عبيد العياشي - الرّفيق..

-1-
لمَاذا أحدّقُ فيهِ وقَد كنتُ ألبسُ قِمصانَه في فُصول العَدمْ .
كنتُ أشرَبُ أضحكُ.. أشربُ.. أضحكُ.. حتّى البُكاءَ وكانَ يشاركُني الرّأيَ في طَعْم ما نَحتسِيه وفي الحُبّ، فِي ثورةِ الفقراءِ وفي صفَقاتِ السّياسةِ والمَال بيْن الأممْ .
فجأةً صحتُ فيه: كفَى! إنّ عهدَ البطولةِ في الشّرق يَدعوكَ فاسْمعْ نداءَ الرّفاق هنالكَ، قال: الحَضارةُ شاهِقـةٌ إنْ تُقمْها عَلى الرّمْل يا صَاحبي تَنهدِمْ .
قلتُ: لستَ رفيقي، ويَا أيّها البلشفيُّ الغبيُّ وداعًا. سأمْضي وحيدا إلى منتهى المنتهى وستبقَى هنا مثلما كنت دوما سجينَ الحُلمْ .
ولمّا انحنيتُ لأنهَل مِن ماءِ دجلةَ ذابتْ شفاهيَ، تبًّا.. لقدْ كان دِجلةُ ينسابُ حبرًا ودمْ .
قلتُ أبوابُ بابل ترفضُنا فلْنعدْ إنّ أبوابَ بغدادَ مُشرَعةٌ منذُ زحْفِ المغُولِ .. فهيَّا نمارسْ طقوسَ النّدمْ .
.
ـــــــــــــ

-2-
صدفةً بعدَ خمسينَ عامًا أُلاقيهِ عند " باب الجزيرة " في حانةٍ ليسَ فيها سِوانا. أحدّقُ فيهِ، أعانقُه لا يعَانقني. هوَ لا لمْ يكنْ هو بلْ هوَ..
مِعطفُـه العسكريُّ الطويلُ
وشاشُ فلسطينَ يغْفو وسامًا على صَدرهِ
وَعلى صَدخِه نَدبةٌ رسمتْها شَضيّةُ قنْبلةِ الأكْرموجينَ، لمّا تزلْ تتلألأُ شارةَ مَجدٍ وعِزٍّ، تُرانِي أعانقُه إذْ أعانِقهُ أم أعَانقُ فيهِ بقايَا.. صنمْ .
ـ : أيُّها البلشفيُّ الذّكيُّ، أتعْقِـلني؟ يا رفيقَ السِّنينِ العجافِ أنا... عبدُ مَن كنتَ تأنَسُ لي كلَما أوْغل الحزنُ فينا وهاجمَ مجلسَنا المُخبِرونَ لعلّهمُ يعثرونَ على شُبهةٍ ما قدْ تلخّصُ كلّ التّهمْ .
ولكنَّ حمَّةَ منْشدِهٌ، لا يُجيبُ
لقدْ كانَ عالمُنا حولَهُ.. أبكمًا وأَصمْ .
.
ـــــــــــــ

-3-
قِيل لي، كلّ فجرٍ يجيءُ إلى مرْكز الحرسِ الوَطنيِّ كما كانَ يفْعلُ في زَمنِ البغْيِ، لكنّه اليومَ يأتي لينشد، والدمع يهمي، مع المُنشِدين " حماةَ الحمى ".. عندِما يرفعُون العلَمْ .


ـــــــــــــ عبيد العياشي





1672253766458.png
  • Like
التفاعلات: محمد علاء الدين

تعليقات

أعلى