محب خيري الجمال - بجسد نحيل ويابس يمشي كغيمة لا ظل لها...

بحوزتي ما يكفي من الأيامِ الرديئةِ
هذه البئرُ مثلًا
التي لا تراها غالبا ولا تشعر بها وأنت تمرُّ بمحاذاةِ ظلِّي
أنفقتُ في حفرِها نصفَ عُمري
منذُ عشرين عامًا تقريبًا أو أكثرَ
وأنا أتفاعلُ مع الأشياءِ
لم أكف عن الثرثرةِ مع الأحجارِ والأفاعي
عن شتمِ الألمِ وغرفِ الطوارئِ
ورجالِ الدِّينِ وأطباءِ جراحةِ الذكورةِ
وسعالِ البابِ مع كلِ ركلةٍ من قوةِ تنفيذِ الأحكامِ
وتقاريرِ أمنِ الدولةِ،!!
ومخبرِ الحيِ المتقاعدِ
أيُّ خطأٍ منِّي غيرَ مقبولٍ
أيُّ خطأٍ مهما كان حجمه لن يعيدَ الحياةَ مرةً أُخرى
كسابقِ عهدِها
كلُّ مَن رافقني حتى النهايةِ يعرفُ ذلك تمامًا
أنا المشمولُ بعنايةِ الطِّين وناموسِ الأجدادِ.
الصحراءُ تمدُّ لي يدَ العونِ
تمنحني مادةً جديدةً للسخريةِ.
أنا أتصدَّقُ عليها بقصصِ الحبِّ الفاشلةِ.
الحبُّ الذي يأتي في الأوقاتِ الضائعةِ.
فلا شغل ولا عمل لقلبٍ يُعاني من البطالةِ،
القلب الذي ظلَ ممتنًا للحريقِ،
لابدَ لهُ من طريقةٍ مبتكرةٍ لحشو ما يمكن من القذارة
من الآن وصاعدًا لابدَ لهُ أن يبحث عن وظيفةٍ وضيعةٍ
تناسبُ حجمَ اللعنة
تلطمُ خد الوقت وتشقُ جيوبه كدلالةٍ على التمرد
أنا لا أعطي أهمية للموضوع على فكرة
ولا أفكرُ كثيرًا في نهاية العالم
أخذتُ ما يكفي من الوعظِ والإرشادِ
وكيفية إفساد الحقول في آنٍ واحدٍ
أنا كسائر مخلوقات الله لا أفعلُ شيئًا مفيدًا
أكرر نفسي في كل محاولةٍ لتدوير الإحباطِ
كجملةٍ مبتذلة حافلة بالغش الإنساني
أمشي عاريًا كمجنون يطيبُ لهُ العيش مع موته
ولا يلتفتُ لكل هذا المرار قصير النظر
صارخًا المجد للموت غير المعقد بالنظريات الإقتصادية
وتجار الحروب،،
المجد للموت الواضح البسيط،،
المجد للدهشةِ في الوهم،،
والحياة التي لم تعرفني يومًا ولم أعرفها حقًا،!

فرقةٌ موسيقيةٌ كاملةٌ تعملُ بإخلاصٍ
داخلَ رأسي،
وفي وقتِ الخرابِ تمارسُ العادةَ السريَّةَ
خلفَ مخلفاتِ الحربِ،
لا صلة لهذا بالقيم أو الأخلاق أو تأنيب الضمير
أو بحقوق الإنسان والحيوان على حد سواء
منذُ فجرِ التَّاريخِ ونحن نمارسُ الحُبَّ والعاداتِ السيئةِ.
بمقدوري مثلا ممارسةَ ذلك بمهارةٍ فرديةٍ
فمن حقِّ الحربِ أن تأتي وتجد الأرض عامرة بالأجساد الصالحة للأكل،،
ومن حقِّ اللَّغم أنْ ينفجرَ ككرنفالٍ في وجهِ الأشجارِ.
الَّلغمُ أيضًا متعبٌ متعبٌ من الرُقادِ بلا طائلٍ
لا شأنَ لذلكَ بالعدالةِ مطلقًا.
كلٌ منَّا يؤدي وظيفتَهُ التي خّلِقَ من أَجلِها
لذلك كان كافيًا أنْ أقدمَ تبريرًا لمديحِ تفاصيلِ الحجارةِ،
والانتظارِ الطويلِ على قارعةِ الطَّريقِ.
كان كافيًا لأمشي معتدلًا غيرَ مكترثٍ لرصاصِ الحكاياتِ القديمةِ عن الآبارِ والماردِ والجنِّ والتابعةِ
والعائلاتِ ذاتِ الحسبِ والنسبِ،،

هل رأيتَ نهرًا يبكي؟
ثانيةً واحدةً كفيلةً بإغراقِ مدينةٍ كاملةٍ.
فقط دعني أنحني ثانيةً واحدةً؛
لألتقطَ لكَ دمعةً حارقةً سقطتْ سهوًا من عينِيَّ إمرأةً يمنيةً.
ثانيةً واحدةً كفيلةً ببناءِ قلعةً حصينةً من جثثِ الأطفالِ.
أنا ممتلئٌ ممتلئٌ جدًا بالحجارِة والطِّينِ والقتلى.
هُزَّنِي مقدارَ ثانيةٍ أُخرى سترى قعرَ الضَّوءِ في مُخيماتِ العويلِ.
سترى المعمدانَ يُبْعثُ من جديدٍ
ليسَ في نهرِ الأردنِ هذه المرةُ.
ليسَ من أجلِ الأرملةِ واليتيمِ والغريبِ.
هذا الصوتُ الصارخُ في براري الروحِ
لا ينتظرُ المعجزةَ،،

ما من مسيحٍ جديدٍ على الطريقِ
لا صليبَ يستوعبُ وجعَ العالمِ
ولا عنايةٌ كريمةٌ من العذراءِ أمُّ النورِ في بلادِ الشَّامِ
كلُّ الأشياءِ تعملُ معًا للَّذين يحبون خلعَ الرؤوسِ
من أقصى شمالِ المغربِ العربيِّ حتى بلادِ فارسِ
سأكونُ صريحًا معك وأودُّ أنْ تفهمَ ذلكَ جيدًا
أنا رجلٌ بالكادِ يكتبُ اسمه بمخلبِ قِطٍ.
يقرأُ الرمالَ حبةً حبةً ويرسُمُ أوردةَ الوردةِ بالتَّشكيلِ العثمانيِّ
على جسدٍ خاوٍ من أيِ ملامسةٍ للخيالِ.
يفتحُ مزادَ البلادِ على طاولةِ الإتحادِ الأورُوبيِّ
يُخيطُ هواءَ الغرفةِ بالتنبؤاتِ وأساطيرِ الأوَّلين
يقاومُ تقدَّمَ العمرِ بعجينةِ الذكرياتِ
وأحجيةِ الَّليالي العصيبةِ
ولا يمنعُه التَّعبُ من قتل الوحدةِ وقسوةِ الغربةِ والعملِ.
من الطفوِ العظيمِ على قصائدَ لا تُغني ولا تسْمنُ من جوعٍ،
أو مشاهدةُ فيديو لعمليةِ اغتصابٍ جماعيٍ
سأكونُ أكثرَ صراحةً وأذهبُ بكَ لأبعدِ حدٍ
لعلَّكَ رأيتَ بأمِّ عينِكَ كمَّ الكتبِ والمخطوطاتِ التي بحوزتِي.
حسنًا،
كنتُ أنا وهيَ نتقاسمُ الغرفةً
أتطوعُ لها عنْ طيبِ خاطرٍ بخدمتِها وحمايتِها من الُّلصوصِ.
أَضعُ لها أحمرَ شفاهٍ من النَّوعِ النادرِ وأقدِّم لها أفخرَ أنواعِ الثِّيابِ.
كانت رقمَ البيتِ المهملِ في سجلاتِ المجلسِ المحليِّ،
لافتةُ أولُّ الشارعِ للبحثِ عن شاعرٍ سحنتِه كقشِّ القطنِ،
التقويمُ الأولُ في عمرِ التكوينِ،،
الغابات التي تنمو في أصابع الحواري الفقير،،
بينما الوباء كان يتدرب على حمل الأسلحة وحده
دونما صرخة في أفق مخيمات النخيل،،

كنتُ أحملُ الوقتَ على ظهري وأجري كجروٍ جائعٍ،
وفي جيبِ قميصي قصيدةً أتعبتني.
أتعبتني لحدِّ الخجلِ من ترْكها في دُرجِ الرُّوح بلا قيمةٍ.
الكتبُ والمخطوطاتُ والقصائدُ والأصدقاءُ القدامَى.
أودُّ الآنَ التخلصَّ منهم دفعةً واحدةً.
أودُّ القيامَ بعملٍ جيدٍ في حياتِي الرخيصةِ
كالعملِ فى ملهىً ليليٍ يقدِّمَ الخمورَ المغشوشةَ.
أو تاجرَ عملةٍ مصابٍ بتخمةِ الأوراقِ الماليةِ.
ما المانعُ أنْ أكونَ صبيَ راقصةٍ أو حتى بائعَ للمنشطاتِ الجنسيةِ،،
هذا العالمُ-على العمومِ- يقدرُ أردافَ الراقصاتِ.
الرجالُ هنا في الشرقِ يبذلون كلَّ ما في وسعِهم من أجلِ إِرضاءِ الأردافِ.
يقدمون الطاعةَ والولاءَ المطلقِ.!
عملُ الراقصةِ من الأعمالِ الشَّاقةِ والرجال خُلِقوا من أجلِ ذلكَ.
الأردافُ لها مفعولُ السِّحرِ.
الكلُّ يعملُ من أَجْلِها بكدٍ وعرقٍ متواصلٍ
من المناسبِ جدًا أنْ أعملَ صبيَ راقصةٍ.
الراقصةُ مناسبةٌ جدًا لقيادةِ العالمِ
أعرفُ راقصةً وضَعتْ ساقًا على ساقٍ.
شدَّت الرجلَ الأبيضَ الأمريكيَ من أرنبةِ أنْفهِ
حتى لحسَ التُرابَ الذي تمشي عليهِ
لا مانعَ عندي أنْ أعملَ صبِيَّ راقصةٍ
مناسبٌ جدًا أنْ أفعلَ ذلكَ
هذا لا عيبَ فيه ولا يحزنون
يمكنُني في المستقبلِ العملَ كنائبٍ لأي رئيسِ
دون أن يضغطَ الرجلُ الأبيض
أو تتسابقُ الجرائدُ في كشفِ الأمرِ.
كَوْني صبيَ راقصةٍ من حيٍ شعبيٍ ممتلئٍ بمياهِ الصرفِ الصِّحيِ وأمراضِ الوراثةِ،!!
المهم أن كل شيٍء سَيكونُ مختلفًا في النهايةِ
وليضرِب هذا العالم رأسه في أقربِ حائطٍ،،

الشعرُ لا يقدِّمُ ولا يُؤخِّرُ ولا يضمنُ لي دخلًا لتعاطِي الحياةِ
ولا يشفعُ لي في قسمِ الشرطةِ،!!
قصائدي مثلًا- دعني أسميها هكذا-
أودُّ أنْ تقومَ بمهمةٍ جديرةٍ بالاهتمامِ
أنْ تتابعَ أعمالَ المطبخِ فهي صالحةً لحفظِ التوابلِ والبهاراتِ.
وتلميعِ السكاكينِ
جديرةٍ بأن تكونَ جاهزةً في أيِّ وقتٍ لاستقبالِ الزائرين

في العيدِ مثلًا،،
زوجتي لنْ ترهِقَها نظافةُ الزًّجاجِ.
الأوراقُ التي أكتبُ عليها خشِنةٌ بما يكفي لمسحِ تجاعيدِ
الماضي بشكلٍ تُحسدَ عليهِ،
وحتمًا ستكون سعيدةً سعيدةً جدًا للحدِّ الذي يجْعَلُني
أقضي إجازةً جيدةً،
فمنذُ وقتٍ طويلٍ وهي تفكِّرُ في الإنجابِ،!!
تفكِّرُ في وقودٍ مستديمٍ لا ينضبُ ورصيدٍ في بنوكِ نقلِ الأعضاءِ!!
بمناسبةِ الأطفال
ِ ستكونُ أوراقي بديلًا عن تكاليفِ الحفاضاتِ
أكياسُ القمامةِ ستُقدِمَ دليلًا دامغًا على أنَّها ليست فارغةً
وجامعُ القمامةِ بنفسهِ سيُعبِّر عن خالصِ تقديرِهِ وامتنانهِ.
أوراقي الآن تنامُ هانئةً مستقرةً على طاولةِ الطَّعامِ.
يمكنني الآن الحصولَ أخيرًا على وجبةِ بأظافرٍ خاليةٍ من حبرِ الأسى ونظيفةٍ من دماءِ الشُّعراءِ
على يقينٍ أنَّ هذا الخبرَ لهُ أثرُهُ المبهجُ على نفوسِ الأصدقاءِ.
مِن هنا أكاد المحُ ضحكاتَهم وغمزَ أعيُنِهم،
وتلميحاتِهم على شبكاتِ التواصلِ،،
تبَّا لهم جميعًا سأتركُ هذا المكانَ أيضًا قريبًا غيرَ آسفٍ على شيٍء!!

يجب التخلص من كل شيءٍ نهائيًا
الكتبُ والمخطوطاتُ التي كلفتني الكثيرَ لم تكفي لدفعِ
المصروفِ الدراسيِ هذا العام لطفلٍ واحدٍ.
الرواياتُ الحاصلةُ على جائزةِ نوبلِ مسرورةٌ
تحلِّقُ في فضاءٍ شاسعٍ.
أخيرًا تحرَّرتُ من أسرِ الأرْفُفِ لتذهب رَاضِيَة مَرْضيَّة
كُتب الشِعر والفلسفة والصحافة والتصوف والتصوير
الكُتب التي تثرثر عن القرن الإفريقي الكبير
والصراعات الاستعماريةِ كُلها كُلها الي الجحيم
لا حاجة لي بها ولا حاجة لها بي،
لقد أفسدَ جسدي كل شيء وسقط مني بلا حسابٍ،،!

ملحوظة:
أعتقد تاجر الخردة بأنها كُتب لتحضير الأرواحِ
وجلب الحبيب ورد المطلقة وإخراج الجن الكافر،!!
يقول: أن أفران الخبز البلدي أصبحت أكثر فرحًا ونعيمًا
أصبح اللهب راقص باليه مشهور
يتصدر شريط الأخبار،
الدخان المتصاعد له رائحة البخور
يرسمُ لوحة للصلاةِ لعلَ السماء تستجيب،،،
قصائد الشيخوخة والنصوص التافهة تستعيد أعناق الورد
صارت أعمق من هذه البئر المملوءة بالحجارةِ والطّّين والقتلى وبنات الناس،
وبالرغمِ من ذلكَ لمْ تحدث المفاجأةُ بعدْ لم تحدث
فقط بجسد نحيل ويابس يمشي كغيمة لا ظل لها،،
تأكل منه الأيام
ولا شيء في العروق يصلح للذئاب الجائعة،

محب خيري الجمال

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى