رحلوا، وتركوني أرجم نفسي وأرممها وحيداً في هذا المنزل ألمتهالك. هم لا يعرفون شيئا، وأنا هل أعرف أكثر مما يعرفون؟ أم أُشرّد نفسي بين ظلالي حلماً يتداعى أو زنبقة تتفتت؟ أمام المرآة أرى نفسي واضحاً لا تسبقني الخناجر ولا تمزقني الشظايا، لا تحميني الدروع ولا تضمدني السنابل. أمام المرآة أنا واضح مثل...
لقد مررت بيوم عصيب، وليلة مروّعة، أدعية امّي التي تجعلني أشعر بالراحة والاطمئنان دائماً لم تعد تنفعني. أنا لا أنتظر أحد. ولكن كلّما ارتفع هبوب الريح وانغلقت الأبواب والنوافذ بقوة أثار في مخيلتي خوفاً عميقاً، لا أستطيع التخلّص منه مهما حييت، يأخذني الخيال الى أماكن مجهولة لكنّها جميلة جداً، خضراء...
لم يدرِ كم مضى عليه من الوقت مطأطئ الرأس، محاولاً حل لغز المسدس الذي كان يمسكه بيده اليمنى، ويحرك بكرته بيده اليسرى، مما جعل مزاجه سيئاً لدرجة انّه كره نفسه. لكنّه رغم ذلك لم يستطع الفرار من تأنيب الضمير الذي لم يتركه يشعر ولو لحظة واحدة بالهدوء. وكلّما اقنع نفسه أنْ ينسى ما حصل ويستغرق في نوم...
أيقظني صوت امّي فنهضتمترنحا، لا أزال تحت تأثير كابوس ليلة البارحة نظرت في المرآة وأنا أغسل وجهي كان شاحباًجدّاً. يا ألهى متى أتخلّص من تأثير قصص جدتي، كانت لا تتعب من حكاياتها الطويلة التي لم أستطع الصّمود ليلة واحدة دون أن انام قبل ان أعرف النهاية. يهزمني النوم دائما، كنت أعرف البداية وربما...
تذكر وهو في الحافلة ذاهبٌ إلى عمله انّه لم يَعدّ أصابع قدميه عندما استيقظ من نومه، مثلما اعتاد أن يفعل صباح كل يوم. اضطرب، أحسّ بخوفٍ شديد، والتفت يميناً وشمالاً، ينظر للركاب بتوتر متخيلاً انّهم يراقبون كل حركةٍ يقوم بها ويعرفون كل كلمةٍ يفكّر بها. ومما زاد من خوفه وتوجسه انّه قد نسي اليوم أنْ...
بعد كل تلك السنين الطويلة من الحنين الى أبي، رأيته أخيراً، جالساً على حافّة النهر، ينصت الى جريان الماء ويراقب اهتزاز الحشائش. لم أره من قبل بهذا الصفاء الذهني والتوحد مع انسياب الماء، حتى انّه لم ينتبه لوجودي أو ربما أنا تصورت ذلك. جلست بجانبه يغمرني نفس الفرح الطفولي عندما كان يعود مرة كل شهر...
وقف على جانب الشارع الرئيسي. لقد حجز لدى طبيب الأطفال لابنته التي دخلت عامها الرّابع . طلب إجازة زمنيّة من عمله ووقف الآن في انتظار وصولهما معا, هي وأمّها على رصيف الشّارع العام المحاذي لعيادة الطبيب. السّاعة تقترب من الثالثة والنصف عصراً. السّماء ملبدة بالغيوم , والبرد القارص يتغلغل في العظام...
ارتفعت أصوات الباعة في ساحة السّوق المكتظة بالناس في هذا الصباح الشتائي البارد. تقدم بخطوات حذرة لكنّها ثقيلة جداً، وبين فترة وأخرى يقف متردداً، خائفاً، يتلفت هنا وهناك، يراقب بتوجس حركات الباعة والناس الذين أتوا للتسوق في وقت مبكر جداً، ثم هؤلاء العمال الجالسين على جانب ساحة السوق منتظرين أيّة...