مصطفى نصر - زيارة قصيرة

جاء من قريته بعد التحاقه بكلية الآداب بالإسكندرية، لم تره المرأة من قبل ولا تعرف مدى قرابته لزوجها، كان طويلا نحيفا خجولا، ينظر إلى الأرض معظم الوقت وهو جالس بينهم.
رحب زوجها به، وظلا يتحدثان عن القرية وما حدث فيها؛ لقرب الفجر، وزوجها في غاية السعادة، فهو يحب الحديث عن القرية، ذكره ذلك الشاب بأيامه فيها.
عندما اختلى بزوجته سألها – في صوت خافت -: " أين سينام ؟ "
دهشت المرأة، وهل هناك حجرة خالية لينام فيها؟! الحجرات كلها مشغولة: واحدة له ولها، وواحدة للابنة الكبيرة مع أختها، والحجرة الأخيرة لباقى الأولاد:
- يشوف لوكاندة.
- الولد فقير، وأعرف حال أسرته جيدا.
- أنت حر.
قالت هذا وأسرعت إلى حجرتها وأغلقتها خلفها ونامت، أراد أن يعطيه بيجامة من بيجاماته لينام بها، لكن الولد أخرج قفطانا من حقيبته. نام فوق كنبة في الصالة بين الحجرات الثلاث.
عاملته المرأة باستخفاف، فهي عادة لا تقدر أهل زوجها الذين يأتون من الصعيد، فما بالك بذلك الذي جاء ليشاركهم شقتهم وطعامهم؛ ولا يمتلك أجرة لوكاندة أو شقة مفروشة؟!
تأففت من غسل ملابسه إلى أن أخذتها البنت الكبيرة وغسلتها. ذلك أوحى إلى المرأة بفكرة ارتاحت لها، فقد يكون الولد من نصيب ابنتها هذه، رغم هذا لم تتباسط معه في الحديث، ولم تبتسم له مرة واحدة. كان حديثها له مقتضبا وصارما، وهو لم يغير طريقته في الحديث معها، مازال يحنى رقبته وينظر إلى الأرض.
تحتاج المرأة – أحيانا – إلى دخول دورة المياه في المساء، فتتذكر أن شابا غريبا عنها ينام في الطرقة، فتتماسك على نفسها وتعود ثانية إلى فراشها، لكن الرغبة تدفعها فتقوم ثانية، تتابع زوجها النائم، تود أن تلكمه بقبضة يدها فوق أنفه البارز الذي يتحرك مع غطيطه المنتظم. هو السبب في كل ما يحدث.
تقوم، تفتح باب الحجرة في حذر، تسير على أطراف أصابع قدميها، وتمر أمامه وهو نائم، لم تنظر ناحيته. وهي عائدة إلى حجرتها تابعته؛ ساقاه الطويلتان تتجاوزان الكنبة التي ينام عليها، ووجهه يبدو مرتاحا فوق الوسادة كأنه يبتسم.
هي – الآن – تقوم دون رغبة حقيقية في دخول دورة المياه. أشياء تدفعها للخروج لرؤيته وهو نائم، تتجاوزه، تحس بأن المنطقة التي ينام فيها كوبرى فوق بحر عميق؛ تقاوم رغبة ملحة في أن تقفز من خلاله إلى الغرق. تسرع، تشرب من الثلاجة وتعود، تتابعه، ما الذي جاء به إليهم ؟! زوجها هو السبب، هي لا تريد الآن أن يتزوج أبنتها الكبيرة، وحتى إن أراد؛فمتى سيحدث هذا ؟! إنه في السنة الأولى. حتى إن نجح في كل سنوات الدراسة؛ فأمامه أربع سنوات حتى ينتهي من تعليمه، ثم بضع سنوات إلى أن يجد العمل المناسب، وسنوات أخرى ليكّون نفسه. وأبنتها لا يمكن أن تنتظره كل هذا الوقت.
ستصرخ في الصباح في زوجها وتأمره بأن يطرده، لا.هي التي ستطرده الآن. لابد أن يحمل ملابسه ويخرج من شقتهم. لا يهمها إلى أين يذهب، ينام حتى في الشارع، ذلك لا يعنيها في شيء.
تابعته في الصباح من مكان خفي، كان يتحدث مع أبنتها الكبيرة، هو يخجل منها ومن زوجها، لكن مع أبنتها وباقى الأطفال؛ يتحدث ويطيل الحديث. كان يمازح البنت ويحدثها عن الأغانى المنتشرة هذه الأيام.
عاملته المرأة بجفاء أكثر من كل مرة، ولم تذكر اسمه طوال النهار، فإذا أرادت أن تذكره قالت: " هذا " أو أشارت نحوه.
أحست في المساء بقلق وظلت شاردة طوال الوقت، تابعت التليفزيون مع أطفالها وشردت. هو في الخارج، سيعود بعد قليل، فهو لا يتأخر قط، يراعى وجوده لدى أسرة بها امرأة وفتاة في سن الشباب؛ فلا يجب أن يزعجهم ويجعلهم يسهرون ليفتحوا الباب له. باتت قلقة، تنظر إلى باب الشقة، وعندما دق الباب؛ أسرعت إلى حجرتها، لم تنتظر إلى أن يحييها ككل مساء. باتت فوق سريرها تتسمع الكلمات التي تدور في الصالة، تعليقاته وتعليقات بناتها وأبنائها على ما يدور في التليفزيون.
زوجها في الخارج يعود متأخرا كل ليلة. الوقت يمر بصعوبة منذ أن جاء هو. تمنت لو نامت؛ فالحل أن تنام مبكرة وتصحو مبكرة وتبتعد عن رؤيتها له وهو نائم
جاء زوجها، لم تخرج إليه. قالت إحدى البنات: " أمى نائمة "
دخل الرجل الحجرة فتظاهرت بالنوم، أراد أن يوقظها لكنها لم ترد، فاضطر أن يدس جسده تحت الغطاء وينام. جاءتها دقات الساعة في الصالة لتحدد الوقت، ودقات الماء من الصنبور الذي في حاجة إلى إصلاح ، ثم غطيط زوجها المنتظم. قرفصت فوق السرير، شدت قميص النوم فوق جسدها ليغطيه كله. لامست ساقاها جسد زوجها فابتعدت عنه. مدت الساقين إلى الأرض وتابعت كل شيء في الحجرة. لابد أن تخرج، ستشرب. هذه المرة هي ظمآنة حقا؛ فلم تخرج من الحجرة منذ أول الليل. لم تضع قدميها في الشبشب ككل مرة،ربما نسيت أن تلبسه، أو ربما لم تجد الشبشب أمامها وهي خارجة. أحست بملمس جلد القدمين فوق غطاء الحجرات والصالة، تجاوزت الشاب، أغصبت نفسها على السير دون أن تنظر إليه. شربت ثم عادت. كادت تتجاوزه وتنجو بنفسها وتصل إلى الأمان – حجرتها -. لكنه أصدر آهة من صدره وتقلب ناحيتها. نظرت خلفها، رأت وجهه النحيف وجبهته والابتسامة الغريبة التي لا تفارقه حتى وهو نائم. ثم عادت، وقفت أمامه.. كل حجرات الشقة مظلمة وهالة ضوء خافتة آتية من ناحية دورة المياه. مدت يدها المرتعشة ولامست كتفه، أخرج آهة أخرى وتقلب ناحية الحائط. كادت تمشى، تعود إلى حجرتها؛ لكن شيئا دفعها نحوه. لامست يدها شعر رأسه القصير المتجعد، ثم وصلت إلى حاجبيه وجبهته. هب فزعا: " من ؟! " وضعت يدها فوق فمه لكى لا يصدر صوتا يفضحها. كانت الرغبة واضحة في عينيها وفي ارتعاشة شفتيها وفي جسدها كله، وجلس في مكانه مرتعدا. الكل نائم، فما الذي يخيفها. إرتعاشة شفتيها وفي جسدها كله.
- ماذا تريدين........ ؟
جلست في حافة الكنبة شدت وجهه الأثير لديها، ضمته بين يديها قبلته في كل مكان فيه. كانت تحدث صوتا مجنونا وهي تفعل هذا. فوجئت بالابنة الكبرى أمامها، تتابعها في احتقار. هبت – هي – فزعة، أرادت أن تنادى ابنتها لم تستطع، أسرعت خلفها، لامست كتفها، لكن البنت أغلقت باب حجرتها بالمزلاج
في الصباح كان يضع ملابسه داخل الحقيبة صامتا، وهي تنظر إليه في أسى؛ بينما البنت تتابعه في تحد واحتقار.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى