محمد الرياني - جَمَال

اليومَ أنا شخصٌ آخر، لبستُ ثوبًا لونه مختلفٌ عن الألوان التي اعتدتُها، وضعتُ حولَ معصمي ساعةً من الماركاتِ القديمةِ الأنيقةِ بدلًا عن ساعتي الالكترونية، رششتُ عطرًا فاخرًا نفاذًا من السوقِ الذي تركتُ الابتياعَ منه منذ زمن، مشيتُ بطريقةٍ هادئةٍ غير العَجِلة التي عُرفتُ بها ، تحدثتُ بهدوءٍ وبإنصاتٍ لم يسبق لي أن سلكتُه مع الذين يتحدثون معي، مررتُ بجوارِ بعضِ الذين لم أكن أُسلِّمُ عليهم؛ والمرةُ الوحيدةُ التي فعلتُها معهم اكتفيتُ برفعِ يدي اليسرى بانخفاضٍ بالغٍ على الرغم من نظراتِهم البائسة، هذه المرةُ ابتسمتُ لهم ورفعتُ يدي اليمنى منتصبةً وهم غيرُ مصدقين أنني أنا، عددُ ساعاتِ اليوم تمنيتُ أن تزيدَ عن أربعٍ وعشرين ساعةً كي أُحققَ رقمًا قياسيَّا جيدًا للوصولِ إلى مساحاتِ حُبٍّ مختلفةٍ عن تلك المساحاتِ السوداءِ التي سكنتْ قلبي، في هذا اليومِ وجدتُ أشياءَ جميلةً بعدَ البحثِ في دولابي القديم، رسائلَ زملائي الذين كانوا يباركون نجاحي وتفوقي الدراسي نهايةَ العام، ووجدتُ قلمًا ثمينًا من معلمي الذي أصبحَ عجوزًا رأيتُه مؤخرًا على كرسيٍّ متحرك، أمسكتُ بالقلمِ طويلًا، لونه الأخضرُ الغامقُ لم يتغير، به بقايا حبرٍ قد نشفَ بفعلِ مرورِ الزمن، وضعتُه في جيبي، قلتُ لعلِّي أزورُه ليتذكرَ هذا القلم، ألم أقل إنني شخصٌ مختلف، في الليلةِ التي أردتُ الذهابَ ومعي القلمُ جاءني خبرُ وفاته، بكيتُ بحرقةٍ ولم تكن بعضُ حالاتِ الحزنِ تصيبني حتى حملتُ القلمَ القديم، عدتُ إلى قارورةِ حبرٍ لا أعرفُ تاريخها، وجدتُ بعضَ المدادِ يكفي لكتابةِ بعضِ كلماتِ حزنٍ تليقُ بصاحبِ الهدية، لم يستجبِ القلمُ للكتابة، ماتتْ حياةُ المداد ، ازدادَ الحزنُ لأنني لم أَرثِ المعلمَ بهديته، أعدتُ القلمَ إلى مكانه، عثرتُ على شهادةِ شكرٍ مُنِحتُ إياها في مناسبةٍ قديمة، عادتْ إلى نفسي زفراتٌ غيرُ موجودة الآن، بقيَ من الليلِ بعضه، تأملتُ النجومَ التي تملأ السماء، جلتُ ببصري في السقفِ البعيدِ ليلًا وكأنه يدثرُ الأرضَ بالسوادِ والناسُ يَغطُّون في النومِ والأحلام، أغمضتُ عيني كي أحلمَ في ساعةٍ وأعودَ إلى يومٍ جديد، بالفعل عدتُ وكأني نمتُ يومًا كاملًا، بدا الناسُ في نظري وكأنهم يلبسون الملبسَ نفسَه ووجوههم تكادُ تتشابَه من البِشر، وكلما مرَّ بي أحدُهم قال لي : لقد تغيرتَ كثيرًا، ماهذا الجمال؟ لقد كنتَ جميلًا بالفعل؛ لكنك اليوم أروع، لم يعرفوا أنني نمتُ ساعةً واحدةً لأراهم، كيف لو أنني نمتُ معظمَ الليل، ربما رأوني رجلًا قَدِمَ من بطنِ أمِّه وقد اكتمل...


محمد الرياني

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى