عصري فياض - الفلسطينيون الخاسر الاكبر من صفقة التطبيع المرتقبة

عندما بدأت بعض الدول العربية الانصهار في مشروع "ابرهام" التطبيعي مثل الامارات والبحرين والمغرب والسودان،ما كان ذلك ليحصل لولا مباركة المملكة العربية السعودية او بضوء أخضر منها،عندها انتقدت القيادة الفلسطينية التطبيع العربي بدون ثمن،وعاكست قناعاتها وقالت أن السعودية متمسكة بمبادرة مؤتمر بيروت المنعقد في عام 2002،والتي اعلنت استعاد كل الدول العربية الاعتراف باسرائيل وإقامة علاقات معها إذا ما اعطت الفلسطينيين والعرب حقوقهم المشروعة كاملة.
اليوم،بدأت المفاوضات بين الولايات المتحدة الامريكية وإسرائيل والسعودية لاخراج صفقة التطبيع والاعتراف المتبادل قبل انطلاق التحضير للانتخابات في الولايات المتحدة الامريكية لتكون هذه الصفقة في حال نجاحها مكسبا للرئيس الامريكي الضعيف بايدن يرفع بها اسمه امام الناخب الامريكي لينال فترة ثانية من الحكم.
اليوم سلمت القيادة الفلسطينية بحتمية اقدام السعودية على التطبيع،وأن التطبيع السعودي الثقيل حاصل لا محالة،فتخلت عن موقفها السابق المنتقد الرافض ولو بخجل،وتقدمت باللحاق بركب التفاوض الحثيث لانجاز تلك الصفقة لعلها تحصل على مكسب ما يحسب لها انجازا سياسيا بعد سنوات طويلة من الركود والجمود،فالسعودية تحتاج مباركة ورضى فلسطيني على خطوتها القادمة،والإدارة الامريكية تريد تحقيق انجاز يوظف لإعادة انتخاب الحزب الديمقراطي الذي اخفق في مرحلته الاولى ويريد استكمال مرحلة ثانية من الحكم،اما اسرائيل التي تعاني انقسام افقي داخلي وأزمات أمنية تتطلع بفارغ الصبر لتحقيق التطبيع مع اكبر وابرز دولة عربية اسلامية ستجر من خلفها العدد من الدول العربية والإسلامية للتطبيع بالرغم من كون ان حكومتها تعتبر الاكثر تطرفا وعنصرية منذ انشاء كيانها في العام 1948.
وقد جرى في الاونة الاخيرة عدة لقاءات في العاصمة الاردنية عمان وفي العاصمة السعودية الرياض لقاءات مع مسؤولين امريكيين والسعوديين وفلسطينيين من لأجل الحصول على حصة فلسطينية من هذه الصفقة المرتقبة،ولكن الاخبار الصحفية المسربة من العاصمة الامريكية واشنطن تقول أن المطالب الفلسطينية صعب جدا تلبيتها،خاصة لجهة الطلب الفلسطيني بالاعتراف بفلسطين عضوا كامل العضوية في الامم المتحدة الامر الذي يعني للفلسطينيين الاعتراف بدولتهم،كذلك وقف او تجميد الاستيطان،والتوقف عن إجتياح ومداهمة المخيمات والمدن والقرى الفلسطينية،واعادة فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن،ومطالب اخرى منها اقتصادية كعودة دعم الخزانة الفلسطينية بمساعدات من السعودية التي تشترط على السلطة الفلسطينية محاربة المجموعات المقاومة في الضفة لتلبية هذا الشرط،وكذلك والولايات المتحدة الامريكية واجبار اسرائيل على تخفيف قبضتها عن الاموال الفلسطينية.
إن الحضور الفلسطيني الرسمي في هذه المحادثات لهو حضور هامشي،ولا تُعِرْ له الدول الثلاث المنغمسة فيه الاعتبار الكبير،لأن السعي لمصالحها مقدم على الاعتبار الفلسطيني كثيرا،فبايدن الذي يسعى لكسب جولة ثانية من الحكم،لا تساوي له المطالب الفلسطينية شيء في هذا الوقت بالذات،فهو لم ينفذ حتى اقل التزام نحو القضية الفلسطينية تعهد فيه في حملته الانتخابية بإعادة فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن،ولم يُعِدْ صرف المساعدات المالية المتوقفة للسلطة بالرغم من مرور اربع سنوات على حكمه،واسرائيل التي تشكل حكومتها كتلة متصلبة من اليمين،لن يقبل او يستطيع رئيسها نتنياهو تجميد الاستيطان ولو ليوم واحد من أجل إنجاح الصفقة مهما كانت مهمة او وقفه لأن ذلك سيعني انهار حكومته المتزمتة والتي لم تكمل برنامجها المتطرف بعد،والذهاب الى انتخابات جديدة وهذا ما يتطلع اليه معارضوه،والمملكة العربية السعودية والتي تطالب بأثمان لموافقتها على التطبيع منها حصولها على سلاح متطور من الولايات المتحدة من ضمنها طائرات اف 35 المتطورة،وبناء مفاعل نووي للاغراض السلمية.
فالمتوقع أن تضيع المطالب الفلسطينية بين مصالح الدول الثلاث التي ستصل قبل انطلاق الحملة الانتخابية القادمة في الولايات المتحدة لانجاز صفقة التطبيع،إما بقبول بعض مطالب السعوديين أو تقصيرها أو الالتفاف عليها بالوعود المظللة والخداعة التي تمتليء فيها خزائن الادارات الامريكية،فتخرج اسرائيل وأمريكا هما الفائزان من هذه الصفقة،وتنال السعودية بعض مآرب لها من التطبيع،ويخرج الفلسطينيون الخاسر الاكبر بعدما يكونوا قد اعطوا مباركة للصفقة وكانوا جسرا لها بفائدة صفر،وسلكوا منحا حديدا لا ينتقد التطبيع بل يحاولون مباركته لكسب فتات منه لم ولن يحصلوا عليه قطعا.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى