عادل المعيزي - هل نَجَوْنا من المجزرة؟

لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ..
عِنْدَما افْتَرَشُوا في المَلاجِئ أحْزانَهُمْ
هل نَجَوْتُ من المَجْزَرَةْ؟
كانت الطفْلَةُ الأبْجَديَةُ تَأكُل شَيْئًا مِن الخُبْزِ
وكان العَشَاءُ ثقيلا كَصَوْتِ القَذائفِ
كان الهواءُ رَصاصًا وكانَ الزّحَامْ
وبِرَغْوَةِ قُنْبُلَةٍ غَسَلَتْ نِسْوَةٌ
ما نَجَا مِنْ أواني الطّعَامْ

لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ..
كنتُ مُسْتَسْلِمًا لِهَوَى شَاشَتِي
ومَشَاهِدُ حَرْبِ الجَنُوبِ تَجِيءُ إليَّ
فَتَفْقَأُ عَيْنَيَّ حِينًا وحِينًا تَمُصُّ دَمي
لم أكُنْ مَعَهُم عِنْدَما هَدْهَدَتْ أُمَّةٌ
ناسَها لأنَامْ
وتنامُ الصبِيَّةُ زَيْنَبُ في مَلْجَأٍ
وتَنَامُ بِأسْمَالها وإلى حضْنِها دُمْيَةٌ
هَدْهَدَتْها قليلاً لَعَلَّ تَنامْ

لم أكُنْ مَعَهُمْ..
عِنْدما انْهَمَرَ المَوْتُ في لَيْلِهِمْ
واستحال الترابُ دماءً
وسالَ الحَصَى جَدْوَلاً مِن رُكامِ الحِجارِ
وحطّتْ على حُلُمي صرخةٌ
رفرَفَتْ بجناحِ الرَّدى فاسْتَفَقْتُ
وجَدتُ أمامي رُفاتَ الرفاتِ
رأيتُ الصَّبِيَةَ قد أصبحتْ دميةًً
جفنُها مغمَضٌ، وجْهُهَا عَفَّرَتْهُ شُجُونُ الغُبارِ
وكان ذَكاءُ القَنابلِ يَجْعَلُ زَيْنَبَ في مَوتِها دُميةً
وَجْهُهَا كَإِلَهٍ صَغيرٍ يُعاتبُ جُبْني
ويَرنُو إلى هَلَعي سَاخِرًا
رمشُها كملاك يُرفرفُ،
لَمْ ألحظ الفَرقَ بيْن الدُمَى

لم أكُنْ بَيْنَهُم ..
لأرَى الفَرْقَ بيْنَ الشّهيدِ وبيْنَ ظِلاَلِ الخُطَى
بانَ فَرْقٌ طَفِيفٌ عَلى خَدِّ غزة
وبَانَ مَدَى حُلْمِنا بالسّلامِ وبَانَ..
صَدَى خُطَبِ المِلْحِ تأمُرُنا بالحِيادِ
وبَان َعَلى جُرحِ قَانَا
تواطؤُ مَن خَذلُونا غَدًا..
واسْتَبَاحُوا دِمانَا
وسَالَ على رِمْش قَانَا..
نواحُ الثّكالى هوين على الرمل بَدْرًا
وطيفُ الحزانَى
وهَانَ سَحَابٌ كَثِيفٌ عَلى صَدْرِ قَانَا
وبانَ على زِنْدِ زَيْنَبَ وَشْمٌ
تطاير في ذكريات الطفولة
قرأتُ الحروفَ: "أنَا ما احْتَمَيْتُ بِكُمْ
أيُّهَا النّائِمُونَ على حَافةِ المَقْبَرَةْ"

لَمْ نَكُنْ مَعَهُمْ..
عندما افْتَرَشُوا في المَلاجِئِ أشْلاءَهُم
هَلْ
نَجَوْنا
مِنَ

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى