سعيد الشحات - ذات يوم.. 23 يناير 1952.. وفاة الدكاترة زكى مبارك.. المصرى الأزهرى الفقير الذى أتعب خصومه بمعاركه وصرخ فى سجانيه: «لن أتوب لن أتوب»

1
كان الكاتب الأديب الدكاترة زكى مبارك يمشى فى شارع عماد الدين مع أصدقائه فى المساء، وأصيب بإغماء مفاجئ أدى إلى سقوطه على الأرض، فأصيب بجروح فى رأسه، وحمله مرافقوه إلى منزله بمصر الجديدة فى سيارة خاصة، وظل غائبا عن الوعى حتى الساعة الخامسة والنصف صباحا، نقل بعدها إلى مستشفى الدمرداش لإجراء جراحة عاجلة قررها الأطباء، وبالرغم من نجاح العملية وقت إجرائها، فإن ارتجاج المخ الذى أصيب به على أثر وقوعه أدى إلى وفاته فى 23 يناير، مثل هذا اليوم، 1952، وفقا لما يذكره أنور الجندى فى كتابه «زكى مبارك.. دراسة تحليلية لحياته وأدبه».
2
كان رصيد زكى مبارك وقت وفاته ستين عاما عاشها، فهو من مواليد 1892 بقرية سنتريس محافظة المنوفية، والتحق بالأزهر عام 1910 على وجه التقريب، ثم هجره إلى الجامعة المصرية، وله نحو 40 مؤلفا أبرزها، «مراجع العشاق، عبقرية الشريف الرضى، الأسمار والأحاديث، فى الأدب والأخلاق، الأخلاق عند الغزالى، الموازنة بين الشعراء، وحى بغداد، ليلى المرضية فى العراق، حب ابن أبى ربيعة، اللغة والدين والتقاليد، جناية أحمد أمين على الأدب العربى، ذكريات باريس، العشاق الثلاثة».
3
كما كان فى رصيده مئات المقالات فى الصحف، وكثير من المعارك التى خاضها ضد أكبر مفكرى وأدباء عصره، وفى رصيده العلمى ثلاث دكتوراه، الأولى «الأخلاق عند الغزالى»، وحصل عليها من الجامعة المصرية عام 1924، وكتبت الصحف غداة حصوله عليها: «زكى مبارك ابن الجامعة الخامس، فقد أحرز إجازة الدكتوراه بدرجة جيد جدا، وكانت الدكتوراه الثانية بعنوان «النثر الفنى»، وحصل عليها من السوربون فى فرنسا يوم 25 إبريل 1931، وفى 14 إبريل 1937 حصل على الدكتوراه الثالثة عن «التصوف الإسلامى»، وبعدها أطلق على نفسه «الدكاترة زكى مبارك»، حسبما يذكر الجندى».
4
كان ممن عرفوا الحزب الوطنى فى شبابه، ورأس تحرير جريدة الأفكار، وأصبح من أبرز خطباء وشعراء ثورة 1919، وطلبت سلطات الاستعمار اعتقاله بعد أن ألقى قصيدة سياسية فى الأزهر، ويذكر محمد محمود رضوان فى كتابه «صفحات مجهولة من حياة زكى مبارك»، أنه ترك حجرته المتواضعة فى خان يعقوب بحى الأزهر، إلى حجرة فوق سطح يسكن فيها صديق من أبناء قريته سنتريس يدعى أنيس ميخائيل، وتعبت السلطة وأعوانها وعيونها من البحث عنه ثلاثة أشهر، فلما عاد إلى غرفته يوما تدافعوا إلى بابها، ودقوه بعنف وهم يصرخون: افتح يا شيخ زكى، ولما فتح الباب، وجد نفسه أمام مأمور القسم، وهو يهتف: «أتعبتنا يا أستاذ»، وأرسلوه إلى المعتقل، ثم طافوا به على المعتقلات، حتى وصلوا به إلى معتقل شاطئ البحر، فى سيدى بشر بالإسكندرية، وأرادت سلطات الاحتلال العسكرية الإنجليزية أن تأخذ منه تعهدا بالتوبة مقابل الإفراج عنه، فصاح فى وجه رئيس المعتقل: «لن أتوب لن أتوب»، وظل فى السجن عاما كاملا.
5
يراه فتحى رضوان فى كتابه «أفكار الكبار»: «ممن نأوا بأنفسهم عن السلطة من جهة، وممن حرصوا على خصائص المصرى الأزهرى الريفى الفقير، وإن كان قد فتح عقله وقلبه لكل مفاتن وحقائق ولذائذ الحضارة الغربية، ولكنه حرص على أن يبقى فى الجوهر مصريا، عربيا مسلما حرا، لا يدين بفضل إلا لمن علموه وأرشدوه، ولا يبيع قلمه ولا لسانه لحاكم ولا لحزب ولا لصحاب جاه»، ويدلل رضوان على ذلك بما قاله مبارك فى جريدة الأفكار سنة 1919: «تنصحنى يا هذا بأن أجامل وبأن أصانع بل تريد أن أنافق، ويحك إنما ينافق الضعفاء، إن الله لم يخلقنى لأكون ألعوبة، أدارى هذا، وأحابى ذاك، أنا فى نعمة من ذلك لا أبالى بعدها أين يكون سخطكم، وأين يكون رضاكم».
6
سافر إلى العراق سنة 1938 للتدريس فى دار المعلمين العليا ببغداد، وأمضى فيها عاما كاملا، ووفقا لأنور الجندى: «أتاحت له الفرصة أن يزداد إيمانا بالعروبة، ويوسع دائرة ثقافته ويعمقها، ويحرص على أن يكتب عن العراق والشريف الرضى، وذهب حبه للعراق إلى أبعد الحدود، فلبس السدارة العراقية، وأعلن أن سفير العراق فى مصر».. يضيف الجندى: «كان فهمه للقومية العربية صريحا مقرونا بعاطفة الصدق والإيمان»، وينقل عنه قوله: «هذه الأمم العربية لا خلاص لها إلا باتحادها»، يؤكد: «إن التشكيك فى عروبة مصر لا يقوم به إلا إناس يخدمون المستعمرين والمبشرين».
7
كانت معاركه عنيفة مع العقاد، سلامة موسى، لطفى جمعة، مصطفى صادق الرافعى، أحمد لطفى السيد، أحمد زكى باشا «شيخ العروبة»، والشيخ عبدالعزيز البشرى وغيرهم، غير أن معركته مع أستاذه طه حسين تبقى هى الأعنف، حيث انقلب عليه منذ عام 1931 وامتدت حتى وفاته، وقال فيها كلمته الشهيرة: «إن أطفالى لو جاعوا لشويت طه حسين وأطعمتهم من لحمه».
.......................................................
#ذات_يوم_سعيد_الشحات_اليوم_السابع

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى