د. سيد شعبان - بشكول..

بالتأكيد لم تسمعوا بهذا الاسم من قبل، ربما كان أشكول وقد اختلط علي الحال، في غمرة انشغالي بهموم الحياة التي تلاحقني؛ نحن في دوامة لا تنتهي، مطالب الصغار، حاجات زوجتي التي لا تمل من متابعة الجديد في عالم الثياب، في الحقيقة عحزت عن تفسير مجيء بشكول إلى قريتنا النائية؛ لن أتعبكم معي فقدرتي على كشف طلاسم الحروف صارت واهنة، والآكد من هذا كله أنكم تتساءلون هل هو إنسان من لحم ودم، أنا لا أصدق حكاياته التي تناقلها الناس في بلادنا، آخرون يحلفون أنه جني جاء في ظلمة ليلة شاتية؛ اختلس لحظة منها ومن ثم جاب الناحية يحمل جوالا به أفعى تتراقص، يضع لفافة من صوف حول رأسه، له عين واحدة، يتساند على عصا عجيبة، تمشي وحدها، يرسلها تعدو وراء الكلاب التي تنبح خلفه، حين تدركها تولي تلك السياع هاربة، نبتاع منه حلوى شعر البنات، يبيع للنساء اللبان المر ومن ثم تضج منهن نوافذ البيوت المتلاصقة من كثرة الرغي، حتى الرجال يجدون عنده عقاقير يقال: إنها تصلح عجز الدهر، تخفي شيب الظهر، يتبعه الشيوخ كما الصغار، في بلادنا كل غريب له سر باتع.
وحدها تغرف من نهر الحكايات المختزنة من زمن الأجداد، تدرك أن وراء الوافد بلاء يلتهم البر كله، ستداخل الأنساب، تجري النسوان في الشوراع فرائس صيد لكلاب السكك.
حجر وراء الباب الخشبي يحمل وشما، يتبع الغجري أثره.
تأتي هرة سوداء تقفز من النافذة، تضع مولودا أبتر الذنب، يموء عند الفرن، تخرج الأفعى من جواله.
عنده تأويل الرؤيا وعلاج العاقر، يسامر خيال الظل ويداوي الأبله والممسوس، مضت سنة وراء أخرى والريح العقيم تضرب جنبات البيوت، تعدت سيرته نواحي الوادي والدلتا، جاءت وراءه قنوات الرغي؛ غير معقول أن يفوتها موسم صيد تخادع به المتفرجين في ليالي الشتاء المصابة بالرتابة.
مذياع أم علي لا ينام، يأتي صوته الواهن أنينا يشق صمت الساعات المصابة بالخرس، ليته ألقى بالبيان رقم واحد؛ تم القبض على عميل يكشف للعدو أسرار زراعة القمح!
لو فعل لكفى البلاد شر سبع سنوات تضمر فيهن ضروع الأبقار، وﻷن جدتي تختزن الحكمة أعطتني سر الحجر؛ أن أشدخ به رأس الغجري حين يمر تحت نافذة بيتنا؛ لو تأخرت سيسحر له ومن ثم يطير به عبر وادي التيه من البقعة المباركة تينا وزيتونا وبلدا أمينا.
صعدت الدرج الطيني؛ شاغلتني بنت صقراء يسرح شعرها موج ريح عاصف، حدثتني بكلام حلو، واعدتها عرسا حين ألقي بالحجر على رأسه؛ كانت الأفعى تسعى!
في قريتتا يتناقلون أحاديث عن قوم يحفرون باطن الأرض؛ يبتغون كنوز الأجداد، يسيرون في الطرقات شاخصين للحجر، بعضهم يرى الثراء قريبا منه، أنفقوا أعمارهم ونفدت أموالهم وما انتهت أحلام الثراء.
صاحت جدتي في وله: ضيعت الوادي، جعلت السباع تعدو على الأغنام، في خفوت تبتهل إلى الله أن يهبني عقلي، وحيدها الذي تؤمل فيه أن يحفظ السر، لاح نجم في الجانب الغربي، ألقيت بالحجر من فوق البيت تساقط فوق رأسه، فر هاربا، تناثرت أشياؤه، تمزقت أحشاء البنت الصفراء، هبت راح ماطرة، أخرجت جدتي حفنة قمح ومن ثم اختزنت سبع سنبلات خضر!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى