بعد زلزال الحوز نام حمو وأبناؤه في العراء أكثر من شهرين. لم يحصل على خيمة، إلا بشق الأنفس. في البداية أحس بفرح غامر.. اعتبر نفسه محظوظا، فالخيمة كبيرة بالقياس إلى بقية الخيم التي استفاد منها عدد قليل من الأسر في القرية. كان يقول لزوجته فاطمة كلها أيام، ونبني البيت من جديد، وتعود الحياة إلى طبيعتها السابقة.
الهبّة التضامنية التي عرفها البلد أغرقت القرية في الخير.. الحمد لله الأغطية والألبسة والمواد الغذائية تفيض عن الحاجة. والأطفال يأكلون حتى تنتفخ بطونهم.. يبدو أن البلد لن يسمح بأن يبقوا عُرضة للبرد والمطر والثلج..
جاء الشتاء الأول.. أسكت غيظه مبلغ الدعم المقدر بثلاثين ألف درهم موزعة على اثني عشر شهرا، ووعد بمبلغ كبير لإعادة بناء بيته..
قال لنفسه:
ـ اصبر يا حمو كلها شهور قليلة وتعود الحياة إلى بيتك أحسن مما كانت.. لا بأس أن تخرج فاطمة إلى الخلاء لقضاء حاجتها.. الفقيه قال في خطبة الجمعة إن المحصنات من نساء المسلمين في عهد النبي عليه السلام كن يقضين حاجتهن في الخلاء. الآن عليك أن تستثمر جزءا من هذا المبلغ الذي ستحصل عليه في نهاية كل شهر في شراء قطيع صغير من الماعز، تشغل به يومك، وينفعك في أيام الشدة..
في الصيف بدأ حلم إعادة بناء البيوت التي هدمها الزلزال يتبخر. تردد في الصحافة بأن هناك صعوبات في تحديد المتضررين الحقيقيين. عون السلطة جاء بأخته وأبنائها من المدينة، وحصل لهم على خيمة، وأسكنهم في القرية، ويستفيدون مثله من مبلغ الدعم الخاص بالكراء، وفعل مثله بعض المنتخبين.
الناس تقول في القرية بأن المسؤولين يترددون بين تسليم إعادة البناء لشركات خاصة، أو يقدمون مبلغا على دفعات للمتضررين.. في نشرات الأخبار يسمع بأن الحكومة تُفكر في بناء منازل بمواصفات عالمية مضادة للزلازل.
لم يحدث شيء من ذلك.. ضاقت صدور الناس بالصبر.. خرجوا في مظاهرات.. تراجعوا أمام لعبة العصا والجزة، بعد أن قدّم لهم المسؤولون وعودا جديدة..
النساء تخلين عن جمع الحطب.. الخيام الجديدة لا تسمح أن يستعنّ بإشعاله للطبخ في الداخل.. أغلبية الأسر أصبحت تستعمل قنينات الغاز الصغيرة..
بعد سنة انقطع المبلغ الشهري، وعاد الشتاء الثاني أكثر قسوة.. الرياح تكاد تمزق الخيمة.. والأمطار تهطل بقوة.. كل الاحتياطات التي اتخذها حتى لا يدخل الماء إلى الخيمة باءت بالفشل. لولا الأسرة الحديدية القديمة التي تبرع عليه بها أحد المحسنين العام الماضي لغمر الماء الأفرشة والأغطية. كان حمو قد قسّم الخيمة إلى غرفتين.. واحدة للأبناء والثانية جعل منها غرفة نوم في الليل، ومطبخا في النهار. الآن على من في الخيمة أن يبقى مستيقظا حتى يخف المطر.. الوحل والماء غمرا الغرفتين، والخيمة أصبحت مثل سفينة مثقوبة..
أنهكه التعب من كثرة نقل الماء والوحل خارج الخيمة.. أحست فاطنة بذلك، فناولته كرسيا من الدوم، وطلبت منه أن يستريح قليلا..
طلب من زهرة طفلته الصغيرة أن ترفع رجليها من الماء.. وضع يده على رأسه..
تذكر ما تناقلته المواقع الإخبارية الأسبوع الماضي، ثم قال بصوت مرتفع كمن يهذي:
ـ الناس انشغلت عنا بارتفاع أسعار الخضر والأسماك واللحوم. والمسؤولون نسونا يا فاطمة.. سنموت من البرد والإهمال.. اللعنة على الكرة .. المال غض الطرف عن إعادة بناء بيوتنا، وذهب بسخاء لشراء القطارات وبناء الملاعب والمطارات..
الهبّة التضامنية التي عرفها البلد أغرقت القرية في الخير.. الحمد لله الأغطية والألبسة والمواد الغذائية تفيض عن الحاجة. والأطفال يأكلون حتى تنتفخ بطونهم.. يبدو أن البلد لن يسمح بأن يبقوا عُرضة للبرد والمطر والثلج..
جاء الشتاء الأول.. أسكت غيظه مبلغ الدعم المقدر بثلاثين ألف درهم موزعة على اثني عشر شهرا، ووعد بمبلغ كبير لإعادة بناء بيته..
قال لنفسه:
ـ اصبر يا حمو كلها شهور قليلة وتعود الحياة إلى بيتك أحسن مما كانت.. لا بأس أن تخرج فاطمة إلى الخلاء لقضاء حاجتها.. الفقيه قال في خطبة الجمعة إن المحصنات من نساء المسلمين في عهد النبي عليه السلام كن يقضين حاجتهن في الخلاء. الآن عليك أن تستثمر جزءا من هذا المبلغ الذي ستحصل عليه في نهاية كل شهر في شراء قطيع صغير من الماعز، تشغل به يومك، وينفعك في أيام الشدة..
في الصيف بدأ حلم إعادة بناء البيوت التي هدمها الزلزال يتبخر. تردد في الصحافة بأن هناك صعوبات في تحديد المتضررين الحقيقيين. عون السلطة جاء بأخته وأبنائها من المدينة، وحصل لهم على خيمة، وأسكنهم في القرية، ويستفيدون مثله من مبلغ الدعم الخاص بالكراء، وفعل مثله بعض المنتخبين.
الناس تقول في القرية بأن المسؤولين يترددون بين تسليم إعادة البناء لشركات خاصة، أو يقدمون مبلغا على دفعات للمتضررين.. في نشرات الأخبار يسمع بأن الحكومة تُفكر في بناء منازل بمواصفات عالمية مضادة للزلازل.
لم يحدث شيء من ذلك.. ضاقت صدور الناس بالصبر.. خرجوا في مظاهرات.. تراجعوا أمام لعبة العصا والجزة، بعد أن قدّم لهم المسؤولون وعودا جديدة..
النساء تخلين عن جمع الحطب.. الخيام الجديدة لا تسمح أن يستعنّ بإشعاله للطبخ في الداخل.. أغلبية الأسر أصبحت تستعمل قنينات الغاز الصغيرة..
بعد سنة انقطع المبلغ الشهري، وعاد الشتاء الثاني أكثر قسوة.. الرياح تكاد تمزق الخيمة.. والأمطار تهطل بقوة.. كل الاحتياطات التي اتخذها حتى لا يدخل الماء إلى الخيمة باءت بالفشل. لولا الأسرة الحديدية القديمة التي تبرع عليه بها أحد المحسنين العام الماضي لغمر الماء الأفرشة والأغطية. كان حمو قد قسّم الخيمة إلى غرفتين.. واحدة للأبناء والثانية جعل منها غرفة نوم في الليل، ومطبخا في النهار. الآن على من في الخيمة أن يبقى مستيقظا حتى يخف المطر.. الوحل والماء غمرا الغرفتين، والخيمة أصبحت مثل سفينة مثقوبة..
أنهكه التعب من كثرة نقل الماء والوحل خارج الخيمة.. أحست فاطنة بذلك، فناولته كرسيا من الدوم، وطلبت منه أن يستريح قليلا..
طلب من زهرة طفلته الصغيرة أن ترفع رجليها من الماء.. وضع يده على رأسه..
تذكر ما تناقلته المواقع الإخبارية الأسبوع الماضي، ثم قال بصوت مرتفع كمن يهذي:
ـ الناس انشغلت عنا بارتفاع أسعار الخضر والأسماك واللحوم. والمسؤولون نسونا يا فاطمة.. سنموت من البرد والإهمال.. اللعنة على الكرة .. المال غض الطرف عن إعادة بناء بيوتنا، وذهب بسخاء لشراء القطارات وبناء الملاعب والمطارات..