محمد محمود غدية - محطات...

كان اليوم رائقا، سكنت ريحه وسطعت شمسه، وهدأت فيه الأمواج الصاخبة وتثائب البحر،
يكتب الشعر، بسيط مثل العصافير والزهور وقطرات الندى، مشاعره صادقة تقرأها فى وجهه، يلقاك باابتسامة تدعوك لمسامرته ولعب الطاولة ومشاركته فى احتساء القهوة والثرثرة،
- سألوه يوما عن عمره ؟ فأجاب أنه فى مرحلة غياب الإشتهاء والأصدقاء، يقاوم حتى لا يموت غريبا شريدا، تسحقه تروس وعجلات الحياة الكفيفة البصر، لا أحد يربت على مواجعه، ووحده لا يقدر على منع سيل الدمع المدرار كالمطر !
تجلس امامه فى الباص،
فتاة وشاب فى عمر الزهور، يتبين من حديث الفتاة للشاب انه لقاؤهما الأول، حين قالت : ان عمرها اقترب من العشرين، لكنها فى الأربعين اذا قاست عمرها باليتم والانكسار !
فى النفوس ظلال كآبة،
تظللهما سحابة رمادية موحشة، وحدها تمضغ
أحزانها وتلوك تعاستها،
غادر الباص الكاتب صياد النصوص، الذى يمشى فى غابات الكلمات حافى القدمين، غير عابىء بأشواك الحياة، بحثا عن طريدة مباغتة، حين وجدها، طوقته الأغلال وانكسر القلم،
مر طيف الفتى وفتاة الباص جواره، تفيض فى وجهيهما البسمات، التى تحولت لآلاف الفراشات الملونة المحلقة، كنسمة مسافرة فى الملامح والعيون، عاشا الخوف الذى كبلهما ولجم احلامهما وقدرتهما، على الإستمتاع بالحاضر، والتطلع نحو غد افضل،
فى مقهاه القديم، اختارته الطاولة النصف متهالكة، ومقعده المرحب به بعد غياب، طاردا خوفه وانتظاره
للمجهول الأكثر ايلاما من وقوعه، احتسى فنجاني قهوة دون تلذذ، ودون صحبة، تحتضنه اذرع الحياة الساحرة الماكرة، الباهرة الزاهرة والمغوية، يصافح على البعد صورتها، بعد خسارة كل منهما الآخر، لأن احلامهما كانت اشبه بقالب من الزبد، فوق صفيح ساخن، افتقدا لغة الحوار وايصال رسالتهما بطرق مختصرة ومفيدة،
عدم وجود المرأة فى حياة الرجل، وغياب الرجل فى حياة المرأة، يقلل من أهمية وجودهما، ويحول أيامهما
الى أرض مقفرة،
الحياة قصيرة مثل الزهور ماتلبث ان تذبل،وعلى كل
من يتنفس الحياة الاستمتاع بها،
يمشى الهوينا الى محطته الأخيرة بحثا عن مسافر
بلا عنوان، ترى هل يلقاه !
الأحزان مخادعة، لا تأتينا منفردة، وانما يستدعي
بعضها بعضا، فتتكالب عليناوتعتصرنا،
وتدهشنا الحياة فى منطقها الغرائبي حين تمسح فى لحظة من الأحزان مايعجز المحيط عن غسلها .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى