فوز حمزة - كنت أريد أن أقول له أحبك

كنت أريد أن أقول له أحبك .. لكن جمع من الناس وقفوا بيني وبينه .. كانوا رجالاً .. أما النساء فقد وقفنّ في إحدى زوايا البيت يتأملنَّ المشهد .. إنه مشهد يتكرر ومع ذلك فإنه يثير الشجن كلما تجسد أمامهم من جديد.
لقد كان قربي .. وكنت أريد أن أقول له أحبك .. لكن الوقت لم يسعفني .. الوقت لا يلتفت للرغبات المكبوتة .. مقدر له أن يمضي في البداية معنا وفي النهاية بنا.
قبل أن يغادر إلى الأبد .. وقفتُ على بعد مسافة قصيرة منه .. أرتدي ثوب العيد وعلى ملامحي ارتسمت ملامح الخوف الذي تسلل إلى أعماقي ليرقد في الذاكرة طوال حياتي ..
تأملته بصمت و دمعتان انسابت بهدوء فوق وجنتيّ الغضتين .. هل عرف لحظتها أني كنت أريد أن أقول له أحبك؟
رجوت الله في سري أن يؤجل رحلته .. ليس لأن اليوم عيد، بل لأنه أيضاً كانت ذكرى مولدي العاشرة .. كنت أريد ليلتها بعد أن أطفئ الشموع أن يعرف أني كنت أحبه.
نظرت إليه حينما أُخرجَ من الغرفة محمولا على الأكتاف .. كان بلا قدمين .. وذراعاه متدليتان إلى الأسفل، لكن نظراته مصوبة نحوي .. عرفت لحظتها بندمه لأنه لم يقل لي قبل لحظة الفراق أحبك.
كان أبي حقيقيًا لهذا كلما دخلت غرفته أرى ظله ما زال هناك .. أنفاسه عالقة في الزوايا وفي الصور التي علقها على الجدران .. بصماته ما تزال تنبض بالحياة على كل الأشياء التي لمستها يده.
سألت نفسي وأنا أنظر إليه ممددا على الأرض .. ربما حان الوقت لأقول له أحبك .. سخرت مني الثواني .. ضحك النهار بملء فمه مستهزأ لأنني تركته يرحل ذلك الصباح ولم أقل له أحبك ..
خرج أبي ذلك الصباح من المنزل ولم يعد إليه ثانية.
غيبه الموت قبل أن نتبادل قول أحبك .. منذ ذلك الوقت يراودني حلمان .. الأول كان فيه معي والثاني أخبرني وهو يمسد شعري: أنا أحبك ..
هل كان أبي طويلا أم أنا من كنت صغيرة فأراه كذلك؟
ما أنا متأكدة منه كان أسمر البشرة وعيناه عسليتان ذو شارب رفيع وابتسامة آسرة تترك غمازة على خده اليمين حين يبتسم.
كان أبي حنونا، لكنه يخشى أن يوصم بالضعف، فلم يقل لي أحبك.
في الخريف التالي .. كنت أقف عند نافذة غرفته أتأمل منها العالم .. نسيت أنه رحل لكن لم أنسَ أنه لم يقل لي أحبك.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى