إبراهيم الديب - الصول فرج

بعد نزول برنامج التدريب على دفعتنا ومرور فترة من الوقت داخل المركز تعرفت فيها على مجموعة من زملائي تنتمي لكل محافظات مصر، و عرفت أيضاً بعض ضباط الصف، وكما توقعت سابقا فقد تكيفت بعد فترة قصيرة على الحياة الجديدة ، و تأقلمت داخل نظامها وممارسة طقوسها اليومية، وأصبح لي اصدقاء ،نسأل عن بعض عند غياب أحد الطرفين، ليفض كل منا للآخر مكنون نفسه ، أقربهم لنفسي "كوستا فرنسيس غطاس" كنا نسرى بالحديث المتبادل عن أنفسنا، وأحياناً رغبة خفية لقتل الوقت ،فغالبية المجندون يحتفلون بانقضاء اليوم في المساء، لأنه يخصم من أيام الخدمة ويقربنا بنسبة لو ضئيلة من أداء فريضة التجنيد ،ثم شعور بسعادة أن نجاحنا تأدية جزء من الوقت أننا الكل سيمر أيضاً كما انقضى الجزء ، فلدينا الان رصيد من الخدمة العسكرية و الايام والذكريات التي تكونت بيننا على مدار الأيام السابقة وهي حصيلة خبرة و تجربة معاشة ،
هناك من بين ضابط صف لفت نظري دون الجميع الذي يعج بهم مركز التدريب فهو شخصية فريدة بكل المقاييس شكلا ومضموناً ، يجلس دائما مع مجموعة من أصدقائه، طبعا هو لا يعرفني ،ولكني أعرفه كما يعرفه كل فرد في المركز فهو أشهر من النار على العلم ، أهم صفاته مبهج الجلسة هجاء، حكاء، سليط، اللسان حتى النخاع يعلق علي الأشخاص والأحداث تعليقات نافذة ناقدة كاشفة لا تخضع لأي نظرية معرفة أو فلسفة أو مذهب فكري،هاربا تاركا منفلتا ؛غير عابئ بكل ما سلف ،كما هي حياته بأسلوبها المدهش الفريد ،وكأنه يعيش على غير مثال سابق ، كنظرية وحده تخرج للتطبيق على أرض الواقع مباشرة ،وليست نظرية ذهنية باردة من التي تسكن الكتب،
معرفته و ثقافته أقرب للطبقة الشعبية، من حديثه، تشعر أنه لم ينل قسطا كبيرا من التعليم ولكنه تسلح بمعارف تلك الطبقة، واسع الاطلاع، ابن حياة وتجربة مباشرةً ، هو خير ممثل لهذه الشريحة العريضة ،الذي عب معرفتها عب الظمآن وغاص تحت جلدها وسكن وتجول في عقولها ؛ هو مثال حي لها ،ومجسدها علي أرض الواقع ،مع رجاحة عقله ،وقدرته على الحكي المتواصل السهل ،السلس المتدفق؛ بثقة ،هو يحكي بكله بعينيه التي تنطق بالفرح ،والسرور وكأنه يقبض دوما علي ابتسامة تريد الانفلات، وهو مستمر في مقاومتها لا تنظر إليه وإلا وتجده على الحالة التي تخبرك بها ملامحه.
يحكى بذراعيه ،اللتان هما علي هيئة شيئين قصيرتين و كأنها توزع حروف وكلمات لا تلويحات و إشارات، فهذا الشخص خفيف الظل جميل الروح، قصير نسبياً ولكنه ،مدكوك ،ملفوف سمين حد التخمة حتي تعتقد أن: هناك مناطق من جسده لا يعرف عنها شيئا ، مهدلة زائدة، عنه لا يشعر بها وكأنها ليست جزءا منه، و لا تخضع له ،ولسيطرته ،وكأنها دويلة استقلت كما تستقل دويلات الأطراف من الدولة المركزية. هو يحكي بكل ما سبق يوظف اهتزاز كرشه في الحكي ،وصدره أيضاً الذي لا يتوقف عن الاهتزاز وكأنه أكثر من شخص ، وأجمل من مجموعة كبيرة من الناس، هذا الشخص تجده في كل مكان في أرض مصر لا تلده إلا نساءها ولا يشب ويشتد عوده إلا على أرضها .
أثناء غياب الصول فرج قبل عودته مرة أخرى للمكان الذي يجلس به مع أصدقائه ،وعند الاقتراب منه تكون السعادة مرسومة على ووجوه الجميع ، تتخلل مراسم استقباله شتائم متبادلة بينهما، بعضها ينتمي للقاموس السفلي، ولا تنقصه البذاءة فمساحة الود وقوة العلاقة ، والفهم المتبادل يصفح عن أكثر من ذلك مما تخلل: تحية استقباله منهم ، والعكس صحيح، ثم سألهم فيما كان الحديث والنقاش الدائر هنا أثناء غيابي؟ فأخبروه عن الموضوع مثار النقاش ليشتعل بعدها مباشرةً الحوار بين الجميع حتى تظن أنها خناقة في حاجة لقوة كبيرة من الشرطة لكي تتمكن من فضها ، فهو من جانبه مجابها للجميع بمزيد من المعلومات عن الموضوع ، أما أسلوبه في الجدل ومحاولته إقناعهم فهو غير مسبوق ومفاجئ مثل منتخب إيطاليا عندما يدافع بأحد عشر لاعباً ثم يهاجم الفريق الخصم بنفس العدد وكأنها قطعة استك تمط وتنكمش كلما أراد، لا ينقص كل ما سبق بعض السفالة المرحب بها من الجميع يقوم بذلك وحده وكلما امتد النقاش أصبح اقوى واعتى من ذي قبل ؛ تساعده كثيراً أقوى أسلحته على الاطلاق متمثلة في سلاطة لسانه وقوة منطقه ،وسرعة بديهته ،وحضور ذهنه .
الصول فرج حريف لعب طاولة ويعشق الطعام الذي أصابه بالتخمة و يعشق أيضا بجنون مرفت أمين حد التيه والهيام بها عندما يشاهدها في أحد الأفلام أو يرى صورتها في مجلة، ومعجب بشخصية" طاهر الشيخ" أكثر من أدائه في الملعب ، ويشجع الأهلي بجنون دون مناقشة ، أما البرنس الذي يستحق كل الاحترام من وجهة نظره فهو صالح سليم، يحب هذه الشخصيات دون إبداء أي أسباب أو مبررات لمن يناقشه فهي مسلمات غير قابلة للنقاش ، والويل لمن تسول له نفسه ،بأن يذكر أحدهم بسوء، يعلن الصول فرج عليه الحرب مباشرة إلى يوم الدين.
ولدى الصول فرج مشكلة مع الزمالك فريقاً وجماهيرا ، الفرقة يكرهها دون سبب واضح أو مقنع ، أما جماهيره فهو لا يكف عن سبها ليل نهار، ويعتقد أنهم سبب مشاكل الشرق الأوسط بل الكون بكامله، والغريب أن جماهير الزمالك نفسها من تثيره ليسبها ، وتتمنى أن لا يتوقف الصول فرج ، تمنيت الجلوس معه، وعقدت العزم أكثر من مرة أن أفعل ، ولكن اكتفي بعد بمراقبته من بعيد، ولكن سريتنا ترحلت مبكراً قبل أن أتمكن من الجلوس معه وأخبره اعجابي الشديد بشخصيته الفريدة وروحه الجميلة ما زلت أتذكره إلى الان.

إبراهيم الديب

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى