أسامة أسبر - إله حقيقي..

كانت حبّات التمر ذهبيّةَ اللون،
ربّتْها أصابعُ الضوء على دقلة نورٍ.
أخرجْتُها من علبتها
أزلتُ النوى وصنعتُ عجينةً
وخطر لي أن أكوّن منها تمثالاً
حين أنهيته بدا كإلهٍ.
جعلتُ له فماً وعينين وقدمين ويدين
وفتحتُ ثقبين في منخريه كي يتنفّس.
حين اكتمل وضعْتهُ على رف مكتبتي،
ومن موقعه أوحى كأنه يتأملني
أو ينتظر مني شيئاً
ثم ظننتُ أنه يريدني أن أصلّي له
لكنني لم أتزحزح.
نسيته بعد لحظات،
وأنا أصغي إلى نشرة أخبارٍ
لم تذكر إلا أعداد القتلى والغرقى
ونسبة الجرائم والانتحار في المدن،
ثم مرّ نقاشٌ احتدّ حول الجسد
وما الذي يجعله ذكراً أو يجعله أنثى
وكيف أن هويته على وشك الضياع،
في ليل الرغبات.
بعد ذلك تحدّث مذيعٌ عن فوائد الصيام،
وضرورة ترويض الجسد كأنه حيوان،
وتحدث آخر اقتطف كلام خطيب مسجدٍ أكّد أن عملاء الموساد
اغتالوا أحد الخلفاء الراشدين.
تحدّثَ محلّلٌ عن السجون في بلد عربي
وأن عدد القتلى تجاوز الآلاف
وأن البشر يصدأون في السجون
وعدد المفقودين لا يُحْصى
وعدد المهاجرين حطم أرقاماً قياسية
ورغم ذلك ثمة من يقول إنه لا شيء يحدث
والحياة تسير على ما يرام،
وإن البلاد تشهد ازدهاراً.
حين شعرتُ بالجوع
ذهبتُ إلى المطبخ وفتحتُ البراد.
كان صفد البيض قد انتهى،
وقالب الجبنة علتْه العفونة
وزجاجات البيرة قد فرغت
ولم يكن في الثلاجة طعامٌ.
بدأت معدتي تلوي عليّ
فتذكرتُ تمثال التمر،
الإله الذي صنعْتهُ منذ قليل
أسرعتُ إليه، حملته بين يديَّ
ووضعتهُ أمامي وجلست منحنياً إلى الأمام كمن يركع للصلاة
وبدأت بالتهامه عضواً عضواً
حين أنهيتهُ تمددتُ على ظهري
وبدأت أشاهد فيلماً عن كوكب المريخ
نمتُ بعد أن شاهدتُ أقل من ربعه
وفي حلمي ظهر لي إله التمر
مكشّراً عن أنيابه
كأنه انبعث من الطعام الذي طُحن وُمضغ جيداً
ونهض كي يحاسبني على فعلتي
ثم انفتح بابٌ ودخل أربعةٌ من زبانيته
كبّلوني بأغلال من حديد وهم يشبعونني ضرباً
اقتادوني كالجثة وفتحوا باباً في السماء
ورموني في نار تستعر.
وكان جلدي كلما احترق وتفحم نبتُ لي غيره.
اختنق الصراخ في حنجرتي ولم أقْو على إخراجه.
بقيتُ مدة على هذا الحال متنقلاً من سفّودٍ إلى آخر
جمارُ الجحيم تشتعلُ تحتي وتتدلّى من فوقي
وألسنةُ اللهب تمتدّ حولي كغابةٍ بلا نهاية
والصرخاتُ تنهمر كمطرٍ لا ينقطع.
ثم وجدتُ نفسي أمشي على شعرةٍ تمتد في الفضاء
انزلقت قدماي عنها وتطوحتُ في ظلمةٍ
أخرجني منها صوتٌ أيقظني فنهضتُ كالمذعور.
أسرعتُ إلى الحمام، فتحتُ الصنبور وغسلتُ وجهي
ثم نظرتُ في المرآة وأطلقت ضحكةً دوّتْ في أرجاء البيت.
لا بدّ أن خوفي جاء من مصدر آخر،
وليس من تمثال عجوةٍ هدّأ معدتي قليلاً.
توجّهتُ إلى سريري وأنا أفكر
بأنني أقدّس آلهةً من هذا النوع
لا تخيف،
لا تهدّد
ولا تغري
آلهةٌ
تضحّي بنفسها عند الحاجة
ولا مانع عندها أن تؤكل
حين يشعرُ أحدٌ ما بالجوع.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى