كرم الصباغ

يقبلون من بعيدٍ، أسمع صخب أصواتهم، وأصداء ضحكاتهم تتردَّد في الفضاء؛ فيرتجف قلبي فرحًا. يقتربون من داري رويدًا رويدًا، يجدونني بالخارج، أجلس بجوار الباب، كما جرتِ العادة. يمرُّون بمحاذاتي، يلقون علي تحيَّة الصَّباح؛ أشحذُ بصري الكليل، أتصفَّح وجوههم السَّمراء. الشَّمس فوق رءوسهم قرصٌ ملتهبٌ،...
مازال منذ غروب الشَّمس يلازم الأريكة المنصوبة في فناء الدَّار، يقبض على خرطوم نارجيلته، ويلتقط من الراكية قطع من الجمر المتوهّج، يضعها على حجر المعسل، ويسحب أنفاسًا عميقةً، ويزفر بقوةٍ، ويخلّف سحبًا من الدُّخان الثَّقيل، تغطّي وجهه، الذي كسته التَّجاعيد وعلامات التَّوتر والقلق. من وقتٍ إلى...
اقتحمتْ الغرفة المعتمة بجموحٍ. كان الهواء راكدًا، وكان زوجها كعادته يلوذ بنومه الثَّقيل. سارعتْ إلى فتح الشُّبَّاكِ؛ فتدفَّق تيارٌ من الهواء الطلق داخلَ الغرفة، بينما غمرتْ أشعةُ الشَّمس الأرجاء الرَّطبة، والفراش البارد، وَسُرعانَ ما لفح حرُّ الشَّمس وجهَ الزَّوج؛ فتململ في فراشه، وهبَّ من نومه...
بلهفةٍ واشتياقٍ تتطلَّع من شباك غرفتها المطلُّ على الباحة الرَّمليَّة الواسعة إلى الأطفال الذين يركضون خلف الكرة بخفَّة الفراشات ورشاقة الغزلان، تبتسم كلَّما أطلق أحدهم ضحكةً عاليةً، تردَّد صداها في الفضاء، وتقطب جبينها كلما تعثَّر أحدهم، وسقط على الرمل متوجّعًا.. يسرقها الوقت، وعيناها تشربان...
يبدو الطَّقس مثاليًّا لمباشرة عملي؛ فالنَّهار قَدْ تنازل عن صحوته، وتلوَّن بغبشةٍ داكنةٍ؛ والغيوم غاضبةٌ، حجبت الشَّمس، وراحتْ تصبُّ ماءها كسياطٍ مؤلمةٍ فوق شارعٍ صاخبٍ مضطربٍ، يشتهي السُّكون. المارَّة يهرولون بوجوهٍ بلاستيكيَّةٍ صوب مظلَّات المحلات، و مداخل البنايات، و المياه...
مازال منذ غروب الشَّمس يلازم الأريكة المنصوبة في فناء الدَّار، يقبض على خرطوم نارجيلته، ويلتقط من الراكية قطع من الجمر المتوهّج، يضعها على حجر المعسل، ويسحب أنفاسًا عميقةً، ويزفر بقوةٍ، ويخلّف سحبًا من الدُّخان الثَّقيل، تغطّي وجهه، الذي كسته التَّجاعيد وعلامات التَّوتر والقلق. من وقتٍ إلى...
يقرع سمعه أصوات تصفيق و زغاريد ، سرعان ما تتحول إلي صراخ و عويل؛ يتخشب مكانه كتمثال يشتهي الصراخ؛ تفلت من حنجرته حشرجة هزيلة مكتومة، بالكاد تصل إلى أذنيه. تلتهم عيناه الضوء الخافت المنبعث من مصباح الكيروسين؛ يبصر ظلال شخوص و أخيلة تتراءى على حيطان الدار؛ تتحول قدماه إلى مسمارين غائرين، يحاول...
تواجه القناة الضَّيِّقَةُ صفًّا من دور النَّجع، بينما تلامس حافَّتها الأخرى سياجًا شائكًا من أشجار السَّنط، يمتدُّ بطولها، ويخفي ما ورائه من الحقول. حينما تكون القناة خاليةً من الماء، يلهو الصّبيان في مجراها، تنبش أظفارهم قاعها الرَّخْوَ؛ فتتلطَّخ أيديهم بالطِّين والرَّمل، وتصبح الضَّفادع، و...
يقبلون من بعيدٍ، أسمع صخب أصواتهم، وأصداء ضحكاتهم تتردَّد في الفضاء؛ فيرتجف قلبي فرحًا. يقتربون من داري رويدًا رويدًا، يجدونني بالخارج، أجلس بجوار الباب، كما جرتِ العادة. يمرُّون بمحاذاتي، يلقون علي تحيَّة الصَّباح؛ أشحذُ بصري الكليل، أتصفَّح وجوههم السَّمراء. الشَّمس فوق رءوسهم قرصٌ ملتهبٌ،...
ها أنا أجلس إلى مكتبي، أمامي أوراقٌ شاغرةٌ، أُقَلِّبُ بصري في دوائر الدُّخان المتصاعدة من سجائرَ، أشعلها الواحدة، تلو الأخرى، أطردُ أنفاسها؛ فَتَخْرُج، وَ قَدْ اختلطت بأنفاسي الحارقة. أتذكَّرُ مقولة أحدهم: ندخن؛ لنخفَّفَ من همومنا. أتحسَّس حجرًا ثقيلًا يجثم على صدري؛ فأرمق الأعقاب الَّتي...
يبدو الطَّقس مثاليًّا لمباشرة عملي؛ فالنَّهار قَدْ تنازل عن صحوته، وتلوَّن بغبشةٍ داكنةٍ؛ والغيوم غاضبةٌ، حجبت الشَّمس، وراحتْ تصبُّ ماءها كسياطٍ مؤلمةٍ فوق شارعٍ صاخبٍ مضطربٍ، يشتهي السُّكون. المارَّة يهرولون بوجوهٍ بلاستيكيَّةٍ صوب مظلَّات المحلات، و مداخل البنايات، و المياه...
عادةً ما يستظلون بظلال أشجار (الجازورين) عصرَ كلَّ يومٍ؛ فيفترشون الرمل، ويشكّلون بأجسادهم حلقةً كبيرةً، داخلها يجلس لاعبان وجهًا لوجهٍ، يفصل بينهما رقعة (سيجا) ذات مربعاتٍ متجاورةٍ، رُصَّتْ داخلها حصواتٌ، يحركها اللاعبان بحذرٍ. وسرعانَ ما تتوالى الحركات المباغتة؛ فيضيق الخناق، وتُسدُّ المنافذُ...
بلا عينين لم يستطع رؤية الأكياس الفارغة، والنّفايات الطَّافية على صفحة الماء. ربما دفعته الرَّوائح الكريهة إلى استشعار أنَّ المنظر شديد الكآبة لدرجةٍ دفعته إلى الاستدارة، وإعطاء النَّهر ظهره، لكنَّه سرعان ما تذكر ما خرج من أجله؛ فعاد إلى استقبال صفحة الماء بصدره من جديدٍ. خمسمائة خطوةٍ لركبتين...
تقصد العرائس دارها الكائنة في طرف النجع الشماليّ قبيل الزفاف، و بالتّحديد صبيحة ليالي الحناء، يدخلن منطفئاتٍ ذابلاتٍ، فتجهزهن بالأحجار، والعجائن، ثُمَّ تعمد إلى حنائها، تخلطها بالزّيوت. نقش الحناء صنعتها، تستقبل بوجهها النّسوة والفتيات والبنات، تجثو أمامهن، وتنكبُّ على أيديهن، وأقدامهن...
يحشر كل ليلة في شقة ضيقة كعلبة السردين، يحاصره الحر الغليظ؛ فيسارع إلى فتح النافذة التي حرص-غالبا- على أن تبقى مغلقة؛ مخافة تسلل الفئران، التي تدخل في تبجح، و لا تبالي على الإطلاق بما تتركه في قلبه و بدنه من التقزز و القشعريرة؛ فتجوس للحظات خلال شقة شبه عارية كادت تخلو من الأثاث، و تسارع إلى...

هذا الملف

نصوص
74
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى