د. سيد شعبان - الرجل الذي تناول الفاصوليا!

لماذا يجب علي أن أصحو من النوم؟
حاولت الإجابة على هذا السؤال أكثر من مرة؛ ربما لأنني أكره الليل؛ ينسج حولي رداء من الظلام؛ تدخل الدنيا في ثبات؛ تزورني أطياف لا أكاد اتبين ملامح أصحابها، رجال لايرتدون غير الأقنعة؛ يتبين من عيونهم أنهم يدبرون لي مكيدة؛ أستدير جهة الحائط فتنشق الحجرة عن مغارة تسكنها ذئاب؛؛ أكثر من مرة أحاول أن أبقي الحجرة مضاءة؛ تصر زوجتي أن هذا إسراف لامبرر له؛ تسرع فتسحب كل وصلات الكهرباء؛ أمسك ببعض تلك الخيالات حتى أدير حولها نقاشا مع زملائي الذين نختلس بعض الأوقات بعيدا عن متاعب الحياة!
حين أخرج من البيت تصر أن تمد يديها في حافظة نقودي تلك التي لا تبقي فيها شيئا؛
تناهت إليها وشاية نقلتها زوجة صديقي الذي تناول معي وجبة فاصوليا بيضاء تتخفى فيها قطع لحم!
منذ هذه الحادثة التي يعتبرها بعضكم لاقيمة لها لم تتركني أخرج بمفردي؛ خشية أن أبذر أموالي؛ تعتقد أن تناول وجبة مثل هذه أمر مضر بصحتي؛ أغرب ما في الأمر أنها تجلس قريبا مني في المقهى؛ تبدو ماهرة في احتساب رشفات الشاي؛ أحاول دائما أن أخبرها بأن زملائي يتندرون بي؛ لم تمض غير أيام حتى امتلأ المقهى عن بكرة أبيه بنسوة زملائي؛ صار أمرا مزعجا؛ اقترحت على المتقاعدين عن العمل أن نفتح مقهى للسيدات؛ نقدم إليهن المشروبات الساخنة؛ وعلينا أن نتدبر طعامنا؛ تخلصنا من رهق المتابعة!
صارت كل واحدة تطلب ما تريد؛ زوجتي بطبيعة حالها تصر أن أجلس بجوارها؛ نتناول طعامنا معا؛ في كل مرة تخرج من حافظة نقودها جنيها!
صار شركائي في المقهى يضجرون من كثرة الديون؛ كل الزوجات يطلبن لحما مخلوطا بالفاصوليا؛ إنه مكان غير مناسب لتناول الطعام؛ هذه تعليمات السيدة رئيسة الحي!
من المؤكد أن تلك الوجبة تصلح لتسد جوع الذين يخرجون إلى المعاش؛ تناقل هذه العبارة كل الذين يمرون بنا؛ افتتح أكثر من مطعم؛ تسارع المذيعون في برامج الرغي المسائية إلى الحديث عن فوائد الفاصوليا؛ أكد الخبراء أننا نمتلك مخزونا كبيرا منها؛
يقال إن الحرب التي تدور في بلاد الثلج أثرت على ارتفاع ثمن ذلك الطعام الذي يعد كنزا ثمينا لتجار الأطعمة؛ في بلادنا تعد وزارة الزراعة خطة لتزيد من الأراضي؛ استضافت المذيعة ذات العيون الخضراء زوجتي بصفتها إحدى الماهرات في مزج اللحم بالفاصوليا؛ ارتفع ثمن الكيلو الواحد منها إلى ثلاثة أضعاف؛ يجب ألا تزيد الحبات عن عشرين حبة في الصحن الواحد؛يعد ذلك إسراف!
خرج علينا مدير أحد الأندية الرياضية متفاخرا؛ هل رأيتم يوما فاصوليا غير بيضاء؟
ولأننا نخشى سطوة لسانه وافقناه على ذلك؛ قدم لزوجتي بطاقة عضوية في النادي مدى الحياة؛ حاولت أن أدخل معها لكن طلبي قوبل بالرفض؛ تندر علي كل من عرفني؛ بدأت الصحافة تلوك سيرتي؛ أجدني محاطا بلافتات في كل مكان؛ تتحدث عن الرجل الذي تناول حبات الفاصوليا!
انبرى أحد الأطباء وأظهر خطورة تناول تلك الحبات؛ إنها تصيب آكلها بهلوسة من نوع غريب؛ تجعله مصابا بمرض أشبه بفقدان الذاكرة!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى