فوز حمزة - ساخنٌ جدًا جدًا.. قصة قصيرة

شطيرةُ البيضِ المسلوقِ مع الطماطمِ والزيتونِ الأخضر إلى جانِبها فنجانِ شايٍ ساخنٍ جدًا جدًا هو فطوري المفضل، لكن ذهابَ زوجتي في زيارةٍ لبيتِ والديّها، هداني لفكرةِ تناول الفطور في أحد المطاعم لاسيما أنَّ التغييَر من وقتٍ لآخر أصبحَ حاجةٌ ماسة.
اتجهت لمطعم يقع عند ناصية شارعنا.
وجدتُ أنواعاً كثيرةً من الوجباتِ في القائمةِ إلا طلبي! ماذا أفعل لمعدتي التي تحفزتْ للأكلِ؟
نظراتُ النادلِ المصوبةُ نحوي جعلتني أُسرعُ بطلبِ شيئًا ما. شجعني على ذلك دفء المكانِ مقارنة مع درجة الحرارة في الخارج التي قاربتْ ثمانية تحت الصفر. قلت له بعد أن اقترب مني بناءً على إشارتي:
- أريد شايًا ساخنًا جدًا جدًا.
وأنا أسلمه القائمة أيقن أنَّني لن أطلبَ شيئًا آخر.
بدأت ذرات الثلج تتساقط بغزارة ومؤشر درجة الحرارة سجل انخفاض ثلاث درجات أخرى.
وأنا أرتشف الشاي الساخن جدًا، بدأتُ بالإنصات إلى صوت الموسيقى الهادئة أما الأنوار الخافتة والهدوء الذي عم المكان أغروني بالاسترخاء قليلًا والاستمتاع بما حولي قبل أن يُفتح باب المطعم ليدخل أربعة أفراد من الشرطة يتقدمهم ضابط.
بدأوا يتفرسون في وجوه زبائن المطعم الذين لا يتعدى عددهم الستة وأنا سابعهم. حضر مدير الصالة ليتحدث معهم، بعدها راحت نظراتهم تتجه نحوي.
تقدم الضابط وطلب مني ما يؤكد هويتي بينما بقية الأفراد التفوا حولي، وهو يعيد لي هويتي قال لي بعد أنَّ قلبها بين يديه:
- تفضل معنا.
تقدم شرطي وكان أطولهم واضعًا الأصفاد في يدي وسط ذهولي، فسألتهم بصوت كأنه ليس لي:
- إلى أين؟ هل هناك شيء؟!
كنت كمن يحدثُ نفسه.
كانت هذه هي المرة الأولى التي أركب فيها سيارة للشرطة، سألت الرجل الذي جلس على يميني:
- ما الذي فعلته؟ وإلى أين تذهبون بي؟
نظر إليّ نظرة كانت كافية لإسكاتي طوال الطريق.
في المخفر.. أمروا شرطيًا بوضعي في غرفة التوقيف لحين حضور الضابط المعني بالتحقيق معي.
وأنا أسير بجانب الشرطي الذي أحكم مسك يدي، أوهمت نفسي أن هذا حلما ليس إلا وساستيقظ منه، وقد أكدت لنفسي ذلك حينما وجدت نفسي وسط مجموعة من الرجال داخل غرفة ضيقة ومظلمة وكأنَّني أتفرج على مشهد سينمائي، الدقائق التي مرت أعادت لي بعضًا من اتزاني فبدأت أقول بيني وبين نفسي: إن هي إلا ساعات وأخرج، أكيد حصل خطأ ما، ربما في الأسماء...
حديث النفس قطعه عليّ رؤية أحدهم، تفرست في وجهه، إنَّه مديري في العمل، لطالما سرق جهودي ونسبها لنفسه، ماذا يفعل هنا؟ لم ينتبه لي إذ كان منهمكٌ في الحديث مع شخص كأني أعرفه، إنه خطيب زوجتي السابق الوسيم الذي كان يثير غيرتي وحسدي. الآن أنا أحسده أكثر من قبل لسبب لا أتمكن من البوح به. إن كان تواجدهم في هذا المكان صدفة فما الذي يفعله بقال حارتنا؟! صحيح أنه رجل جشع وهذه ليست نقطة الخلاف الآن، بل كنت احتاج لتفسير مقنع في اجتماع هؤلاء الثلاثة معهم جاري الأعور الذي لم أجدْ سببًا لكرهه أقنع فيه نفسي سوى أنَّني أتشاءم من رؤيته.
ما الذي يحدث؟ وقفت وسطَ غرفةَ الحجزِ أتطلع في وجوههم. سألتهم:
- ما الذي يحدث .. لماذا نحن هنا؟
أجابني رجل لا أتذكر أين رأيته من قبل:
- ليتك تُخبرنا أنت، ألست آخر القادمين؟
صاح أحدهم كان يجلس في زاويةٍ مظلمةٍ:
- قصة كل يوم.
أنشغلَ الجميعُ عني، فوجدت نفسي أعود لمكاني أحلم بشطائرِ البيضِ المسلوق بالطماطم والزيتون الأخضر وإلى جانبها شاي لا يهم إن كان ساخناً جدًا جدًا .. أو بارداً جدًا جدًا .

تعليقات

جميل... ان يوثق الكاتب أحداث يومية تسبب الضيق النفسي للكثير من الاشخاص المنضبطين اخلاقيا مع اسرته. نص شفاف ينتمي الى الحكاية الشفاهية الجميلة بواقعيتها ومخيلة كاتبها... تحياتي
 
أعلى