محمد آدم - نشيد الجحيم وقصائد آخرى (4)

نشيد الجحيم

(روحى فقيرة
أسكن فيها وأطوف
كراهبٍ
فاسدٍ
منذ الأزل
ولا شىء يزيّن جدران
هذا الدير البشع)
بودلير
(غالباً
فى الكائن المظلم
يقطن إله خفى)
جيرار دي نيرفال
(1)
آه
كيف أكتب عن أيامى التى تضمحلْ
عن بدنى الذى ينسكبُ مثل إناءٍ فارغٍ
على مصطبة التاريخ
وخرائط الجغرافيا
عن قلبى الذى يعملُ وبضراوةِ مَنْجلٍ
وفوق علبة صفيحِ
فى مقلب زبالةٍ
عن عينى التى تنام فى الأفق ولاترى سوى الجحيم
وأنهارِ الدم
عن شمسى التى تشرق من الغرب دائماً
ولا تعود تفكر فى المجىء ثانيةً أبداً
عن المعركة الفاصلة بين صرصارٍ أعمى وحبة باذنجان منسيةٍ على حواف الذاكرةِ
عن التاريخ الذى يمتد من الفراعنةِ
وحتى سقوط آخر رملةٍ فى بئر التناسخات
عن الساعات التى لا تعمل إلا تحت ضغط العجلات المصفحةٍ
ودبابات الألم
المركونةِ فى شبكة المجارى الكونية
بدءاً من أنفاق باريس الضخمة
وحتى قاهرة المعز لدين الله الفاطمى
كيف أكتب عن كل هذه الأكواب الباذخة
من الندمْ
والمحفورة على الجدران
والأرغفة
وبرّادات الشاى المغلى
وضحكات الأرامل
ودور المسنين
وكوابيس العجزة
المفرومة تحت أرجل القانون الدولىِ
لا
لم يكن يوماً رائعاً هذا الذى أسير فيه
بين أعواد الذرةِ
ومقابر القرية
لا ولم تكن
رائعة كذلك كل تلك الشموس التى تغتسل
فى أحواض البلهارسيا
وعلى مصاطب النهارِ
فى الملّاحات
وكنيسة وادى النطرون
ومحطة الرمل
وسجن أبى زعبل
وهى تفلى رأسها من القملِ والدودِ
على حصيرة الخنازير الوسخة هذه
والتى يُقال عنها الإنسانية
وعلى مفارش الجماهير التى تتجه صوب الشرقِ
والمضروب بالشراشرِ المجنزرةِ
مرةً
والغرب الجالس على دكة الجماجم
وأنهارِ الدم
مرةً أخرى!!
لا
ولم تكن كاملةً كل هذه الأغنية الجماعية
التى تخرج من فم الممياوات
وأحذية العسكر
وأطفال الملاجىء
والمحشوة فى زكائب الرأسمالية المتوحشة
على أبواب البورصات العالمية
بدءاً من بورصة الَ وول ستريت
ومروراً ببورصة الحادى عشر من سبتمبر
وانتهاءً ببورصة الله العمومية
التى بدأت من أرض أور
ومروراً بمزامير الفراعنةِ
والكنعانيين
وأنتهت على بواباتِ القدسِ
العتيقةِ
فى مياه كلها راكدةْ
بالأساس.
(2)
أين أنت يا لله قل لى
فى كل هذا الدم الذى يسيل على الأرضِ للرّكبْ
ويسير فى الشوارع كاشفاً رأسه ومؤخرته
ويختبىء تحت أسفل العمارات
ويتسلل إلى البيوت الطينية
ليلاً
أو نهاراً
ولا أحد يسأل
ولا أحد يتوقف ليقول
الدم الذى يحصد العيون
ويجز رقبة الأحلام بيدٍ واثقةٍ
وتعريفةٍ جمركيةٍ واحدةٍ
أين أنت أيها السيد الجالس هناك على العرش
فى هذا الزمن الأسود
وكل حرائقه الصماء
فى هذا الزمن الذى يأكل فيه الأحياء لحم الموتى
ولايشبعون
والذى يدور فيه الذئب فى الشوارعِ
ليبحث فيه عن أى شىءٍ
بدءاً من رغيف الخبز المعجون بالأسلاكِ الشائكة
وانتهاءً برقبةِ الطفلِ الجائعِ
أين أنبياءِك الشطّار
الذين صدعوا رؤسنا تارة بالعدل
تارة بالحرية والمساواة
وتارةً بالمحبةِ
تارة بمن صفعك على خدك الأيمن فأدر له
الأيسر
وتارةً بالقصاص
والرحمة
أولئك الذين قالوا لنا ذات يوم
إن كل البشر إخوةُ
إن كل الناس متساوون
ولا فرق هناك بين أبيض
أو أسود
الجمال
والمحبة
والخير
خلاص كل شىء
ورمز كل شىء
والأساس النهائى للعالم
ولا وجود للظلم هنا
أو هناك
وفوق كل هذه الأرض!!
ومن يومها والعالم كله يدور
لا
لا
لم يتغير أى شىء
هى هى نفس الساقية الملعونة
التى تدور من الصباح وحتى المساء
ومن المساءِ حتى الصَباح
وعلى نفس الوتيرةِ
وبنفس المدار
لا تفرمُ سوى الجثث
ولا تدور إلا على الدمْ
الدم الذى يتدفق من كل ناحيةٍ كالنقانقِ
والشآبيب.
(3)
أنا يوماً ما وقفت وصرخت
وقلت
ياسيدى زارادشت قل لىْ
ما هى الحكمة من وراء كل هذا العالم
وأين يكمن النور فى الظلام
لمَ كل هذه الظلمة
ومن الذى اخترع النور فى العقل
وما هو أساس الشر فى هذا العالم
ومن الذى أسَّس لمملكةِ الشرِ هذه
وكيف استطعت أن تصلَ أنت
- وبمفردك
وكذرَّةٍ معطوبةٍ فى فضاءٍ لا نهائى –
إلى صلب الكينونةِ
وكنه العالم
ذرّاتٌ تلو ذرات
أممٌ تأتى
وأمم تروح
والكل يذهب إلى كل تلك المقبرة
الجماعية
ما هو معنى الوجود بالأساس
ولمَ كانت كل تلك الرحلة الشاقة
والتى لم يستأذنا فيها أحد
ولم نطلب فيها من أحد أن نأتى إلى
هذا العالمِ قط
بلا إرادةٍ نأتىْ
وبلا إرادة نروح
لمَ كل هذه الإقامة الجبرية فى هذا العالم
ولمَ كانت الروح أصلاً؟!
يازارا
أنت سيدى فى هذه الرحلةِ
قل لى أرجوك
ماهى غاية القلب الإنسانى
وما هوالهدف من رحلة هذه السفينة
التى تبدأ من داخل الجسد الإنسانى
وتنتهى دائماً على ساحل النسيانِ
والعدم؟
وكيف يمكن الجمع بين النور والظلمة فى كفةٍ واحدةٍ
ولماذا كان الشر أصلاً فى هذا الكون
من الذى زرعة
وسقاه
وربّاهُ
وظل يحرس بذرته الأثيمة إلى أن
أصبح بهذا الشكل
هل الشر مقصود لذاتهِ
أم أن الخير المحض غير موجود ؟!
وإذا كان الشر مقصود لذاتهِ
فمن هو خالق الشر بالأساس
هل الله؟
أم الشيطان؟
وإذا كان الشيطان هو هو صانع الشر
فمن أعطاه كل تلك القوةِ
وإذا كان الربّ
فماذا ذنبنا نحن
أما كان يمكن لكل تلك القوة الإلهية
أن تجتث الشر من جذورهِ
بأن تنزع الشيطان أصلاً؟
ولماذا نحن معاقبون يازارا
ألم يكن للشر الخالص أن لا يكون
موجوداً أصلاً إذا لم تكن وراءه
كل تلك القوةِ اللامرئيةِ
لكى يتوحش ويتفحش
إلا فى ظل الخير الخالص
من نحن
قل لى يازارا
وماذا نفعل فى هذا الكون الغامض
وهل الله فكرة بالأساس
وإذا كان كذلك فما هى كل تلك الفكرة
كيف انبعثت
ولماذا تفرعت فى كل هذه الاتجاهات
من هو إله بوذا
وما هو شكل المسيح
ألم يكن كونفوشيوس العجوز رمزاً
لطهارة الجسد
ونورانية الروح؟
أنا يازارا
أحدق إلى العالم من خُرْم إبرةٍ
فأرى العدم يتربص بنا من كل ناحيةٍ
وأسمع أنين أشجار الزنزلخت
وبكاء أشجار الكافور
ولماذا يموت هذا العصفور فى العش
ومن أحرق كل تلك الغابة ؟!
نهر هنا
ونهر هناك
وكل الأنهار تجرى إلى البحر
والبحر ليس بملآن.
(4)
على صخرةٍ مجوفةٍ وقفتُ وصرختُ
أين أنتِ يا سفينة الروح
وأين هو مثواكِ ياشجرة المعرفةْ
من هو هذا الـ "يهوذا"
ولماذا كان بيلاطس البنطى بالأساس
آهِ
ياقطرات الدم التى تغسل جدران العالم
من رأسه حتى آخر فلَّايةٍ فى الوجود
لماذا اخترت ابراهيم من دون كل هذا العالم
لتقول له
إذهب إلى أرض أور
ومن أرض أور اذهب إلى أرض الفراعنةِ
وكل ساكنى مصر
ولماذا مصر بالذات
ولماذا لم ترسل أنبياءك البررة مثلاً
إلى نيكاراجوا
أو المكسيك
أو حتى إلى الهنود الحمر فى الولايات غير المتحدة
الأمريكية
لماذا لم يظهر يسوعك الحى فى السلفادور مثلاً
أو أرض تشيلى
أو على بوابات مراكش الحمراء
وحدود البيرو
ولماذا إبراهيم بالذات
ومن ذرية ساراى الجملية
ساراى التى اتخذها الفرعون كعشيقةٍ
تخرج ذراريك العتيقة
لكى يقولوا للناس
أيها الناس
أيها المخلوقون من العدم
وإلى العدم سوف تعودونْ
نحن أنبياء الله فقط
إختارنا نحن من بين جميع الأمم
جعلنا ملوكاً
وأباطرةً
حكماء
وفلاسفةْ !!
من أصلا بنا يخرج النورُ الى العالم
ومن بين فروج نسائنا يكون الأنبياء فقط
وبقية القديسين
يا الله
من الذى اخترع الخير الخالص وجعله يسير فى الأزقة
المعتمة
ومن الذى أطلق كلمة الشر على هذا الفعل أو ذاك
هذا الشر قد يكون خيراً كاملاً لذاك
وهذا الخير قد يكون شراً محضاً لآخر
ما هو الخط الفاصل بين الخير المحض
والشر المحض كذلك
أنت نفسك لا تعرف يا الله
ولماذا لم تقم أنت – يا الله – باجتثاثِ كل هذا الشر الخالص
من كل هذا العالم
ولماذا لم تترك لنا الخير المحض
أهى لعبة مدبرة ؟!
أم أحبولة من أحابيلك اللانهائية
التى لا تنتهى
لماذا جعلتنا نتوه فى السكك
يهوه
أم يهوذا
المسيح
أم بوذا
عيسى أم موسى
أم عجل هارون الذهبى
محمد
أم أفلاطون وسرفانتس
لمَ كل هذه المتاهات يا الله
وماذا نحن فاعلون فى كل هذا الشتات اللاينتهى
هل نحن سياراتك المحملة بالقش
أم عرباتك المصفحة التى تعبر بها
من نهرٍ إلى نهرٍ
ومن محيطٍ إلى محيطٍ آخر
من دون أن نصلَ إلى شىءٍ
أو نتوقف عند ناحيةِ
ولماذا جعلتنا كالذبابِ يا الله
نطير فى السكك التى بلا نهايةٍ
ونلهو ونمرح فى الشمس عند الظيرةِ
وننام على الطرقاتِ فى الليلِ
وهناك
وفى آخر الليل ترسل إلينا حصَّادك القوى
ليدوسنا بقدميه
وبمنجله الضخم يقطّع رؤسنا
أو يفركنا بين أصابعه مثل ذراتِ الرملِ
ويلقى بنا – هناك – فى مزبلة الزمن
والتاريخ المنسى
وكأننا لم نكن قطُّ
ماذا إذا قلت لك أنت يا إلهى
هل جربت الموت
هل ذقت مرارةَ الفقد لمرةٍ واحدةٍ
ولبست خرقه الجوع
وأخذت تحدق إلى الجدرانِ
والنوافذِ
من خلال شبكة المجارى الكونية هذه
وتحت محطة الأرصاد الجويةِ
هل طاردك العسكر يوماً ما
وألقو بك فى غياهب الجُّبِ
وهم يخبون بأحذيتهم الثقيلة والتى يسمونها حكم الشعوب
بالنارِ
والرصاصِ
ويخترعون الجنة والجحيمْ
على طريقتهم المثلى
هل لبست زي عسكرى ويقف على الحدودِ
لمدة 24 ساعة متواصلةً
وفى يدهِ بندقيةُ معطلة
وتحيط به السلاحف والثعابين
والقطط
من كل فجٍ
وليس فى فمهِ سوى بقايا رغيف خبزٍ باردٍ
ومنذ يومين لم يتذوق فيها لقمةً واحدةً
وهو ينظر إلى الشرق تارةً
وإلى الغربِ تارةً أخرى
ولا يحيط به سوى سلكٍ شائكِ
وعواء دببةٍ جائعةٍ
وسحالى صخّابة ؟!
ماذا فعلت أنا لك يا إلهى
لتأخذ منى حبيبتى غاليتى
فى صباحٍ باردٍ كهذا
وتتركنى أضيع فى السككِ
وأتوه فى ممراتِ العتمةِ
ومخابئ الكلاب
الضالة ؟!
أضع يدى فى جيبى ولا أجد أى شىءٍ
وأصرخُ ولا أحد يسأل عنى
أنظرُ إلى المقابر التى تملأ الأفق
فأرى الجماجم التى تسدُّ عين الشمسِ
لماذا أخذت امرأتى غاليتى
وتركتنى هناك أتردى على الطرقاتِ
كالفئرانِ المعلبة
ودود المشِّ
أنا
أشعر بالقسوةِ
وأتنفس عصارة الحديدِ
والزرنيخ !!
أين شوكتك ياموت
وأين غلبتك ياجحيمْ.

(5)
هل نحن فى سفينة نوحٍ إذن ؟!
ونمرُّ من بلدٍ إلى بلدٍ
ومن متاهةٍ
إلى متاهةٍ
ومن مستنقع رثٍ
إلى مستنقع رثٍ
عن أى شىء نبحث فى هذا العالم
ولماذا نحدّق فى الظلامِ دائماً
كرّاكات هنا
وقاذفات قنابل وصواريخ هناك
إقذفى حممك أيتها السموات الملعونة
وشواظ نيرانك
الجاثية على الأنهار والمحيطات
ولتُنزلى صواعقك الجمة
على اللغةِ
والأرضِ
على الحشائش
والعشب
على الديانات
وفراخ الله المشوية هنا
أو هناك
وفوق هذه الأرضِ.
(6)
هل فعلاً كان يوسف فى الجُّبِّ
ولماذا جاء إلى أرض مصر بالذات
ولم يذهب إلى أرض أور مثلاً
أو حتى ساحل الصين
ولماذا باعه أبناء يعقوب
بثمنٍ
بخسٍ
دراهم معدوداتٍ
وكانوا فيهِ من الزاهدين ؟
هل كان يحب زليخة فعلاً
ولماذا كل هذه المؤامرة الكونية على برّ مصر
مصر التى سرقها اللصوص والطغاة
وتركوها هناك بين الأوديةِ
وعلى الممرات
تتسول الديانات
وتخترع الديانات
وتبحث عن القيامةِ
وتناسخ الأرواحِ
ويوم البعث
وأسرار غرف الدفن
وفن التحنيط تارة
فى زكيبة الكهنة واللصوص
وعبدة الشيطان
ولماذا اختار الربُّ مصر بالذاتِ
لكى تكون مثوى لكل هؤلاء السحرة
موسى بعصاه السحرية
وهارون بعجله الذهبى
مريم
بابنها المصلوب على شجرة الزيتون
وهو يخترع سفينة الموتى
ويقف وحيداً
على جذع نخلةٍ
يحدق إلى الشمس بضراوةٍ
ويحبس النجوم بين أكمامهِ
وفى قاع جيبه
كتاب الأضرحةِ
وخرافات الأمهات
وممياوات العدم
صلاة الأرقاءِ
وخزانة التاريخ
وأحشاء الجغرافيا
كلها
كلها.
(7)
أنا فى كل يوم أصحو من النوم
ولا أجد فى فضاء غرفتى الضيقة سوى الصمت
الصمت الذى أتحدث إليه كثيراً
ويحدثنى هو الآخر عن الموتِ
والعالم الآخرِ
وإنسكلوبيديا المرايا
أحياناً
أجد فراشة ضالةً فأفرد لها ذراعىّ
وأجلب لها كأساً من الحليب
وبرميلاً من الخمر
أفتح صندوق الذكريات واحداً
واحداً
فأجد أبى جالساً على نفس الدكة الخشبيةِ
وفى يده مسبحة الصلاة
وعيناه تغرورقانِ بالدموعِ
ومفاصله تتآكل
الواحدة تلو الأخرى
وهو يتذكر النسيان
ويعزف بأنامله الخشبية
على مصحف قرآنه
ويقدم قرابينه
إلى الحجر الأسودِ
ترى
أين ذهبت أمى فى هذا الوقت من الليل
ومن أغراها بأن تترك الدار
وتقف هناك
فى الزريبة لوحدها
وهى تحلب لبن البهائم وتنظر إلى السقف المتهاوى
وإلى تلك العصافير التى تعشش
خلف قاعةِ التبن
يا أمى
قولى لى أين أعثر عليك
وأين أجد أحد مفاتيحك
هل تركتِ لى ثوبك الأخير
لأضعه كوسادةٍ تحت رأسى
وأنا أرتّلُ مزاميرى
وأقدم قرابينى إلى الصراصير
وفئران العدم
وديدان الوحدةِ
ماذا أفعل أنا بكل هذا الزمن
الذى يتكدس بين أصابعى
كالنمارق المصفوفة
وينام تحت مخداتىْ كالسلاسلِ المحدّبة
أين أجد خلاص نفسى
وكيف أهربُ من هذا العالم
لا عزاء لى
وأنا أقف هناك على جبلِ وموسى
فى طور سيناء
وباحثاً عن الربّ
أو حتى ملاكٍ أجيرْ
ليتسلق معى كل هذه الجبال العالية
ويشرب – معى – من نفس الكأس
الفارغة
ويجلس معى على السفوح والمنحدرات
فى انتظار
أن تنتهى لعبة الشطرنج
الوسخة هذه
بين الله والشيطانْ !!
من يصدق هذه المسرحية القذرة
يسوع فوق الجبل
وأمه بين ذراعى يوسف النجّار !
من يصدق هذه المسرحية القذرة
يسوع فوق الجلحثة
وهو يحدق إلى الجماهير الغاصة
جسده يصرخ فى الناصرة
أنا الآب
والإبن
والروح القدس
ما هو الآب؟
وما هو الإبن ؟
وما هو الروح القدس؟
ألم ترتوى بعدُ هذه الروح القدس من الدم
ألم يسترح الله بعد من عناء كل هذا العالم
بعد أن تركه يهبط
إلى فوهة الجحيمْ
وتصنيفات اللاشىء
كيف كان سيكون هذا العالم
لولا أنا
وأنت
وماذا كان سيعمل الله فى الوحدةِ
هل كان سيظل جالساً – وبمفرده – إلى الأبد
على حصيرة الزمن البالية
وهو يحدق – هو الآخر – إلى اللاشىء
أو يلعب الحجلة مع شيطانةِ الأخرق
أم ماذا كان سيفعل بالضبط
لولا حساب المربعات والمثلثاتِ
وغرف الضوءِ المنتشرةِ
وأسطورةِ المرايا
من كان سيقول له يايهوه
ماذا تفعل فى ظلِّ عرشك
من كان سيسكن فى حدائقك المزدهرةِ
ويأكل من عنبك المرّ
أو يشرب من خمر ساقيتك المعطلة
أو قنينتك المكسورةِ
إلى جوارِ فراشةٍ ميتةٍ
أو حمارٍ يزعق
آه يايسوع
فلتتذكر حديقة الزيتون وأنت واقف بمفردك على شجرةِ الوحدةِ
وفوق جسدك ترقد مسامير العالم
ألم تصلى راكعاً إلى لاشىء
أو إلى إله لا يفعل لك أى شىء
سوى أن يتركك على الجلجثة
يشرُّ منك الدم
من كل بقعة فى جسدك
هل كان الله ومن فوق سمواتهِ السبعِ
يضحك لصوتِ لكل تلك المسامير
التى يغرسها فى جلدك
كل أولئك الجلادين السفلة
وفى لحمك الحى
بينما بيلاطس البنطى يشخرُ شخرةً
قويةً
من إلهك الجالس هناك على العرش
وهو يقول لك بصوتٍ
مبحوحٍ
سلِّم لى
على مؤخرتك
يايسوع المسكين
أنا سوف أركب دابتى العرجاء وأصلُ إلى البيت
حولى الإماء الحسان
والجوارى المعجونات بالشهوةِ
وبراميل النبيذ المعتق
وإمبراطورية روما
وبين فخذى تنام ألف امرأة
وامرأةٍ
من بنات فارس الأسطوريات
وأنت
أنت ماذا فعلتَ
وماذا فعل لك الربّ
بالفعل
يايسوعى المسكين قل لى
انظر
انظر
إلى بنات روما الشقروات
كأجود الخمر
واللآلىء
زمردات ومالهن من مثيل
وذهب براق.
(8)
دمى على الطرقات
ولحمى فى الشوارع تتناهشه الصراصيرُ
وهى تلعب مع الفئران
من كل فجٍ
أحلامى تأكل الخبز المحروق
ونظراتى غائمة
وإلى العبث تنظر
فى فمى تنحشرُ آلاف الفراشاتِ
الميتةِ
أركن كوابيسى اللاهبة إلى حائطٍ
مخروم
وأدقها بالمسامير
فى فمها أدلق حبر الزمن
وأدواته المكدسة
وكافة تصوراتهِ
وتكعيبات الشمس المنضدة
على هذا الحائط بالذات
كتبت ألف أغنية
وأغنية
إلى اللاشىء
كان العدم يلبس خرقته البالية
ويصلى أمامى صلاة مودِّعٍ
وهو يتجه إلى قِبلة
الأحجار المكعبةِ
والنفايات
لمن كل هذه القبعات المجهولةِ
لجنود الحرب العالمية الأولى
أم لجنودٍ من الماريجوانا
وعبده السلطان قارون
أو قورش
دمى على الطرقات
ولحمى يسير فى الشوارع كالتائهِ
الضلِّيل
من يقول لهذه الحمامة الطائرةِ
أين أنتِ يا أخت
لمَ لا تنامين فى الليل وفوق سريرى المحروق
وبدلاً من كل تلك الأحلام الزائفة التى تتقاتلُ
تحت السقف
وهى تقف عارية
على منشارِ الرغبةِ
وتناتيش المعنى
ألم يترك الزمن سرواله المبقع بالدم بعد
على طاولتىْ
لكى آخذ ريشتى الأخيرة
وأغمسها فى رباعية لورانس داريل
وأكتب على تلك الحوائط
عالمك هذا كله خراءِ
يا أيها الزمن الموشوم
بالنفاياتِ
وجزارة الأعضاء ِ البشرية
الربّ
هو أنا
وهو أنت
هو هذه الشجرة
وذلك الطفل
هو تلك الآلة الموسيقية
وعازفة البيانو
هو تلك الراقصة على الجبلِ
وذلك المغنى الضريرْ
هو النغمة الخالدة فى هذا العالم
وهو الرنّة التى لا تتوقف
لهذه النملة أو ذلك الصرصار الأعمى
هو هذه الكلمة
أو تلك
هو اللغات كلها التى تصطفُّ على
الطرقات الدامعة والواسعة لهذا العالم
من رأى منكم الربّ ذات يوم
ليصنعهُ لنفسهِ
الرب هو الوعى واللاوعى
هو المنظور واللامنظور
هو هو كل تلك الكلمات المبثوثة
فى قلب الارض
وعلى الطرقات تسير
وتحت كل تلك الأبنية
هو الزمن بكل امتداداتهِ
من الأزل إلى الأبدِ
ومن الأبدِ إلى الأزلِ
ليس هو الحاضر فقط
وليس هو الماضى فحسب
لا
ولن يكون هو المستقبل بالتحديد
الرب هو كل تلك العصور التى خلت
وكل تلك العصور التى سوف تأتىْ
كَذبَةٌ
كل أولئك الذين تحدثوا عن الرب بالتحديد
كَذبَةٌ كل أولئك الذين وضعوا الربّ فى حظائرهم
أو أوراقهمْ
وراحوا يرمون سواهم بالتجديف والكفر
الربّ لايظهر ولا يختفى
هو مرئى لكل من أراد أن يعرف
وغير مرئى لكل من أراد ان يعرف
الرب هو السمع
والبصر
والفؤاد
هو اليد والقدمْ
هو القضيب وفتحة الشرجْ
هو هو فخذ هذه الأنثى
وشهقة الأنوثةِ
هو الفرْج
والرقم الفذ للمؤخرةِ
هو كل تلك الأقدام التى تدب على الأرض
أو تلك الاجنحة التى ترفرف هناك عالياً
فى السماء
لا
لم يكن فى يوم ربَّ الرجل الأبيض فقط
لا ولم يكن هو رب الرجل الأسودِ فقط
كلمة هو
وأغنية
من يعرف سر الربّ وأين يختفى
ربما يكون قابعاً فوق تلك الشجرة
ربما يكون هناك جالساً على شاطىء نهرٍ
وينظر إلى تلك الشمس
ربما يكون فى ضحكة الطفل
أو دمعة الشيخ المسن
ربما يمشى فى شوارع هذه القرية ليلاً
ويتلصص على هذا العاشق
أو ذاك
وهو فرح القلب
وقرير الفؤاد
فى كل يوم نرى وجهاً آخر للربّ
فمرة يكون سيارة مسرعة بين الحقول
وأخرى يكون داخل عربة إسعاف
فمرة يكون منجلاً
فى يد فلاحٍ
أو ضحكة على صدر أرملةٍ
وهو يقف على الترع القديمة وأمام السواقى الملآنة
وينتظر نوبة الرىّ
مرة يكون بطة بريةً
ترفرف بجناحين أبيضين
على شاطىء النخلِ
ومرةً يكون حبة قمحٍ عزيزةً
وأخرى يكون فراشة محمومة
وتحط بين البساتين
فى مسرح طفولى لطيف
ولا تتوقف إلا على شعر امرأةٍ
تحن إلى رجلٍ وحيدٍ
يشاركها حضنه الدافىء
ويأخذها – كلها – بين شفتيه
ليتقلبا معاً فى فراشٍ خبيىء
ويمتلىء بالموسيقى
وشقائق اللذةِ
لا
لم يكن الربّ أبداً ساكناً فى مكة بالذاتِ
لا ولم يكن متجولاً فى ساحة القدس لوحدها
لا
لم يكن لكنيسة العذراء ذات يوم
ولم يقف أبداً على الجُلْجثةِ
فى صورة المسيح
ألم يكن يسير فى شوارع نيكاراجوا ذات يومٍ
ألم يتجول فى حدائق المكسيك
وعلى رأسه طاقيته العريضة
ويمسك بعصا الراعى
أو يقف وحيداً على القطب الجنوبى
بين الثلوج
وهو ينظر إلى الشمس التى تحرق جنوب إفريقيا
ألم يتجول فى شوارع السلفادور
ومثلما يمشى فى شوارع سنتاياجو
أو يتجول فى شوارع نيجيريا
وفى نفس الوقت يسير فوق ثلوج سيبيريا
ألم يكن الربّ فى كتابات السومريين ذات يومٍ
وهو يقف على عتبات بابلِ
وآشور
ويلوّح لجلجامش العجوز
بعشبة الخلود
فى حانة سيدورى
ألم يكن هو هو كل تلك الصور
والنقوشات
التى تركها الفراعنة على جدرانِ الأهراماتِ
وفوق جداريات معابد الأقصر
وكوم امبو
ألم يكن كل تلك الأناشيد والمزامير
التى يتغنى بها كهان منف
وطيبة
وحكماء عين شمس
ألم يكن يركب عربة آمون
وهو يسير فى شوارع مصر العليا
ويحدّق ناحية الشمس
بانبهارٍ
ويُحْلِسُ النجوم على ركبتيهِ
وهو يرتل المزامير المصرية القديمة
وأناشيد الديانات
التى تتغنى بالوجود الأبدى للواحد والمتعدد
فى نفس الوقت
وماذا كان يقول إخناتون عن الربّ ذاتهِ
وهو يركب عربته المزركشة
بنباتات الحور
وموسيقى الهناجر
وهو يتوجه إلى الشمس فى كل صباحٍ
وفى العشية
يجلس إلى أوراقه التاروتية
وأغنياتهِ
فى انتظار أن تحلّ فيه الروح القدس هنا
أو هناك
بين معابد الأقصر
وجبَّانات منف !!
أحياناً ما أسأل نفسى
لمَ كانت كل هذه الديانات
وفقط
مابين صحراوات مكة
وشوارع القدس ؟!
ألم يكن الرب غير منهم ٍسوى بهذه البقعة الصحراوية اللعينةِ
على كل هذه الأرض
لماذا لم يبعث الرب أنبياءه إلى تفليس
مثلاً
ولماذا لم ينزل الأنبياء هناك فى موسكو
وعلى نهر الفولجا
هل كان الربّ غافلاً – فعلاً – عن كل هذا العالم البعيد البعيد
هل كان لا يعرف عنه أى شىءٍ
وإذا كان – يعرف – فلماذا إذن تجاهله
ولماذا لم يرسل أنبياءه إليه
هل هو ربّ الصحراوات فقط؟
هل هو إله صحراوى بامتياز ؟
لمَ لمْ نسمع عن نبى واحد مثلاً فى كندا
أو على جبال الألب
أو فنزويلا ؟!
ولمَ لمْ يكن هناك مسيح واحد فى القطب الشمالى
أو القطب الجنوبى
ولا حتى فى شوارع باريس
أو هناك فوق جبال أثينا
لمَ لمْ ينزل الرب بنفسه لكى يسير فى شوارع روما
وفى أرجاء بيزنطه
وعلى منحدرات استوكهولم
أو فى بلاد النرويج
و أذربيجان
الرب واسع التنوع
ومتعدد اللغات
ولماذا اختار الربّ امرأةً واحدةً ووحيدةً
لكى يكون فيها
هى مريم العذراءْ
ولماذا مريم العذراء بالذات
ألم يكن قادراً أن يبيد الأرض
ألم يكن قادراً على إزالة السمواتِ
وإحراق الشمس
وإبادة القمرْ
هل كانت السيدة مريم العذراء هى الوحيدة
الطاهرة
النقية
الشريفة
والتى أحصنت فرجها
والتى اختارها الربّ لكى يضع فيها بذرته
وكيف يمكن للامحدود أن يكون فى بطن امرأةٍ
تحبل وتنجب
وتموت
وتمارس الجنس
مع يوسف النجار
وتنام وفخذاها عاريتين
وتنتظر بلهفةٍ
أن يأخذها يوسف النجار بين ذراعيهِ
وعلى سرير من القش الخالص
وفوق كومة التبن
فيما حمار النجار ينظر إليهما بانبهارٍودهشةٍ
وهما يتمرغان على حرائر اللذةِ
ويتمرمغان معاً على أرائك الشهوةِ
وهسيس النشوةِ الأولى
وشخرات الجسد التى تقبض على الزمن من مؤخرتهِ
وتجعل من الأبد لحظة
هى التحام الجسدين
فى بئر النشوة
ومن الأزل كذلك
كل الزمن الذى يتجسد فى تلك اللحظة
وينفرك بين الجسدين
الملتحمين
على سرير النعمة الخالصة
ولماذا احتاج الربّ إلى كل هؤلاء الأنبياء
على طول التاريخ
لكى يضع فيهم سرّه
ويؤسس من خلالهم لمملكته
هل كان فى حاجةٍ إلى كل هؤلاءِ
أيها السادة المجدفون بامتياز
والمراءون عن حق
الربّ هو ذلك الميكانيكى العجوز الذى يسهرُ ليل نهار
وأمام سيارة خردةٍ
لكى يعيد إصلاح عجلاتها
الرب هو ذلك الخياط الذى يمسك بمقود
ماكينة الخياطة لكى يحيك ثياب الزمن
المبقعة بالأمل
للأرامل
والملطقات
وذوى الإحتياجات الخاصة
الربّ هو ذلك الفلاح الملتحف بجلابيته الرثةِ
وحذائهِ المثقوب
وهو يمسك بمقود محراثهِ
من الصباح وحتى المساء
لكى يحرث الأرض
ويبذر سنابل القمح والذرة
والشعير
لكى تزدهر الحقول وتمتلىء بالنسابل
وكيزان الذرة
وآلاف القراريط من البرسيم
والشعير
لكى تأكل حيوانات الله
وترعى الأغنام
وتأكل الإبل
الربّ هو تلك الساعة الميكانيكية التى تتكتك
على الحائط لكى تشير إلى الزمن
وتحدّد الوقت
لكى يعرف العاشق متى تأتى حبيبته
أو ماهو ميعاد حصص الدرس
وبدء الفصول الدراسيةِ
وانتهاء النهارِ
وبداية الليل
الربّ هو ذلك الجندى المجهول والواقف على الحدودِ
فيما يخبُّ السادة اللصوص
وسرّاق الأوطان تحت أغطيتهمُ الصوف
خشية البرد
فى انتظار يوم آخر تفتح فيه البورصات العالمية
أبوابها الميكروسكوبية
ليكدِّسوا مزيداً من الثرواتِ
على حساب الشعوب المنكوحة
والديمقراطيات العمياء
التى تترنح تحت أرجل رجال القوات المسلحة
وجنرالات السلطة الخونة
بينما يقف رجال الدين – الكلاب –
ولصوص الله
فوق منابرهم المنقوشة بالبازلت
وكروشهم الممتلئة بالخراء
لكى يحولوا كل تلك الجماهير
إلى مجموعة من الحيوانات الضالةِ
التى لا ترى
أو تسمع
أو تحسُّ
خشية الجحيم المنقعرِ
وعذاب القبر
وفئران الله التى ترقص فى الحلَبةِ
فى انتظار لحظة الدفن !!
الربّ
هو ذلك الخبّاز الذى يعمل وفى درجة حرارة مزدوجة
ليل نهار
من أجل رغيف خبزٍ واحدٍ
لامرأةٍ كسيحةٍ
أو رجلٍ أعمى !!
أو طفلٍ يتسول رغيف خبز واحدٍ
الرب هو هذا السقراط
الذى يتناول السم من أجل الحقيقة
وهو هذا الأفلاطون الباحث فى جمهورية
عن العدل والحرية
والمعرفةِ
هو هو ذلك البارامنديس
وإسخيليوس
هو هيجل
وكانط
وذلك النيتشوى الذى يبحث عن خلاص
الإنسان
فى الإنسان ذاتهِ وليس بعيداً عن الإنسان
هو هو تشايكوفسكى
وختشادوريان
ورامبو
ولينين
وتروتسكى المقتول عمداً
الربّ
هو ذلك ال "بيتهوفن" الذى يقبض على الموسيقى
بين يديه الإثنتين
ويجعل القلب الإنسانى يرتعش من اللذةِ
والأذن تهتف من القلب
والعين تدمع من المحبةِ
والجسد يلتصق بالجسد
والروح تفتش بإخلاص عن الروح
بحيث ينعدم هنالك كل شىء
وأى شىء
الزمن
والوجود
العالم
والعدم
النهار
والليل
الأبيض
والأسود
يهوه
والمصلوب هناك على الجُلْجُثةِ
ولا يتبقى هناك أى شىء
على شاطىء الإنسانية سوى
الديمومة
السائلة !!
(9)
تُرى
أين كان الربّ جالساً عصر ذلك اليوم
الذى أشعل فيه هتلر النار فى العالمِ
وسقط هناك ما يفوق الــ 100 مليون من القتلى
والجرحى
ومشوهى الحروبْ
ناهيك عن الأطفال الذين ضاعوا فى الطرقاتِ
والأمهات اللواتى فقدن أبنائهن
وبناتهن
وتهديم البيوت
والجوع الذى صار يصرخ فى الشوارعِ
والسكك
ليلتهم حتى عشب الأرض
وأوراق الشجر
لماذا لم يتحرك الربّ عصر ذلك اليوم
الذى أخذ فيه الإنجليز يبيدون الملايين
من الهنود الحمر
بقبعاتهم الحمراء
وبطونهم التى تمتلىء بالخمر
داخل القارة الجديدة أمريكا
وهم يبقرون بطونهم
ويشقون صدورهم
باعتبار أن ذلك من عمل الرب ذاتهِ
وماذا كان يفعل الربّ عصر ذلك اليوم
وهناك الملايين من الهنود الحمرِ
يدفنون أيضاً فى سهول كندا الواسعة
وفى قلب القطب الجنوبىْ
ويلقون بجثثهمْ فى النارِ
وهم يطلقون عليهم القذائف النارية
ويسنون السكاكين
فيما يتلذذون بزيجاتهم الحوامل
ويتزحلقون على الثلجِ
ويغتصبون الفتيات الجميلات
على مرأى ومسمع من آبائهن
وكل ذلك لينفذوا تعليمات الربّ المقدسةِ
والتى أتى بها السيد المقدس
فوق جبلِ الزيتون
أين شوكتك ياموت
أين غلبتك ياجحيمْ؟!
آن الأوان لأن نحرر الجسد والروح
الروح خلاص الجسد
والجسد إنجيل الروح بلا منازعٍ
وكتابتهِ المقدسةِ
الربّ هو أنا
وأنت
هو كل هذه الإنسانية التى تنشر المحبة
ولا تفرق بين ذكرٍ وأنثى
بين رجلٍ
أو امرأةٍ
بين يهودى خالص
أو نصرانى خالص
بين بوذى خالص
أو زارادشتى خالص
بين الإله الصحراوى الذى يقيم فى الصحراء
ولا يرى سوى سراب العالمِ
وذلك القابع فى البيت الأبيض فى نيويورك
وهو يدير كافة البورصات العالميةِ
من شرفة البيت الأبيض !!
(10)
وأنتَ
يامن ترقد الآن فى الجامعة الدولية للألمِ والخرابِ
الذى يعم الكون
هل تنظر إلى النجوم بازدراءٍ
هل تعتبرُ الشمس عدوةً
والقمر خنفساء جاحدة
وأنتَ
يامن تركب الآن سيارة إسعاف
لجرّ المصابين فى الحرب إلى المستشفى
لكى يلقوا بهم فى نهاية الأمر بين أكوامِ الجيرِ
وصناديق الزبالةِ
وأنتِ
أيتها النائمة هناك بجوار الزوج ولاتفكرين فى أى شىء
سوى طعام الأطفال
واللبن الجاف
وعناقِ الشهوةِ اللذيذ
وأنتَ
يامن تسهر بمفردك فى حانةٍ معزولةٍ هناك
على ضفة النيل
وليس فى جيبك سوى عملةٍ مزورةٍ
وبعض أغنياتك عن السلام
والريح
ولاتنتظر أى شىء
وتحدق دائماً إلى السقفِ المرفوعِ
والنمارقِ المصفوفةِ
وبناتِ الحورِ
والأتوبيس الجامح الذى سيقلك إلى مثواك الأخير
الذى تقيم فيهِ
ولم تعد تتذكر فى أى مدينةٍ هو
وأنتَ
أنتَ
أيها الجالس هناك على بوابةِ الفجرِ
وتنتظر النهارَ بأسى بالغٍ
ويأسٍ بليعٍ
وأنتَ
أيها الفلاح الراقد الآن بجوار النوارجِ
وعصافير العصارى
أيها الفلاح الممسك بالمحراث
وتنثرُ البذورَ فى الأرضِ
ولاتفكر سوى فى الفيضانِ
ونعجتك العقيم
والخائف دائماً من الذئب
وخفافيش الليل
وأنتَ
أيها الجندى الواقف هناك على الحدود
معزولاً
أعجف وجائعاً ولا تجلس إلا على صخرةٍ
مجوفةٍ
وتطاردك الأشباح فى الليلِ
فيما تسمع نقيق الضفادع فى المستنقعات الجافة
وأرض الألم
أقدم لكم جميعاً جميعاً محبتى
وتعازىّ
والآن ياروحى!!
لا تفكرى فى أى شىء
أى شىء
لا تفكرى فى الموتِ
ولا فى الميلاد
الحياة لحظة
والزمن فى حالةٍ إسطوانية دائرة
والتاريخ بواب أعمى
لا يصنعه سوى اللصوصِ
والقتلة
وعمال التراحيل
مامعنى الروح بالأساس
ولمَ كانت السماء والأرض
مامعنى الأمل
واليأس
أين ذهب كل أولئك الموتى من القادسية
أو حتى مليون قرن
هل رجع منهم من أحد
وأين سيذهب كل هذا النمل الأبيض
والأسود فى الأخير
إصغِ
إصغ إلىّ ياروحى
ولا تفكرى فى أى شىءٍ
السفن غابت
والبحر هائج
والرياح تهبُّ من كل ناحيةٍ
آهِ
نحن نتألم من الحب
وفى الوقت نفسه نبحث عن الحبّ
الصيف يأتى
ويذهب الشتاء
ويحل الربيع
ويرتحل الخريف
وهى هى نفس الدورةِ
ولا شىء فى النهاية سوى الموت
ما الذى أفعله أنا فى هذه الساعة الغسيقة
من الليل
أحدق إلى الأحجار الرابضة هناك فى الممر
قرب الممشى الأخير لمملكة العدم
أضع يدى فى جيبى وأنا أنظر إلى الشمس
التى تنحدر فى الممر الأخير
لتنام فى فراش القطب الجنوبى
أو الشمالى لا فرقْ
أن أنظر إلى هذه المرأةِ أو تلك
وأصرخ إلى الربّ وأنا على محطة الأتوبيس
كيف لى أن أصبح رباناً لهذه السفينة الغارقة
كيف يمكن لى أن أقود قاطرتى وعبر جبالِ الثلج
وكراتِ الجليد هذه
ما الذى أفعله أنا فى هذا العالم
بالضبطِ
لاشىء
سوى إصلاح المواسير المعطوبة للإنسانية الرثة
لاشىء سوى الوقوف بالساعاتِ أمام ماكينة الطحين
لأعود لأمى بالدقيق الأبيض
ومئات الكيلومترات من الردةِ
وبطاطس المنجنيز
فى السكك أسير وأرى الفئران تعلو النوافذ
وتتطلع بلهفةٍ إلى كل ما هو جدير
أنظر إلى اليمين فأرى أمرأةً تضع صدرها
على كتف رجلٍ وتنام
ورجلُ يضاجع امرأةً فى حقل برسيم
وهو يخرج عضوه التناسلى للسماءِ المتراميةِ
ويدعك مؤخرة هذه المرأة بيديه الجنيتينِ
ويضع فمه الجافّ على حريرةِ الجسد
وهو يستسلم لتلمود للذةِ
أنا أتذكر الآن
حينما كنت صغيراً وأنا أجرى خلف الحمار فى الحقل
ولا أفعل أى شىء سوى مطاردة الفراشات
ونحل الشوارعِ
وخبيز الأمهات
وأدور فى الليل مع الهاموش الجامح
لغربانِ الوحشةِ
وأنام على مصطبة الدار بلا ملاءةٍ واحدةٍ
أو حتى اهتمامٍ من جدارٍ
وفى الصباح آكل الجعضيض المخلل
وأشرب منقوع الترع الجافة
وأحدق إلى الشمس الغاربة
وأجمع من على السكك المعطوبة بقايا الجميز الناشف
والعنب الساقط
تحت حوافر البغال والحمير
وأبى يضربنى لأذهب إلى معلمِ القرية
كى أحفظ القرآن
مالى أنا
ماذا أفعل أنا بالقرآن
أو بمعلم القرية
أنا كنت أبحث عن الحرية لنفسى
أبحث عن الجسد الضائع بين الحقولِ
وأعواد القصب
وحبات البامية الناشفة
أبحث عن أمى التى تركتنى وحيداً
فى سلةِ مهملاتٍ
وفى ليلةٍ شبه عاصفة
على فرنٍ باردٍ
وبلا كلمة واحدةٍ
وتركت لى على الأرض بضع كلمات
أنا ذاهبة إلى الربّ
أتركك وحدك فى هذا العالم
أنا لا أعرف ما هو الربّ
ولا معنى أن تتركنى لوحدى فى عز الليل
ولاشىء سوى البراغيث
ومجموعات القمل التى تتربع فوق جسمى
لتأكل وتشرب وتنام
وأنا أصرخ فى الليل
أين ذهبت يا أمى
لماذا تركتنى هنا لوحدى
أبكى وأبكى وأبكى إلى أن يجفّ حلقى
أصرخ إلى الحيطان
والقش
وزريبة الحيواناتِ
وطلمبة الدار
وصراصير الوحدة
ولا أحد هناك
ليقول لى أى شىء
أى شىء.
أنا المحنط القديم الذى يركب سفينة الموتى
أنا الغارق الأبدى فى بحرِ الظلمات
المنكسر العازف على عامودِ نور
والمتشبث الأزلى ببقايا كلمةٍ
مراوغة
لمَ تهزأ بى البلاد البعيدة
ولماذا ينظر إلىّ المسافرون شرراً
وإلى حقائبى
الملآنة بالخراءِ
والتواريخ التى تغصُّ بالزمن
وفانتازيا الديانات
فى حقائبى
لا يسكن إلا الجلد على العظم
وبقية المسامير
فى زرقة البحار
والأنهار
وكل تلك الموانىء القديمة التى عفا عليها الزمن
ولا تزال تعمل
ومثل بحار قديم لكافة المحيطات
والنُّزُل
فى فمه غليونه الحجرى
وعلبة سجائرهِ الفارغةِ
وهو يقبضُ بكلتا يديهِ على الدفّةِ
فيما ينظر إلى السماء التى تبك بالنجومْ
وهو يضحك من السفرِ بالليلِ
ويسخر من كل تلك النقوش المحفورةِ
على المقابر الفرعونية
وحفريات بابل
وآشور
وجداريات نيكاراجوا
وحواليه يجلس البحارة الملاعين
وأصحاب الحكاوى الملتاثهِ
عن العالم الآخرِ
فيما يجدّف هيجل بيديه المعقودتينِ
إلى هاوياتهِ
فيما يسخر كانط من قانون الجاذبيةِ
وبريد اللوغاريتماتِ
وفيما يجأر ماركس بأعلى صوتهِ
يالها من حياةٍ وسخةٍ
أنا أردت أن أحرر العالم من كل مادياتهِ القديمة
ووحوش الرأسمالية الكلابْ
وأجعل من البشر أخوة
لافرق بين مسلمٍ أومسيحى
بين بوذى
أو هندوسى
كل البشر أخوه
الرجل مساوٍ للمرأةِ
والمرأةِ مساوية للرجل
إلهكمْ فى أنفسكمْ
فى داخلكم يسكن الربّ ذاته
لا لم يكن الربّ بعيداً عنكم فى يومٍ من الأيام
إنه يمشى على الطرقات
وينام فى الأسواقِ
ويلعب اليوجا
ويمارس الجنس من خلالكم أنتم
ويتلذذ بالشمس
كما يرقص تحت القمر
بيديه البنفسجيتين
وفمهِ الذى يقطر بالعدالةِ
والمؤاخاةِ
حواليه يجلس البحارة فيما يضع على صدرة أو سمة الملكة كليوباترا
وحقائب الإسكندر الأكبر
وخطط جانكيزخان
وكل قصص المغول
وحفنة من بنات فارس الأسطوريات
وهنّ يستحممن على قنينات الأنهار
وفوق شرائع بابل القديمة
ويتنططن على مَلْوِيّات نينوى
آه
لماذا أتعجب أنا من كل هذه الشمس
وهى تحدق طويلاً طويلاً
إلى كل تلك الممالك البائدةِ
وكل تلك السفن الخربة
والمركونةِ
على الرصيف الضحلِ للإنسانية العمياء
فيما أحدق – أنا – ومن تحت كل هذه السهول
والجبال والمنحدراتِ
من الناصرة
حتى القطب الشمالى
إلى صورة السيد وهو يصعدُ على الجُلحُثةِ
لماذا تسكن كل هذه السفنِ فى رأسى
ولايرقد فى مخيلتىْ
سوى أغنيات مهجورةٍ
لبحارةٍ قلويين؟!
(11)
أيها الربّ
من قبل أن تجِىء إلى هذه المستعمراتِ
كان العالم جميلا
من قبل أن تمشى فى هذه الطرق الوعرةِ
التى تغصُّ باللصوصِ
والقتلة
ورجال الفقهِ
والتفاسير
وتجار الأعضاء البشرية
كان العالم جميلاً
من قبل أن تذهب الى مكة المكرمة
(لا أعرف لماذا)
وتمشى فى شوارع القدس العتيقةِ
كان العالم جميلاً
من قبل أن نسمع عن صلوات مريم العذراءِ
وأسطورة دافنشى
وحكايات النجف الأشرفِ
وكربلاءِ
ومعركة صفين
والجمل
التى قتل فيها 279 الف رأس
والتمثيل بالجثثِ
واغتصاب النساءِ الجميلات
كان العالم جميلا
من قبل أن نرى ملايين الرؤوس المقطوعةِ
للهنود الحمرِ
فى شوارع مانهاتن
وعلى أرصفة ألبرتا
وفوق بوابات إدمنتون
وفى مجارى فان كوفر
كان العالم جميلاً
من قبل أن يأتى كل هؤلاء الكلاب الصحراويين
بلحاهمْ التى تبك بالخراء
وكلماتهمْ التى تخرج من مؤخراتهمْ
وهم يحدثونا عن الله
والعالم الآخر
ويوم القيامةِ
وحساب الدينونة
ومنكرٍ
ونكير
وعينى الشجاع الأقرع التى تطق شراراً
وحتفاً
كان العالم جميلا
كنا نغنى على الأرصفةِ فرادى وجماعات
ونستمع إلى أغانى الأمهات أمام الأفرانِ
وخلف السواقى
وأمام الحقول التى تغصُّ بالقمحِ
والذرةِ
والطماطم
وأمام مذواد التبن التى تمتلىء بالخبيز الناشفِ
وقراقيش الليل
وحليب الأغنام
والماعز
والجواميس
والسمن البقرى
كنا ننام بلا خوفٍ وبلا قلقِ
نحتضن الشمس فى الصباحِ
وبالليل نأخذ القمر السهرانَ
هناك تحت قبة السماء
أرجوحةً لنا
ومواويل لأطفالنا
ما الذى حدث بالضبط
ومن الذى جاء بنا إلى هذا العالم
لنواجه كل تلك المصائر.
(12)
أنا لا أعرف دينا آخر سوى الإنسانية
أنا لا أعرف إلهاً آخر سوى الإنسان
الإنسان الغارق فى الوحلِ من الصباح حتى المساء
ومن أجل لقمةٍ واحدةٍ من الخبز
أو رغيف خالص من الذرة
الإنسان القابض على النّولِ طيلة النهار
وشطراً كبيراً من الليل
من أجل أن ينسج حراماً واحداً من الصوفِ
ليدفىء به الرضعِ
والأطفال
أو بطانيةً
يغطى بها العجائز والمسنين
وساعاتِ البرد القاصف
والزمهرير المحمر
الإنسان الذى يقبض بكلتا يديه على المحراث
فى ساعات الظهيرةِ المشوية
من أجل أن تخضّر الأرض
وتمتلىء الحقولُ بالسنابلِ
الإنسان الذى يعرف خميرة الإنسانية
ودون أن ينتظر جزاءً من أحدٍ خالص
حتى ولو كان الربّ نفسه
ألم أقل لكم
من قبل أن نأتى إلى هذه المستعمرات
كان العالم جميلا
من قبل أن نعرف قانون الجاذبية
وطائرات الهليكوبتر
والأطباق الطائرة
من قبل أن تكون هناك أمريكا المتوحشة اللبؤة
بجنرالاتها الكلاب
ورؤسائها المخنثين المصنوعين من السائل المنوى
للبغال الكونية
وبقايا الأوراق المبعثرة
فى دورات المياه الكونية
من قبل أن تكون هناك سراديب الدم
التى تملأ شوارع العالم
بالقنابل النووية
ودبابات هتلر
ألمْ يكن بوذا أكثر إنسانية من
كل ما سواه من أصحاب الديانات التى تمتلىء
بالتعصب
وشرانق الحلالِ
والحرام
ولا تعرف أى شىء عن الحريةِ
ولا تنام إلا على أنهار الدم
وشراشر القتل
والقنص
وملايين السبايا والإماء
من قال إن الله يريد ذلك
الله حر ولا يقبل سوى كلمة واحدةٍ
الحرية
من أجلها خلق العالم
ومن أجلها تقدس فى ملكوته
ألم يكن زارادشت أكثر إنسانيةً
من كل أولئك الذين أرادوا ان يأخذوا الربّ لصالحهم
ويصنعونه على مقاساتهمْ
ومن خلالِ جرّافاتهمْ المنقرضة
وسيوفهم التى تقدس الموت
والشر
لا لشىء
إلا لكى يقولوا للعالم
الرب لنا نحن
نحن من اختاره الربّ ليكون كلمته
هنا على الأرض
أو يتحدث إليكمْ من خلاله
وما أنتم سوى مجموعةٍ من العبيد
لاتفكروا فى أى شىء
اتركوا عقولكم للخراءِ
أو ألقوا بها إلى النهر
نحن من يفكر بديلاً عنكمْ
لا تنظروا إلى الشرق إلا أن نقول لكم
انظروا إلى الشرق
ولا تنظروا إلى الغرب إلا أن نقول لكم
انظروا إلى الغرب
أنتم لاشىء
لاشىء
أنتم مجموعة من السبايا
والعبيد
نحن أولياؤكم فى الحياة الدنيا
نساؤكم حرث لنا
أطفالكم سدنة لكلماتنا!!
(13)
أريد أن أنام وعينى مفتوحة على الأزل
والأبد ولاشىء بعد
أريد أن آخذ القمر فى يمينى
والشمس فى شمالى
وأفرد صدرى للريحِ وأنا أضحك للأرضِ
والسماء بفمِ عذبٍ
أريد أن أكون مثل هذا العصفور
الذى يقف هناك على الشاطىء
أو فوق تلك الشجرةِ
ويغنى للشمس
والقمرِ
وصديقته الأرضِ
وهو يرفرف بجناحيهِ الأبيضين
ولا يعبأ بأى شىءٍ
أى شىء
لا بما كان
ولا بما سوف يكون
ولا يفكر فى الحاضرِ أصلاً لأنه هكذا
طليق وحر
وليس المستقبل فى مخيلتهِ بأكثر
من وهمٍ
وخرافات
لم يقل له أحدٌ لا تذهب هنا
أو هناك
ولم يحدثه أحد لا عن الجنةِ
أو الجحيمْ
أو عذاب القبر
لا
ولم يحدثه احد كذلك عن الربّ الذى يتربص به فى كل وادٍ
كالفريسة
تحت كل غيمةٍ
أو من وراء كل شمس
أريد أن أكون مثل هذه الظهيرةِ الخلابة
تأتى وتذهب
هنا
أو هناك
فى الشرق
أو فى الغرب
فتارةً تسدّ عين الشمس
وتارةً أخرى تقفز إلى الماءِ
لتتحول إلى عجينةٍ من طينٍ لازبٍ
ونباتات برقوق
لمَ لا أكون عشبة خالصةً وأشرب من الندى
حيث أشاء
وأتمرمغُ على الأرضِ
وأحتضن الريحَ بتفرعاتى
وموسيقاى ؟!
ألم أقل لكم أنتم نصّابون وقتلة
يا أصحاب الديانات
وكتائب الربّ المكتظة بالأساطير والخرافاتِ
وأنهار الدمْ ؟!
من يقول إنه وفى روسيا وحدها
قام ستالين العجوز بقتل أكثر
من 15 مليوناً من الفلاحين
والعمال
من أجل أن يطبق فكرته الرائجة عن
المساواةِ
والإنسانيةِ ؟!
من يقول إنه فى الحرب العالمية الأولى سقط
أكثر من 45 مليوناً من القتلى
ومثلهم من الجرحى
ناهيك عن مقطوعى الأطرافِ
والعميان
والمشلولين
ناهيك عن العجائز اللواتى دفنَّ أنفسهن
فى قيعان الجليدِ والثلجِ
ليتخلصن تماماً و نهائياً من هذا العالمِ
ناهيك عن الأطفال الذين أصيبوا بالجنونِ
بحثاً عن الأم
والأب
أو رغيفِ خبزٍ واحدٍ
ومن يقول أيضاً انه وفى الحرب العالميةِ الثانية
مات أكثر من مائة مليون
من القتلى
ومثلهم كذلك من الجرحى
والمكسحين
من المسئول عن كل ذلك ياتُرى
وأين كان الربّ حينئذٍ
هل كان يلعب الإستغماية
هو و نابليون بونابرت هناك على ساحلِ الأطلسى
أم كان يلعب السيجة فى شوارع موسكو
التى تغصُّ بالمهرجين
والقساوسةِ
وأصحاب الرايات الحمراءِ
وأتباع مريم العذراء
وكل ذلك تحت شارة الصليب المقدسِ
وغير المقدس
هل كان فى رحلةٍ خلويةٍ فى شوارع طنجة
ويركب فرس النهر
فى رحلةٍ جبليةٍ هو وإحدى حورياتهِ
التى اصطفاها لنفسه
واصطادها من بين كل غنمهِ
وهو يشير إلى شواطىء الأندلس العتيقةِ
ويفتش عن البحر البرتقالى
فى ياقة قميصهِ
فيما يستمع – وبضراوةٍ – إلى إحدى أغانى
الغجر الرّحلِ
وبكائياتِ الأمازيغ
فى مدينة سبتةَ
أو ميليةَ
وهناك على أطرافِ الناضور
وفى قلب الريف الجزائرى حيث
تحلم الفراشة بالشمسِ
والمرأة
حبلى بضوء القمر
والرجل يضاجع المرأة على حصيرةٍ من القشّ
وهو يتوسد حشيشةِ الجسدِ الجامعةِ
والملآنةِ
بالخيرات والرغبة
وهو أو هى تصرخ فى وجه العالم
الجنة ها هنا
الجنة ها هنا
وأشار الرجل الى قضيبة الملآن بالخبز
وأشارت المرأة إلى ما بين الفخذين
المعشوشبتين
وحريرتها الزاهية المقدسة
والتى تصنع العالم
فى يوتقةٍ من المحبة
لا إله إلا أنا
ولا إله إلا أنتِ
هكذا
هكذا
كانا يتنهدانِ
ويرقصانِ
على شراشفِ اللذةِ
ونيران الحقيقة الأكيدةِ
الجسد
الجسدُ هو الإلهُ الخالقُ
والشمس الناطقة المحبوكة بعمقٍ
على كعكة الروح
الجسد هو الروحُ بلا مماحكاتٍ
والروح ليست إلا صورة الجسدِ
فى كلمة تامةٍ
ومنطوقةٍ
شفافةٍ
وعارفةِ
ظاهرةٍ
وباطنةٍ
ألم أقل لكم إن الجسد هو صورة الروح بلا منازعٍ
وأن الروح هى خميرة الجسد
الإله
المحرك لهذا العالمِ
وما الإنسان فى النهاية سوى تلك الوردةِ
أو هذه الشمس
هو الضحكة الأبدية لطينية الأرض
والكلام الراسخ
لديمومة الوجود
هو الأخ الرؤوم لتلك الشجرة
والكلمة الناطقة فى جرابِ الزمن
النقّال من قارةٍ إلى قارةٍ
ومن مدينةٍ إلى مدينةٍ
أنا إلهى الجسد
ومعبودى الأخيرُ فى هذا العالمِ
التهديد بما يسمونه الجحيم تافَه ولاشىء
هو أسطورة القروسطيين
والمخبولين الجهلاء
خزعبلات رجال ناقصى العقل بامتياز
استغلوا التاريخ بضراوةٍ
ليؤسسوا لمملكة الشر
وسلب الروح الإنسانية الإرادةَ
والإغواءُ الأخير بما يسمونه الفردوس
تافه بالنسبة لى
ولاشىء
لاشىء على الإطلاق
لأننى أومن أن الجحيمَ هنا وفوق هذه الأرض
وأن الجنة هناك فى قلب الإنسان
إنظر إلى الشمس التى تعبرُ الأفق كل صباح
وهى لا تعبأ للحظةٍ واحدةٍ بالغروب
إنظر إلى البحار التى تمتلىء بالضبابِ والموجِ
ماذا يعنيها الملّاح فى سترتهِ البالية
أو سمك القرش
واسطرلابات الغرقى
والحشائش الضارة
وتساقط الثلوج
بالليلِ
أو بالنهار
وانظر إلى كل تلك التعريفة الجمركية التى صنعها الإنسانُ
لأخيهِ الإنسان
لاشىء سوى الجنة
ولاشىء سوى الجحيمْ
إتركوا العالم وراءكم
هذا العالم ليس لنا
نحن ما خلقتنا إلا لل هناك
عيشوا كالعميانِ
اتركوا وراء ظهوركم كل شىء
هذا العالم فانٍ
وكأننا أطفال صغار يخوفوننا بالجنياتِ
والعفاريت
آه
من كل أبناءِ الكلابْ
كل ذلك
من أجل ان يسلبوا منا الوجود والحياة
من أجل أن نتخلى تماماً ونهائياً عن هذا العالم
كل ذلك
من أجل مملكة الشر الأثيمة التى تملأ العالم الآخر
من أجل الربّ الجالس هناك
على مقعده الوثيرِ
وهو يدخن الماريجوانا
و يحتسى الأفيون
ويذبح هنا
أو يقتل هناك.
(14)
أنا لا أبحث عن الخلاص لنفسى وحسب
أنا أبحث عن الخلاص للعالم
كل العالم
هنا
وفوق هذه الأرض
أبحث عن الخلاص لشجرة الجميز الواقفة هناك بالمرصادِ
لكل عابرِ سبيلٍ
وهى تطرح ثمارها على الأرض – وبلا مقابل –
أبحث عن الخلاص لهذا المركب السكرانِ على الساحلِ
وهو ينظر إلى مياه البحر المتوسط
من الشمالِ إلى الجنوبِ
ومن الجنوبِ إلى الشمال
وهو يهتز اهتزازاتهِ الراسخةِ على الشطّ
فيما ينظر بعينين محجوبتين إلى الماء
الذى يمتلىء بالسمك
وعروس البحر
وأغنيات الصدفِ الرائجة
وحلزون الماء البكرِ
وطيور النوارسِ التى تعبر كل ثانيةٍ على الشطّ
وفيما هو ينظر – كذلك – بلهفةٍ إلى المجداف
في يد البحار
الذى يتطلع بعينين فيروزيتينِ إلى الماء
ويتشمم الملح الراقد – هناك – فى الأعماقِ
أبحث عن الخلاص لتلك الورقةِ الساقطةِ على الأرضِ
كما الإنسان
ألم تكن هذه الورقة ذات يومٍ
فكرةً ما
فى قلب تلك الشجرة
ألم تكن برعماً ناضجاً وطرياً
- لعينى ذلك الإنسان الذى يدهسها بقلبِ غليظٍ –
ألم يكن ذلك البرعم الذى يعكس القمر بكل توسلاتهِ
وكذلك الشمس إذ تنظر إليها بانبهارٍ
وهى تشرق كل نهارٍ من أجل أن تؤدى عملها اليومى الخالد
ألن نكون نحن وفى يومٍ من الأيام
مثل كل تلك الورقة الساقطة على الأرض
أو تلك التى تدوسها الجواميس
والأغنام
على الطرق المنسية لقريةٍ ظالمةٍ
وغارقةٍ فى الظلامِ
أو على جسر ترعةٍ هناك فى دسوق
أو المنوفيةِ
ما هو مصير تلك الورقة ساعتئذ
وما هو مصيرنا نحن الأوراق المتساقطة
على أمنا الرؤوم – الأرض -
أنا
أبحث عن الخلاص لطنجرةِ البطاطس واللفت
وهى تتغلّى فى قلب الفرنِ المشتعلِ فى عز الليل
وليس هناك سوى صراخ الأطفالِ
والزوج الحائر الذى ينتظر آذان الفجر
وصياح الديك الذى يخبّ فى النوم
وبالقرب من حظيرةِ الأغنام
وليس أمام تلك الأم البائسة سوى النفخ فى الكانونِ
والبحث عن أعوادٍ أخرى من القش والقطنِ
لكى تشعل الفرن
وتشوى حبات البطاطس المروية بالدم
وفيما يسند الجدار رأسه إلى النوارج
الذى عفا عليه الزمن
وأصابه النسيان والتآكل
أبحث عن الخلاص لكل كلمةٍ تخرج من الفم
وكل كلمةٍ ترقد فى الأعماق
وتخاف من الخروج إلى النهار
حتى لا يقبض عليها اللصوص أو الجندرمةِ
وحرّاس السيد الرئيس الذى يخبّ فى النومِ
فيما شعبه الجائع يستلقى هناك فى الطرقاتِ
وأمام المساجدِ
وتحت أسقف الكنائس المعلقة وغير المعلقة
من الأزلِ إلى الأبدِ
أبحث عن الخلاص لكل كلمة قيلت عن الحرية
والديمقراطية
فى كل كتب التاريخ والدساتير
ولم تجد سوى الأصفادِ والقيودِ
وكرابيج الطغاة
وسجون الكلاب المغطاة بالحديد والأسمنت
وتحت سابع أرضِ
لكل كلمة قيلت عن العدل والمساواة
ولم تخلف وراءها سوى الأغلالِ والمنافى
والمزيد من الإنهيارات النفسية والجسدية
لكل تلك الأمم المغدورة سواءً فى الشرقِ أو فى الغربِ
أنا أبحث عن الخلاص لكل تلك التصورات الزائفة عن العالمِ
والتى دمرت الإنسان وجعلت منه حشرةً
معلقة من الرقبةِ
منذ لحظة الميلادِ وحتى لحظة الوفاة
تلك التصورات الوهمية التى لا تنتهى
عن الروحِ القدسِ
والبراقِ
والسمواتِ السبع
والأراضين السبعِ
وكتاب الوحى النبوى
والتنزيلات المشبوهة
وغيرالمشبوهة
لميتافيزيقا الخراء
أبحث عن الخلاصِ لروحى التى تسلخت من الشكِ
واليقين
وهى تسير على الأرض بقدمين حافيتين
وضالتين
وهى لا تعرف أين الطريق إلى حيث يسكن النور
روحى التى انغسلت بكل شىء
بدءاً من الخلاص بالزيت
وانتهاءً بالنوم على وسادة الخرافات
والأساطير
وهى لاتعرف أى شىء عن هذا العالم
ما أصل كل تلك اللعبة
وما نهايتها
وبعيداً عن سلخانة الموت الجامح
والجبّانات
وها أنذا وأخيراً
أنظر إلى روحى المسلوقة – والمسروقة –
فى التنور الكبير الواسع
والذى يسمى العالم
ودون أن تعرف أى شىءٍ
فقط
حلم وراء حلمْ
وكأنما العالم هو شجرة من الأحلام
والأرض اللامرئية لوجودٍ منقرضٍ
بالأساس
الوجود الذى لا يلبث أن يختفى أو يزول
تحت هذه النقطة من الأرض أو تلك
وأن ماكنا نحسبه هو الوجود بحقٍ
لم يكن سوى تهتهة أحلامٍ
وديناصورات المعرفة المنقرضة
وبالمناسبة
هل سيأتى يوم على الإنسان ويكون فيه
مثل الديناصورات المنقرضة
مجرد ذكرى أو حلم
وما هو شكل إنسان المستقبل
وهو يحدق إلى إنسان الماضى المضمحل
هل سيضحك
أم سيقهقه ويبكى من فرط القسوةِ
والتى غرق فيها هذا الإنسان البدائى
- الذى هو نحن –
وماذا إذا استطاع الإنسان – فى يومٍ ما وقريباً جداً –
أن يخلق الإنسان
أو يصنع الدورة الدموية فى مصانعه الرسمية
وهو يدق طبول انتصارهِ على الزمن
- ذلك الزمن الذى يسير مثل عربة قطار على سكة حديد
والتى تمتد من الشرقِ إلى الغربِ
وبلا نهايةٍ
إلى أن تحترق تلك العربة
أو يقفز السواق من النافذةِ
ويترك المقود فى يد الريح العاصفة –
يالتلك الحياة
الخائنة
والخادعة بامتياز !!
(15)
آهٍ
لو يمكن للمرء التحليق كفراشةٍ
أو الغناء كعصفورٍ – وبلا دياناتٍ أو دساتير –
على غصن شجرة
آه لو يمكن للمرء أن يكون أغنيةً أبديةً
فى فم الزمن
أو كلمةً منقوشةً على جدارِ الأبدية
آه لو يمكن للمرء أن يكون إلهاً وإنساناً
فى نفس الوقت
كمثل الجسدِ والروحِ
تحت تكعيبة عنبٍ
وعلى فراشٍ وثيرٍ
بلا طبولٍ للحربِ
وأقبية السجونِ والمعتقلاتِ !!
آه لو يمكن للمرء أن يكون زهرة نيلوفر
أو حتى زهرة عباد الشمس تفتح ذراعيها للشمس
كل صباحٍ
ودون إذن من أحدٍ
بلا قوانين
أو حتى دساتير بلا أرصفة
آه
يكفى أن يكون المرء فراشةً وكفى
أوزهرةً وكفى ؟!
أرجوكم
أرجوكم
قولوا لى
من هو الذى لامس الآلهة بأصابع
ملوثة بالحبر؟!
ألم يكن هو ذلك النسقى العام الذى سار
فى طريق الإنسانية
ودون أن يعبأ بأى شىء
حتى ولو كان الموت بحد ذاتهِ
جاعلاً من كل شجرةٍ عصفورةً ترقص لوحدها
ومن كل نجمةٍ سبورةً كونيةً
عليها يكتب الزمن تضاريسه
وكلماته
أخطاءه وتصليحات أخطائهِ
وهى تطير وتقفز من الشرقِ إلى الغربِ
وقبل أن يرتدّ إليه طرفه
وصانعاً من الجسدِ إزميلاً لرغباته المتفرعةِ
وشهواته التى تنتصر حتى على الموتِ ذاتهِ
جاعلاً من الجسد إلهاً
وقاموساً سحرياً لموسيقاه النثرية
ومتحفاً أبدياً للرغباتِ
والإنسكلوبيديا
وإنجيلاً ليسوعه الخاص
والذى لا يصعد على الجُلْجُثةِ
أو يبشر بالخلاص
لأن الجسد هو هو الخلاص بالروحِ
كما أن الروح هى هى الخلاص بالجسدِ
وماثمَّ فرق
أرجوكم
قولوا لىْ
من هو ذلك الذى لامس الآلهة بأصابع
ملوثة بالحبر
ومصبوغة بالحجر الجيرى
والكلمات الراسخة فى الصدر كالندوبِ
وأجود الخمر ؟!
ألم يكن هو ذلك الشاعر الذى غمس أصابعه
فى قنينة اللغة
وترسانة الحضارات
وأخذ يصنف الحروف والكلمات
بيدٍ منقوشةٍ بالزمن
فوق توابيتِ اللغة
وكيمياء التواريخ
وهو يقول للنور
أنت شقيقى
وللمرأةِ
أنتِ كتاب المعرفة المقدس
والتجسيد الحىّ للإله الناطقِ
الخالقِ
ألم يكن – هو – ذلك الذى زرع جسده على الطرقاتِ
وفى قلب الوحلِ
والأزقةِ
وأخذ يقطع الشوارع والأرصفة جيئةً وذهاباً
وهو يفتش عن وردةٍ وحيدةٍ
فى صناديق الزبالةِ
أو بين أكوام العملات الأجنبية الزائفة
أو حروب البورصات العالمية
وأنياب الرأسمالية المتوحشة
المستعمِرَةِ
ذلك الأسد الرابض فوق ذرا الإنسان
الجالس أمام شاشاتِ التلفاز
والكمبيوترات
وأزرار الماكينات المعلقة فى الشوارعِ
التى تشخُّ النقود ليل نهار
فى جيوب الحمقى
وأصحاب رأس المال المجانين
أرجوكم
قولوا لى
ألم يكن – هو – ذلك الذى أخذ يتوضأ بالدّمِ الخالصِ
خمس مراتٍ فى اليوم والليلةِ
وهو يكشف عن زيف أسطورة المسيح الحىّ
والمصلوب فى نفس الوقت
- إنظر هناك الملايين من المصلوبين
كل يوم فى هذا العالم ولا أحد يبصرُ
أو يبشِّرُ بالقيامةِ –
ويجعل السماء تتفكّك تحت قدميهِ
ويقول للآلهة الجافةِ
هنا
وفوق هذه الأرض
تكون الجنة الحقيقية
ويكون الجحيم الخالص
هنا
وفى قلب هذا العالم
يكون الله الحقيقى
الذى يجوع ويعرى
الذى يموت من البردِ الخالص
الذى يضحك
ويبكى
ويسير فى الطرقات عارياً
وينام ووجهه إلى المقابرِ المهجورةِ ليلاً
وهو ينتظر الشمس أن تشرق فى الصباح
وفى الليل
يجلس إلى جوارِ القمرِ الباذخِ
فى شرفةٍ عاليةٍ
ليغسل له رأسه الملىء بالقمل والدماملِ
ويعطيه قلته الوحيدة ليتجرع قليلاً من الماء
وبعد أن أضناه السفر بين النجوم الوهاجةِ
ورأى بأم رأسهِ صورته التى تنعكس
على المستنقعات
وهى تلف حول العالمِ
وتغرق فى غاباتِ البوصِ
وتسمع نباح الكلاب الضالةِ
وصراخ السحالى
وعناق المحبين
تحت أشجار التوتِ والزيتون
وفوق أسطح البيوت
بيوت القرية الناعسَة المسكينة
أرجوكم
قولوا لى
ألم يكن هو ذلك السائل الليمفاوى
الذى يحرر العالم من أساطيرهِ الواهية
وخزعبلاتهِ
حول السيد
والعبد
حول الأبيض
والأسود
حول المشروع
واللامشروع
وكل تلك القوانين الوضعية المنكوحة
والتى اخترعها الله والشيطان معاً
فى لحظة من البدائية السكرانة
الغارقة
فى بحيرات السراب اللاعقلانى للإنسانِ المتوحشِ
إنه ذلك الإنسان
الذى سوف يقود التاريخ إلى مجراه الواضح
والأخير
لكى يصحح خطأ العالم
وخطأ التاريخ
لكى يعيد الزمن الى مجراه الطبيعى
أقصد إنسانية الإنسان !!
إنه
ذلك النسقُّى العامُ
الذى سار فى طريق الإنسانية الضخم
والذى لامس الآلهة
بأصابع ملوثة
بالحبرِ
وكل غبار التواريخ والديناصورات المنقرضة
لكى يقول فى نهاية الأمر فى داخلى تزدحم كافة العوالم
فى داخلى يسكن الأحمر إلى جنب الأصفر بإمتياز
فى داخلى يقيم الأسود والأبيض فى غرفةٍ واحدةٍ
ولافرق
فى داخلى تكون المرأة
ويكون الرجل جنباً إلى جنب
الرجل الذى يحمل فى يدهِ بلطةً ويذهب إلى الحقل
ليقطع الأشجار من أجل أن يصنع نورجاً
أو سقف بيت
والجندى الذى يقف على الحدودِ
ولا يرى سوى الأشباح الملونة
والثعابين الطائرة
وفراخ الضباب
والعدم
وقطط الموتى
وصراخ الشياطين
وموسيقى الليل الصاخبة ذات الجلبة
فى داخلى يسكن العاشق الذى يذهب إلى بيت
معشوقته فى الظلام الحالك
ولا يحمل فى جيبه سوى كتابٍ خائب
وبه آخر كلمات الحب
فى قصيدةٍ بنيوية
أو مابعد بنيوية
حداثية
أومابعد حداثية
ربما يتوقف التاريخ أمامها طويلاً
ويعلقها على جدرانه الراسخة هناك
فيما بعد العالم
وما بعد كل كتب النقد
وفقه اللغةِ
فى داخلى
يسكن التلميذ العاكف على كراساتهِ
ليل نهار من الصباح وحتى المساء
على أمل أن يجد حلاً لهذه المعضلة
أو تلك
فى داخلى يسكن الوجودُ والعدمُ على طاولةٍ واحدةٍ
ويشربانِ من نفسِ الكأسِ
وينشران ملابسهما الوسخة والمنقطة بالزمن
على نفس السور الشائك من الأسلاك الكهرومغناطيسية
وفى قلب حرائق الفيمتو ثانية
وعنابر النوستاليجا
وغرف العناية المركزة
وكافة السفن العابرةِ للقارات
فى نفس اللحظة
أحدّق إلى الشرق فأرى الوجود رمز كل شىء
بكافة أساطيره المخوخةِ
وكتاباتهِ المقدسةِ
وأحلامه المجهضة
وأطفاله ناقصى الخلقة
وديكتاتورياتهِ العتيدةِ
وأنظرُ إلى الغربِ
فأجد العدم رابضاً مثل أسدٍ مندكٍ
وبألف فم
ماذا أفعل – أنا – فى قلب كل هذه الظهيرة الغاوية
سوى أن أفرد ملابسى على السكك
وأمسك بمزمارى الخشبى
على أمل أن يسمعنى أى أحدٍ
حتى ولو كان الحجر نفسه
ولكن العالم ميت
فأقول لنفسى
يبدو ان الله هو الآخر قد انشغل
بتأليف سيمفونية جديدة
المسألة كلها أن لاشىء يبقى
وأن الوجود ناقص الخِلقةَ بالفعل
وأن الصيرورة مستمرة إلى مالانهاية
وأن العدم هو سيد الوجود
بلا منازعٍ.
(16)
آه
ما الذى أفعله أنا فى هذا الكون
فى هذه البقعة الخربة من الأرض
أن أتجول فى حقول القمح ليلاً
وأقطّع كيزان الذرة نهاراً
أن أذهب إلى المدرسة الإبتدائية
وأجلس فى آخر الصف
لكى أتلف قواعد النحو والصرف
وحصص الجغرافيا
والتاريخ
سيقولون لى إننا أعظم أمة فى التاريخ
آه
سيقولون كانت لنا حضارات باسقة
وممياوات تحت الأرض
نحن أول من اخترع حروف اللغة
وأبجديات الكتابة
نحن أول من استخرج الحجر الكريم من تحت الأرض
وجعله يمشى على الماء
نحن أول من من استخرج الماس من جوف الصخر
وجعل حتى البومة العمياء تبصرُ
نحن أول من شق الطرق
وجدد فى الهندسة
وحسابِ المثلثاتِ
وقواعد الضوء
أول من استخرج الكيمياء الحديثة
من بين أطراف الكون البعيدة المترامية
هل حنّط أحد الموتى من قبل أن نحنطها نحن
على جدران المعابد كتبنا كل شىء
بدءاً من كتابة الصلوات للرب الإله
وأنتهاءً بأسرارِ غرف الدفن
وأسماء ملكونا الذين حكموا العالم لأكثر
من عشرةِ آلاف عام
إنظر إلى طيبة
ومملكة منف
وجداريات البر الغربى
والنقوس المركونة على جدار الأهرامات
إنظر إلى عينى أبى الهول
- هناك وسط الصحراء –
كتعويذة أبدية على الرب الحارس لكل هذا الكون
إنظر
إلى كتابات الفراعنة تحت سفح الجيزةِ
وعلى بوابات الإسكندرية العتيقة
وكتابات هيباتيا
وهناك فى عين شمس !!









محمد آدم
كندا- إدمنتون
2018

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى