مهدي السليفاني - الجنون المستعار

في أحد صباحات دیسمبر الباردة كنت جالساً في أحد مقاهي المدینة أحتسي فنجان قهوة، كنّا ثلاثة، أنا و رجل ذو وقار وحكمة، هكذا بدی لي من هندامهِ في الوهلة الأولى، یجلس بجانب أحد مجانین المدینة الطیبین، شخصان من عالمین مختلفین،عالم مليء بهموم الحیاة وآخر لا یعي سوی لحظته دون إدراك لما یدور خارج ذاته.
بدا الرجل الحكیم قلقاً وحانقاً من أمرِِ ما، ما لبث أن بدٲ بنقد سیاسة الدولة في كل شيء ثم استقر بنقد طریقة تحدید سعر اللحم موجهاً نظره صوب المجنون، بكل قواه الفكریة حاول جاهداً إفهام المجنون وجهة نظره الناقدة والمجنون مستمع و هادئ، بعد تعب الحكیم من سرد رؤیته العمیقة تجاه سیاسة الدولة ٲجابه المجنون: نعم ذهبت الیوم ٳلی الحلاق لكنه رفض حلق شعري بحجة انشغاله برجل آخر، هذا أمر محزن. اشتطّ الحكیم غضباً من رد المجنون، أیها الٲبله عن ماذا تتحدث، ٲي حلاق؟! اللحم اللحم، ارتفع سعره. المجنون أنا لا آكل اللحم، ثار الحكیم، أنت لا تفهم شيئاً عن السیاسة وضعنا مُزرٍ .ردّ علیه المجنون قائلاً: هل ترید أن أشتري لك علبة سجائر. انفجر الرجل الحكیم وعیناه تقدحان شرراً، أیها المجنون ستنال مني بكلامك، لملم الحكیم أشیاءه ناهضاً وهو یتمتم، الحق أقول، أنت أیضاً مثل الحكومة لاتفهم من السیاسة أي شيء.
غادر الحكیم المقهی وقد زاده المجنون هماً فوق هم ارتفاع سعر اللحم.
هنا التفت المجنون نحوي وقال: لماذا انزعج الرجل فقلت له هو لم ینزعج قط، لكنه علی موعد مع الحلاق، فنهض صاحبنا المجنون مسرعاً صوب الباب وهو یقول: كلا كلا لن أسمح له بالحلاقة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى