فاطمة مندي - دموع وكبرياء

دلف الفكر يتسلق جدرا
الذاكرة، يتلمس بداخلة عبق شذاها، يسترجع معها لقائه الأول بها عندما رأها للمرة الأولى فى أحد أفراح أقاربه، تمر من أمامه، تتهادى كالنسيم، بقوام فاره ممشوق، وجمال أخاذ.
فى قاعة الأفراح وقف بعيداً، يسند جذعه على الحائط، شارد الذهن
زائغ العينين، ينظر هنا وهناك، نظرات حائرة، فى إنتظار رؤيتها تطل عليه دالفة إلى القاعة .
يرى وقع رؤيتها على قلبه مرة أخرى.
تنبثق من خواء الآمال والأحلام أجنحة وهم وحروف تدلت من أغصان أيبستها الرياح الباردة، التي أقتلعت كل جذور الحب ؛وهي براعم في مرحلة النمو؛ كي تنسج قصيدة مهترئة كاذبة، في جو مشحون بالأعاصير أيبست فروعها الضعيفة، فوئدتها في ربيع قاحل، خلف جدران التمني.
قلبه الممزق المهترء لفراقها يئن.
نفسه تحدثه: لقد باعدت بيننا ظروف ظالمة وقهريه، ايبستني كجرز تعرض لنار شعواء.
لقد نجحت الوشاية لتفصل
كلانا عن الآخر.
والعقل يردد على مسامعه مقولة أمه له: إنها لا تصلح لك، لا تأخذ من أحببتها بشدة، إنها تعاندك ، كلمتها ستعلوا كلمتك.
يهتف قلبه معترضاً: إنها تهواني تعشقني كانت عبير أزهارى ، نسمة صيفى، أمواج أبحاري الثائرة، لحن كلماتى، بلسم جروحى، بسمة ثغرى.
التي أضعتها بضعفي أمام رغبات والدتي.
ذات مناسبة
لفت أنتباهه سلام والدته الحار لها ولوالدتها، كان يتابعها بنظرات الإعجاب فى كل تحركاتها، الى أن طلبت منه والدته رأيه فيها، أعرب عن إعجابه الشديد بها.
فى عدة أيام تمت الخطبة وعلى عجل، تقرب منها بحذر عملاً بكلام والدته إليه.
وعلى العكس أحبها حباً لم يعرفه من قبل، لم يظهر لها هذا الحب، دائماً يظهر لها أنه لا يبال.
يعلم تماماً أنها تعشقه، تهواه، تتمنى رضاه.
أستشاط غيظاً كلما تذكر أن جميع أصدقائه الذين حضروا حفلة خطوبته كانوا يسترقون النظر إليها، من شدة جمالها، وقف يراقب نظرات الحضور إليها.
قلبه يستعر غيرة،
يتجول بذاكرته يرى كم كان يضايقها بكثرة غيرته، كم كان يتعمد أهانتها، نزولاً إلى رغبة والدته: أن أكسر أنفها كي تجمح جماحها.
وصل إلى نهاية علاقته بها على صوت هاتفه: تخبره أن كل شيء قسمة ونصيب، بعد مشاده كلامية بينهم، أهانها وكانت إهانته كالحراب التى أودت بحياة الحب بداخلها إلى مثواه
الأخير .
كانت المحادثة هي آخر مسمار دقة في نعش حبهما.
تنبه لواقعه فرأى من بجواره ينظر باهتمام وفضول، نظر فى نفس الإتجاه، فوجد قلبه يخفق بشدة، وحرقة، ووجع يعتصره كسكين حاد
قد أستقرت بداخله، عندما وجدها دالفة من باب القاعة، تتأبط زراع رجل غيره، لم يتحمل رؤيتها بصحبتة،
فأنطلق خارجاً بعيداً عن بعض أقاربه الذين يعرفون قوة حبه الذى قتله بداخله.
فى الخارج نفث عن غضبه فأوقد بعض سجائره، بركان الغضب وثورة المشاعر الذى أعلنت الإحتجاج على مر واقعه، وذبح قلبه دلف إلى القاعة مرة أخرى، وجدها أمامه، تسمر فى مكانه، شخص إليها يستعطفها، بنظرات عاتبة بشوق وكبرياء وحب.
تحدثت المقل عن الشوق الجارف والحنين المتقد خلف العناد، وحادثته مقلها عن ذات الشوق إليه، معاتبة تصرفاته، وذبحه لكرامتها، على عتبة كبريائه وسخريته، وطاعته لعادات وأفكار بالية، قد وجدت أمه من أذنه وعائاً صالحاً لسكبها بداخله كل معتقداتها الخاطئة.
قاطع هذا الشوق الجارف قدوم الخطيب خلفها بعد سلامه على أحد أصدقائه، صحبها وأنصرف.
دلف إلى القاعة، ثم خرج مرة أخرى يختلس بعض النظرات إليها وهى تغادر.
ودعها بعينان دامعتان وهو يراها تتأبط خطيبها بزراع، وتمسح دموعها بالاخرى حتى أختفت عن نظره.
انزوى جاثياً على ركبتيه يمسح قطرات الدموع، لم يمنعه كبريائه من البكاء بشهيق مؤلم .
متسائلا: وهل يُجدي النحيب؟! لست ادري، ولا الذكرى سترحمني فأنسى، ولا الشوق سيتركني لنومي؟!

فاطمة مندي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى