عصري فياض - هل إستفدنا من درس مجزرة صبرا وشاتيلا ؟

في نهاية شهر آب من عام 1982،خرجت آخر قيادات وقوات الثورة الفلسطينية من بيروت بعد توقيع اتفاق بطريقة غير مباشرة مع المبعوث الامريكي فليب حبيب اثر الاجتياح الاسرائيلي للبنان وصولا للعاصمة بيروت وجزء كبير من البقاع والجبل،وكان من شروط الخروج استقدام قوات متعددة الجنسيات لحماية المخيمات الفلسطينية،فجاءت هذه القوات المكونة من قوات المارينز الامريكية وقوات فرنسية وايطالية،وبعد ايام على خروج قوات الثورة الفلسطينية،انسحبت هذه القوات بشكل مفاجأ ودون سابق إنذار،فقتل بعدها الرئيس اللبناني المنتخب حديثا والمتعاون مع الاسرائيليين بشير الجميل في تفجير ضرب بيت الكتائب في بيروت الشرقية،شارون الذي كان حينها ينتظر هذه الفرصة،فبعد اغتيال الجميل بأقل من 24 ساعة،دخلت قواته وقوات حزب القوات اللبنانية وقسم من لجيش انطوان لحد العميل لبعض اجزاء بيروت الغربية وخاصة منطقة مخيمي صبرا وشاتيلا وجوارهما،وارتكبا على مدى ثلاثة ايام متتالية مجزرة بشعة ومروعة راح ضحيتها نحو ثلاثة ألاف وخمسماية فلسطيني ولبناني،وعندما اكتشفت فصول المجزرة المروعة صدم العالم،وأجبرت هذه الصدمة الكبيرة حتى الكيان الاسرائيلي لتشكيل لجنة تحقيق سمت " لجنة كاهان ".
ما نريد الاشارة اليه في هذا المجال،هو آثار تلك المجزرة أن أحد أسبابها المباشرة كان نقض الاتفاق الذي تم مع الوسيط الامريكي فليب حبيب،وهذا النقض والتنصل من بنود الاتفاق جاء من الجانب الامريكي والأوروبي،فولا التعهد بحماية المخيمات ما خرجت قوات م ت ف من بيروت،وما انسحابها المفاجئ والسريع من بيروت بعد ايام على خروج قوات م ت ف وأسبابه إلا لغزا كان وما زال يحمل خلفه خطة مبيته من قبل اسرائيل وحلفائها من القوات اللبنانية وجيش لحد،لكن الدرس الذي كان صارخا ومدويا هو :-هل استفدنا منه نحن كفلسطينيين،اقصد القيادة الفلسطينية ؟؟
لا أنكر أن تعاطي قيادة الثورة الفلسطينية في ذلك الوقت مع الوساطة الامريكية نابع من أمرين هامين :-
الاول :- ان قوات الثورة الفلسطينية التي حوصرت في بيروت لمدة ثمانين يوما تحت وابل من القصف الشديد من الارض والجو والبحر لم ترد تدمير بيروت العاصمة العربية لبنانية التي احتضنتها في حين رفضتها عواصم اخرى،ولم تقف الى جانبهم في هذا العدوان الكبير عليهم،فرأت ان تلبي مطالب حلفائها من اللبنانيين الذين وقفوا الى جانب قوت الثورة الفلسطينية جنبا لجنب في كل مراحل القتال سواء ضد الاسرائيلي او ضد الانعزاليين.
الثاني :- ان قيادة م ت ف وقتها كانت تسعى لنيل اعتراف بها من الولايات المتحدة الامريكية،فرأت في قبول الوساطة مقدمة على طريق نيل الاعتراف هذا،والذي قد يؤسس في فتح قناة اتصال مع الادارة الامريكية.
لكن الادارة الامريكية،وبعد الخديعة والتنكر والانفكاك من التعهدات التي قطعتها على نفسها،ضربت الجانب الفلسطيني ضربة شديدة،فهل أخذت القيادة الفلسطينية العبرة من هذا الموقف الأمريكي؟
الجواب :لا،فقبل هذا الدرس،تقلت القيادة الفلسطينية صفعة أخرى،عندما كادت قيادة م ت ف أن تنجز وساطة ناجحة في الافراج عن الرهائن الامريكان الـ52 الذين كانوا محتجزين في طهران،فإتصل طاقم الرئيس الامريكي المرشح للانتخابات وقتها "دولاند ريغان" بالجانب الفلسطيني وابلغه ان يتراجع عن وساطته حتى لا يعطي منافسه الرئيس الامريكي جمي كارتر نجاحا يمنع ريغان من الفوز بالانتخابات والمقابل وعدا طاقم ريغان بفتح اتصال مع قيادة م ت ف بعد فوزه بالرئاسة مباشرة،فصدقت القيادة الفلسطينية الوعد،وخسر كارتر،وفاز ريغان،ولم يفي الاخير بوعده للفلسطينيين.
ومنذ ذلك الحين والتجارب في مصداقية الجانب الامريكي تتواصل،وعلى رأسها الضمانات الامريكية التي جرت في كل مراحل التفاوض الفلسطيني الاسرائيلي والتي لم تف الادارات الامريكية المتعاقبة بأي منها خاصة السياسية منها،والتي كانت تشير الى ممارسة الضغط المطلوب على كل من يتنكر لبنود الاتفاقيات،وكل ما قدمته الولايات المتحدة لقيادة الشعب الفلسطيني والشعب الفلسطيني هو اعتراف هزيل بها وبعض المساعدات المالية والمشاريعية كما تقدم لأي دولة في العالم.
لذا نقول درس صبرا وشاتيلا الصارخ لم نتعلم منه اطلاقا،وما سبقه وما لحقه شكل إخفاق كبير للقيادة الفلسطينية في هذا الجانب،فالإدارات الامريكية التي تسوق نفسها انها راعية للسلام كانت وما زالت هي الحاجب الاساسي الذي يمنع اسرائيل من تلبية مطلبات الحل السياسي القائم على العدل،وأن سياستها أي الولايات المتحدة الامريكية باقية ومتواصلة وعميقة مع تقلب الرئاسات والادارات على مر السنين والعقود.
وهذا الدرس وما سبقة وما لحق به يجب أن يكون حاضرا في هذه الايام لجهة سعي إدارة بايدن عقد صفقة تطبيع بين السعودية واسرائيل "ببهارات فلسطينية" بهدف تعزيز فرصة بايدن وحزبه الديمقراطي في الفوز بجولة ثانية في الانتخابات الامريكية.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى