فاطمة مندي - رسالة ميت..

طيلة عدة سنوات وحين تأذن لي وحدتي، أذهب معها حيث أختلس بعضاً من نسمات الصمت والسكون، أطل من نافذتي التي أسطو بها على عوالمي المفقودة، قلبي يصرعلي أن يجتر الذكريات الدامية، يطربني صوت نزيفه وأنينه أبكي.

صوت تمزق اوصالي يصم أذني، أمط شفتياي في محاولة لتجنب الاحتكاك بسطح ذكرياتي العفن، فشلت في محاولة نسيان الألم النفسي، مع ذكرى لاهي صالحتني و لا هي أفلتتني لأذهب بسلام.
كل مساء أدفن رأسي و كلي تحت الوسائد والأغطية، لكن هيهات، فرنين همس الذكريات كصدى صوت في وادٍ مقفر، يوجعني ويقفل علي كل منافذ الهرب.
أشتاق أمي كما دوماً؛ كي تربت كعادتها على خافقي، لكنني لم أجدها قط؛ فلقد ذهبت روحها الطاهرة إلى بارئها، كم بت أكره أيامي بدونها، لقد كانت الجسر الذي يربط اخوَتنا بخيوط فولازية، ففراقها بات مرادف للأهمال
والتجاهل والتقصير بيننا كأخوه، وباتت كلمة الأخوه لا معنى لها في عالم تحكمه المادة والمصالح.
فمنذ عدة سنوات لم يأت أخوتي وأخواتي لزيارتي، ولم تطأ اقدامهم اسفلت شارعي، علي آثر مشادة كلامية بينهم وزوجتي، لم تتصاعد الخلافات بينهم، ولم يرتفع بينهم سقف المناقشة للحد الذي يغزلون به ثوب هذه المقاطعة المفتعلة، لم اتطرق للأمر، وتركت الجرح حتى يندمل.
بعد بضعة أشهر الأمر لا ينتهي بالطواف حول منازلهم، بينما كنت أختلس نظرات وخطوات لأذهب إليهم، كنت أميل إلي ملامسة حضن الأخوه
الدافئ، الذي كان قديماً يطوقني ويحسسني بالحياة، حتى ألفت هذا الطوق الذي أنكسر.
فقد تعلمت في طوق هذا الحضن الدافيء مغازل الحياة.
قدر محتوم أن أحاط بتلك الجدران التي تنتشر بداخلها نيران الفراق، والتي استعر بداخلها كجرس ايبسته نارأ شعواء، والتي حالت بيني وأخوتي، والتي طال جلوسي في حجرها، أتمني دائماً لو أن زلزالاً حدث على حين غرة، وأهلك تلك الجدران وأسقطها، أو أحدث فيها شرخاً كي تخر وتتهاوى، كيف أنفذ إلى بوح فضاء علاقتنا؟!
شربت من كؤوس الصبر وتجرعت مرارة بعدهم عني، توددت إليهم مراراً، زيارة تلو زيارة، اغتنم فرصة المناسبات السعيدة أو الحزينه، أحَلق بينهم كعصفور صغير لا يقو علي الطيران بل وفقد عشه، تمنيت غفرانهم بل وددت بشدة مد جسور الود بينهم وأهل بيتي، حاولت كثيراً الأقتراب منهم جميعاً؛ ولكنني دوما كنت أدور في تلك الدوائر المغلقة، وسرعان ما أعود وأرتد ولا أنال مبتغاي، لم أجد سوى أغصان يابسة أفقدها برد الخريف حيويتها.
ذات يوم غفوت علي فراشي، وجدت ابتسامة أمي تواسيني، في الصباح قررت إعادة المحاولة لربط العلاقات التي قطعت منذ عدة سنوات تكريماً لزيارة أمي، قال أحدهم بصوت كفحيح أفعى: لن تطأ أقدامنا منزلك.
.لقد نسفت قساوتهم جسورقد مددتها إليهم في محيط علاقتنا الممزقة.
عزفت ذائقتي مؤخراً عن ملاحقتتهم؛ بعد فقداني الأمل في غزل ثوب جديد لعلاقتنا المهترئة.
قررت الأبتعاد قدر استطاعتي، لقد اصابوا كبريائي في ربيع قاحل، ونشبت اظافر قساوتهم جدران خافقى حتى النزيف.
ذات مساء احسست بشيء ينسلخ من جسدي، فعلمت أنها نهايتي واللحظات الأخيرة، لم انزعج من لقاء ربي بل على العكس كنت فرحاً بهذا اللقاء، فطيلة حياتي لم أقدم على أي فعل يسيء لي، بل كنت من رواد المساجد، مع انني أقتن دوراً مرتفعا، كنت اتلذذ بالمشقة، لأنني أعلم أن الثواب علي قدر المشقة، ذهبت روحي إلي بارئها وأنا مطمئن، فلقد حاولت مراراً أن أذوب الخلافات وأقَرب المسافات ولكن دون جدوى!!!!؟.

فاطمة مندي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى