المواطنين المحترمين - بهذا الشكل؟
وهـرع كل إلى غرفتـه عـدا جافريلتـش المقعـد.. وحـده لم يذهـب إلى غرفتـه. ظـل يـرقـد وحيـداً عـلى الأرض كـما تعلمـون، والدمـاء تتساقط مـن رأسـه.
بعـد أسـبوعين مـن هـذه الواقعـة انعقـدت محكمـة. كانـت محكمـة شعبية، وكان القاضي هو الآخـر عصبي المزاج فحكم علينـا بعقوبة قاسية.

~تمت~



*حواش:
(1) في العشرين من أغسطس 1918 أصدر مرسـوم حـول مصادرة الملكية الخاصة للعقارات في المدن. بدأ بعدها توزيع شقق الأغنياء على العائلات بحيث تعيش كل عائلة في غرفة، وظهر ما عرف باسم «الشقق المشتركة»، وكان المطبخ هو المكان الذي يلتقي فيه سكان الشقة على اختلاف مهنهم من مثقين إلى عمال إلى أصحاب المهن البسيطة، وهناك كان الحديث يدور في شـؤون الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية كافة؛ فضلاً عن الشجار والخلافات التي كانت تقع بين سكان الشقة.
(2) شارعان في ليننجراد.
(3) المقصود الحرب الأهلية التي اندلعت منذ عام 1917 بعد قيام الثورة البلشفية بين الشيوعيين وأنصار النظام القديم.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى