سعيد رفيع - قبر الشيخ راشد..

لا يوجد صياد واحد في المدينة يجهل قبر الشيخ راشد ، الشيخ راشد رجل مجهول ، قيل أنه كان يرافق قبيلة هاجرت من الجزيرة العربية إلى مصر عن طريق البحر ، وأن القبيلة مرت في طريقها على جزيرة أم الحريد ، وذلك لأخذ قسط من الراحة ، ثم واصلت السير إلى داخل مصر ، بعد أن تركت وراءها رجلا كان مريضا ثم قضى نحبه ، ودفن في جزيرة أم الحريد ، ومنذ ذلك الحين أطلق على قبره "قبر الشيخ راشد".
وبمرور الزمن أصبح القبر مكانا لراحة الصيادين ، حيث يجلس الصيادون بالقرب من القبر ، وهم يتناولون طعامهم وشرابهم ، ثم ينصرفون بعد قراءة الفاتحة على روح الشيخ راشد ، حتى أصبحت قراءة الفاتحة واجبا لا بد أن يقوم به الصيادون .
ورويدا رويدا أصبح عدد كبير من الصيادين لا يبدأون الصيد قبل أن يمروا على جزيرة أم الحريد ، لقراءة الفاتحة على روح الشيخ ، وبعدها ينصرفون إلى منطقة المصايد البعيدة ، ثم لم يلبث بعض الصيادين أن يأخذوا حفنة من تراب القبر لوضعها في قواربهم على سبيل البركة وجلب الرزق ، بل إن بعضهم حرصوا على أخذ حفنة إضافية من تراب القبر ، ليعلقوها على أبواب البيوت .
ولم يقف الأمر عند ذلك ، اذ قام بعض الصيادين بتأجير قواربهم لمن يرغب من الأهالي في زيارة جزيرة أم الحريد ، لقراءة الفاتحة للشيخ راشد والحصول على البركة ، وعلى حفنة من تراب القبر في نفس الوقت ، فسارع الأهالي إلى تسجيل أسمائهم في القوارب المتجهة إلى جزيرة أم الحريد ، ودفع ذلك بعض الصيادين إلى التوقف عن الصيد والإكتفاء بما تدره قواربهم من رزق وفير .
ولم يمض وقت طويل حتى شرع أصحاب الدكاكين إلى تقليد الصيادين والأهالي في زيارة الجزيرة ، لقراءة الفاتحة للشيخ والحصول على حفنة من تراب القبر ، ونظرا لتزاحم الأهالي وأصحاب الدكاكين على القوارب المتجهة إلى الجزيرة إقترح بعض الأهالي نقل رفات الشيخ راشد ليدفن في مقابر المدينة ، حتى يتمكن الفقراء من زيارة الشيخ وحتى يشيد له مقام يليق به .
وكان الصيادون أول من اعترض على هذا الإقتراح ، بحجة أن نقل الجثة من قبر إلى قبر لا يجوز ، ويؤذي الميت في قبره ، ورغم ذلك أصر الأهالي على نقل الرفات إلى مقابر المدينة ، فلجأوا إلى الشيخ عبدالحميد ، كبير المشايخ في المدينة ، وكان رأيه أن نقل الميت من قبر إلى قبر يجوز ، إذا كانت هناك فائدة أو ضرورة ، ونصح الشيخ الأهالي بإخطار الشرطة وخفر السواحل بنقل الرفات من الجزيرة إلى مقابر المدينة ، فوافق كل من الشرطة وخفر السواحل على ذلك ، فعمت الفرحة أرجاء المدينة ، وذبحت الذبائح ، وزغردت النساء .
وفي صباح اليوم التالي تحركت ثلاثة قوارب من المرسى ، في طريقها إلى الجزيرة ، تحمل معها عددا من الأهالي ، وحفار قبور متخصص مع مساعدين اثنين ، بالإضافة إلى معدات الحفر .
وعندما وصلت القوارب تدفق الأهالي إلى الجزيرة ، ووقفوا حول القبر وقرأوا الفاتحة على روح الشيخ ، ثم بدأ الحفر في التربة الرملية ، مما سهل عليهم الحفر ، ولكن بعد حفر نصف متر تغيرت التربة لتصبح خشنة ، ورغم ذلك استمر الحفر حتى وصل إلى متر ونصف المتر ، وبعدها تغيرت التربة لتصبح تربة صخرية مختلطة بالماء ، فتوقف الحفر ، وجلس الحفارون ليأخذوا قسطا من الراحة ، وسط دهشة الأهالي .
وبعد أن انتهت الراحة بدأ الحفر مجددا في الجانبين الأيمن والأيسر من القبر ، ثم في الجانب الشمالي والجانب الجنوبي ، واستمر الحفر حتى بدا القبر مجرد حفرة كبيرة وعميقة ، وعندها فقط توقف الحفر ، بإشارة من الحفار الكبير ، وبمجرد صعود الحفار ومساعديه من الحفرة إلتف حولهم الأهالي يسألون باستياء عن سبب توقف الحفر ، فأشاح الحفار بيده .. ثم قال وهو يلهث : "لا يوجد قبر ولا شيخ" .


سعيد رفيع

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى