احتاجت الروائية المبدعة والكاتبة المتمرسة هالة البدري ثلاثين عاما كي تخمر تجربتها, وتجربة ملايين المصريين, في العراق في سبعينيات القرن الماضي في عمل فني بديع, يسد دين تلك الفترة الحرجة في ضمير الأدب العربي.
ويسجل ملحمة هذا الاحتضان القاسي للإنسان وأحلامه في رواية ضخمة بعنوان مطر علي...
بينما كان ابن سهل في موشحته مشغولاً بالحسن والجمال، مفتوناً بمفارقات الحب والطبيعة، نرى لسان الدين بن الخطيب وهو يقفو أثره فى منفاه بالمغرب، معنيا ًبالزمن وأفعاله، يستحضر في مخيلته وجه الأندلس الرطيب، عندما تهطل عليه الأمطار فتبتسم الأزهار:
وروى النعمان عن ماء السما
كيف يروى مالك عن أنس
فكساه...
بينما كان ابن سهل يكتفي في موشحته الوجيزة البليغة باللفتات البارقة عن الطبيعة، فيصور ما ينهمرعلى الربى من القطر الذي يشبه دمع المآتم، فتزدهي بالزهور التي تقيم أعراس الطبيعة، نجد لسان الدين بن الخطيب المعبر الأوفى عن روح الأندلس وحفاوتها العظمى بالطبيعة يطيل المكوث في حضنها، فيمثل حركة الليل...
تمثل موشحة لسان الدين بن الخطيب (713 ـ 776 هـ) إحدى ذرى التوشيح الأندلسي قبل أن تغرب شمسه وينتقل إلى المشرق العربي. وكان ابن الخطيب انموذجا فذا للكاتب الشاعر الذي يملأ مكانته باعتباره رجل دولة يتولى وزارتين هما السيف والقلم في عهد بني الأحمر في غرناطة، حتى نفي مع السلطان إلى المغرب إثر الاضرابات...
يقول الأفراني، شارح موشحة ابن سهل: “وقد وقفت على أزيد من اثنتي عشرة موشحة مما عورض به توشيح ابن سهل” لكنه لا يذكر منها سوى إشارة خفيفة لموشحة بن الخطيب (713 ـ 776 هـ) التي تفوقت على موشحة ابن سهل وأصبحت درة التوشيح الأندلسي خاصة في المغرب، ومطلعها:
جادك الغيث إذا الغيث همى
يا زمان الوصل...
نأتي إلى ختام هذه الموشحة التي طالت صحبتنا لها بفضل هذا الكتاب الثمين للإفراني الذي توفر على شرحها بيتا بيتا، واستحضر بذاكرة غنية ما خطر له من أشعار واخبار تتوافق معها وهو بعنوان “المسلك السهل في شرح موشحة ابن سهل”، حيث يذكر الأبيات الأخيرة منها:
أتقى منه على حكم الغرام
أسدا وردا وأهواه رشا...
بقيت أبيات قليلة من موشحة ابن سهل، باعتبارها نموذجاً لتوليد السلالات الشعرية، وأفدنا إلى درجة كبيرة من كتاب كلاسيكي رصين وضع خصيصاً لشرح هذه الموشحة هو “المسلك السهل” للعالم المغربي الإفراني، حيث يستدعي كل بيت إلى ذاكرته عوداً وفيراً من النصوص المشرقية والمغربية الكاشفة. يقول ابن سهل بعد ذلك...
بقيت أبيات قليلة من موشحة ابن سهل التي اتخذناها نموذجا للموشحات الأندلسية، وأتاح لنا كتاب الإفراني “المسلك السهل” في شرحها فرصة تأمل دقائقها، وكلما قاربنا نهايتها كان إيقاع القراءة وئيدا، ويقول فيها ابن سهل:
ليت شعري أي شيء حرما
ذلك الورد على المفترس
إتماما للفكرة التي وردت في الأبيات السابقة،...
يتابع ابن سهل الإشبيلي أبيات موشحته الفريدة، تأمله عن كثب وهو يرد على من سأله عن سبب جفاء المحبوب وهجرانه له قائلاً:
أيها السائل عن جرمي لديه
لي جزاء الذنب وهو المذنب
فأطلق الذنب على تجني الظبي وهجرانه، وهذا من قبيل المفارقة، ويقول شارح الموشحة، إن الذي وقعت به الفتوى عند أهل الفن في مثل هذا...
نصل إلى بيت القصيد في موشحة ابن سهل التي تريثنا عندها طويلا باعتبارها نموذجا فذا لشعرية الموشحات؛ لما تتميز به من التركيز الدلالي والكثافة التعبيرية والجمال التصويري، فنتأمل بيتين منها فقط يوجزان أسلوبها القوي، مع استخدام تقنية كانت شائعة لدى كثير من الشعراء، لكنها لم تظفر بالتسمية النقدية...
كلما انتقلنا من مقطع لآخر، في هذه الموشحة الذروة، أدركنا بعض أسرار الشعرية المجسدة فيها، وولع الشعراء والشراح بها، فالإنسان شرعته التناقض، وحلمه الدائم أن يظفر بالاتساق. وتتولد المفارقات عندما يحاول الجمع بين الطرفين في إطار جمالي محكم، تصوغه لغة مقتدرة وجسورة، يمضي ابن سهل مقاربا محبوبه بصيغ...
نتابع قراءة موشحة ابن سهل التي تتميز برقتها وعذوبتها، وقوة تركيبها وإتقان تصويرها. ومن اللافت أن القدماء انتبهوا إلى هذه الخواص المميزة في شعر ابن سهل، فالأفراني يقول: ” سئل بعض المغاربة عن السبب في رقة نظم ابن سهل فقال: لأنه اجتمع فيه ذلان؛ ذل العشق وذل اليهودية” على أنه لم يلبث أن اعتنق...
كانت الموشحات تزهو بإعلان ارتكازها على قطع غنائية شعرية تجعلها عمود بنائها وتضعها في النهاية باعتبارها “الخرجة” المعلمة. بينما كانت قصائد الفصحى تجتهد في إخفاء محاورتها للنصوص السابقة عليها فيما عدا المعارضات الصريحة خوفا من الاتهام بالسرقة. وسرعان ما أخذت الموشحات تتوالد فيما بينها وتشكل ما...
موشح آخر لابن القزاز، صادم في مطلعه، لكنه رقيق شديد الولع بالمحبوب الذي يتغزل به، ومصدر الصدمة أنه يصفه في البداية بأنه “علق” وهي تعني في العربية “النفيس الذي يتعلق به القلب” لكنها أصبحت تعني في اللهجات العامية “المخنث” وعلينا أن نردها إلى أصلها ونحن نقرأ:
“بأبي علق/ بالنفس عليق
هويت هلالا/ في...
تهيمن الوظيفة الشعرية على اللغة عندما تصبح اللغة غاية في ذاتها، وليست مجرد وسيلة للتعبير والتواصل. وإذا كان مناط الجمال في الشعر يتعلق ببساطة بالإيقاع الموسيقي من ناحية والتخييل التصويري والحرارة الوجدانية من ناحية ثانية، مما يخلق رؤية طازجة للوجودان فإن طغيان العنصر الإيقاعي على منظومة الموشحات...
ثم يمضى ابن القزاز في موشحه فيقول في المقطع الشهير:
“بدر تـم/ شمس ضحـى/ غصن نقـا/ مسك شم
ما أتــم / ما أوضحـ،ـا/ ما أورقــا/ ما أنم
لا جــرم / من لمحــ،ـا/ قد عشقــا/ قد حرم
فالوصــال/ ما قد خـــلا/ من أمل فائت
والخيـــال/ ما قد عـــلا/ من نفس خافت”
ولا بد أن ننتبه إلى أن تنفيذ هذا الموشح...
أستأذن القارئ الكريم في استعارة هذا العنوان من كتاب ابن سعيد الأندلسي الذي أدرك بفطنته العالية وحساسيته الموسيقية والشعرية أن بعض الموشحات ليست سوى توقيعات نغمية خصصت للرقص، فلا يستطيع منشد أن يتمالك نفسه من الاهتزاز الحسّي والهزة النفسية عندما يتغنى بها. ولعل من أبرزها موشحة ابن القزاز (500هـ ـ...
قبل أن نورد المقطع الأخير من موشحة ابن غرلة التي يجاهر فيها بصيده الغزالة من مراتع الأسود؛ وهي إشارة واضحة لعشقه للأميرة رميلة أخت الخليفة الموحدي عبد المؤمن بن علي، يجدر بنا أن نتذكر قطعة فريدة وشهيرة من معلقة امرئ القيس يقول فيها:
“وبيضة خدر لا يرام خباؤها
تمتعت من لهو بها غير معجلِ
تجاوزت...
هناك بعض الموشحات المثيرة، ذات الطابع الفني والموضوعي اللافت، مما يجعلها تستحق الذكر والتأمل، خاصة إذا كانت ترتكز على أبرز تقنية شعرية انتبه لها النقد المعاصر، وهي التناصّ أو تداخل النصوص، فالوشاح الأندلسي والمغاربي كان متجذرا في تراثه العربي ومستوعبا لعناصر ثقافته المائزة، فهو يقرأ الشعر...
يمضي الشاعر الأندلسي عيسى ابن لبون في موشحته التي يشرح فيها طقوس دين الحب فيقول:
أفنيت صبرا/ ولم أزل ذا اصطبار
عبدا حرا/ مستعبد الأحرار
باللحظ قسرا/ لم يقل باعتذار
فمن رآني/ على انحطاط لشاني
ففي انذعاني/ إليه أقوى برهان
ولكي ندرك ما في هذا الشعر من تحريك تقدمي لمنظومة القيم التي كانت سائدة في...
نعود قليلا إلى بعض نماذج الموشحات الجميلة في عصر ملوك الطوائف بالأندلس، وقد استغرق القرن الخامس الهجري الموافق للحادي عشر الميلادي، لنجد من أبرز شعرائه أبوعيسى ابن لبون الذي كان قاضيا ووزيرا في مدينة بلنسية حتى سقطت في يد المغامر الإسباني السيد القمبيطور، فذهب ابن ليون عام 478 هـ إلى مدينة مربيط...
تستمر الموشحة التي أملاها الأعمى التطيلي وجعلها مذيلة بجملة قصيرة تصلح لترجيع الجوقة المغنية عقب كل مقطع فتقول:
“أهلا وإن عرّض بي للمنون
بمائس الأعطاف ساجي الجفون
يا قسوة يحسبها الصب لين
علمتني كيف أسيء الظنون
مذبان عن تلك الليالي القصار
كأنما بين جنوني عرار نومي غرار”
يرحب الشاعر بمحبوبه وإن...
للأعمى التطيلي موشح آخر يجرب فيه لونا من الترجيع، بكلمات تصلح للجوقة كي ترددها، بما أطلق عليه العروضيون مصطلح “التذييل” وفيه يتجلى الحس الموسيقي الذي يعتمد عليه المؤلفون والملحنون في اختيار المفارقات اللافتة والإيقاعات المنظومة، فالتقابل الدلالي بين الأطراف يضفي على النغم الصوتي الخارجي انسجاما...
كان الأعمى التطيلي يمزج في موشحاته بين مدح النساء بالغزل ومدح الأمراء برقة تفوق الغزل نعومة وظرفا، وكان يتغنى بجمال الممدوحات والممدوحين ويشغف بهم حبا، وكثير من قصائده تتوزع على هذين الطرفين بالتساوى، لكنها تختتم غالبا بالحديث عن فتاة عاشقة قامت تغني كاشفة عن وجدها وصبابتها، فالحب الأندلسي في...
كان ولع هذا الوشاح الأندلسي العجيب، الأعمى التطيلي، بمفهوم الجمال وقدرته على التغني به سابقا لزمانه، فهو يكرر ذلك كما رأينا بأشكال مختلفة، فيجعله مرة عبادة، ومرة فريضة، ومرة همه الوجودي الوحيد، فيقول فى إحدى موشحاته:
“أنا والجمال/ وهم وما اختاروا”
مكتفيا بذلك مطلعا للموشحة، ولا بد أنه كان...
أحسب أن الشعر الأندلسي، والموشحات خصوصا، هي التي أبرزت قيمة الجمال باعتباره معنى كليا يتجسد في مظاهر عديدة، في البشر؛ خاصة النساء، وفي الطبيعة، بحيث يمكننا أن نقول إنه قد تفوق في ذلك على الشعر المشرقي، فهذا هو الأعمى التطيلي يقول في موشحته:
“حلو المجاني/ ما ضرّ لو أجناني
كما عناني/ شغلني به...
من ألطف ما تتميز به الموشحات، وهو من خواص شعريتها، هذا اللون من الظرف وحسن الدعابة الطريفة. وقد اجتهد بعض منظري الشعر في التدليل على أن طبقاته الحميمة تتضمن شيئا من روح الفكاهة التي تثير الابتسام؛ فمفارقات اللغة واللعب بالكلمات وابتكار المجازات يمتع القارئ وينعش وجدانه حتى تنفرج أساريره. ولنتابع...
يتجلى ولع الوشاحين الأندلسيين بالمزج اللغوي في خرجات قصائدهم بين العربية والقشتالية، أي الإسبانية القديمة، فالأعمى التطيلي يكمل الموشحة التي ذكرنا فقراتها الأولى قائلا:
“يا من قتل الريم بتقتيره
ومن فتن الحوار بتصويره
ومن زاغت الأبصار من نوره
هواك هو التشويق ما عشت
لا بحتُ به دهري، لا بحتُ”...
من خواص الموشحات الأساسية بناؤها على أغنيات شعبية ملحونة وملحنة، وتناسلها الداخل في سلالات شعرية متوارثة خلفا على سلف، إما في المطالع الشهيرة كله أو في بعض صيغها الأثيرة فحسب. والموشح الذي نتوقف عنده اليوم للأعمى التطيلي أيضاً، وإن كانت خرجته أعجمية من تلك الخرجات التي فك شفرتها المستعرب...
أما بقية هذا الموشح الذي بهر الشعراء وأعجزهم عن منافسته، فمزقوا موشحاتهم كما قطعت النسوة أيديهن افتنانا بجمال يوسف، فيقول فيه الأعمى التطيلي، ويبدو أن لمحنة العمى أثر كبير في توهج قدراته وارتفاع مستوى حساسيته للنغم والإيقاع والصور الحسّية:
“بي هوى مُضمرُ/ ليت جُهدي وَفْقُهُ
كلما يظهر/ ففؤادي...
عندما نبلغ عصر المرابطين بالأندلس نهاية القرن الخامس الهجري ندرك ذروة ازدهار فن التوشيح، وبروز كبار أعلامه الذين يجمعون بينه وبين القصيد المنتظم وفي مقدمتهم الأعمى التطيلي (485 ـ 525 هـ) الذي توفي قبل تجاوز الأربعين، ومع ذلك خلف ديونا هاما يتضمن عددا كبيرا من الموشحات المتميزة، ويكفي برهانا على...
ثم يمضي الوشاح الأندلسي ابن عبادة الملقي في نقلة دلالية مدهشة فيقول في المقطع الرابع:
“إن أنس يا صاحبي/ لا أنس يوم قلت له
أخضع كالطالب/ أعياه حلّ المسألة
فردّ كالغاضب/ بمنطق.. ما أجمله
يرنو إلى جانبي/ بناظر.. ما أقتله
كما رنت أم مريم/ حوراء تزجي/ للمغيب/ في مرتِ
غُزيِّلاً داهشا/ أحوى ربيب/...
ثم يمضي الوشاح الأندلسي ابن عبادة الملقي في نقلة دلالية مدهشة فيقول في المقطع الرابع:
“إن أنس يا صاحبي/ لا أنس يوم قلت له
أخضع كالطالب/ أعياه حلّ المسألة
فردّ كالغاضب/ بمنطق.. ما أجمله
يرنو إلى جانبي/ بناظر.. ما أقتله
كما رنت أم مريم/ حوراء تزجي/ للمغيب/ في مرتِ
غُزيِّلاً داهشا/ أحوى ربيب/...
كان أول موشح اجتهد العالم الإسباني الكبير إميليو جارثيا جوميث (1905 ـ 1995) في فك شفراته، وقراءة خرجته الرومية هو لابن عبادة الملقي الذي ينتمي إلى القرن الخامس الهجري الموافق للحادي عشر الميلادي، ومطلعه طريف وملغز مثل خرجته إذ يقول:
“من مورد التسنيم/ من سلك فلج/ ذي غروب/ في قَلْتْ
إن ذاقه عاطش/...
هل كان الشعراء الأندلسيون المولعون بالجمال، الشغوفون بالعواطف الإنسانية الرقيقة غارقين في الترف الذي عجل بتفتت الدولة الأندلسية، في عصر ملوك الطوائف، كما يقول بعض المؤرخين؟ أم أن ازدهار الفن ورقي الحياة المتحضرة يعدان من مظاهر عصر القوة السابق خلال فترة الخلافة والفتوح العفية، تأخرا في الظهور...
ظلت هناك مشكلة مستعصية في الموشحات الأندلسية الأصيلة، وهي أنها مبنية على مقطع غنائي، مكتوب غالبا باللغة الرومانثية، أي القشتالية القديمة التي تعد أصل الإسبانية المعاصرة، ويطلق عليها عادة الرومية، وهي الخرجة أي القفل الأخير من الموشحة. وكان من المعتاد في المصادر العربية أن تكتب طبعا بالحروف...
أما شاعر الموشحات الثاني طبقا لترتيب الديوان الجامع الذي وضعه الدكتور سيد غازي فهو الكميت البطليوسي، وهو من شعراء عماد الدولة بن هود بسرقسطة 524 هـ، وتتميز بالطرافة والأناقة والابتكار الموسيقي اللافت. وقد جهد الباحثون ـ خاصة جامع الديوان ـ في توفيق أوضاعه الإيقاعية مع أوزان العروض العربي...
أما الموشحة الأخيرة التي نتوقف عندها لابن رافع رأسه، ورافع راية التوشيح في عصر ملوك الطوائف، فهي مدحية أيضا، يثني فيها على الأمير يحيى بن ذي النون الملقب بالمأمون (توفي سنة 467 هجرية) حاكم طليطلة، لكنه يمزج المديح بعناصر أخرى تتجاوب فيها أصداء الموسيقى بأنغام الطبيعة وألوانها، وما تبعثه في...
تزخر الموشحات بألوان العواطف الإنسانية النبيلة، وتعكس فى جملتها لونا من التسامح الأخلاقي الذي يتميز به الأندلس عن بقية البقاع، وهو يعود في أصله إلى التعددية الإثنية والدينية والتعايش السلمي بين الأعراق والثقافات المختلفة. فإلى جانب الصبغة العربية الإسلامية الغالبة على الدولة كانت هناك اللغات...
احتفظت ذاكرة الأدب الأندلسي بعشر موشحات كاملة لابن رافع رأسه الذي ينتمي إلى عصر ملوك الطوائف في القرن الخامس الهجري. ونلاحظ عليها مزج الغزل بالمديح أحيانا، واستخدام اللغة الرومانثية في القفل، وتنويع الألحان بكسر التوازي الصارم للأشطار، مع تحلية الإيقاع بالترصيع الرائق غير المتكلف مما يضفي على...
اعتمدت الموشحة على الغناء وكانت الأندلس مجالا لامتزاج الألحان الأصلية بالعربية الوافدة، فهذا هو التيفاشي، المتوفي عام 651 هـ، وهو عالم تونسي تخصص في الأحجار الكريمة يقول: “إن أهل الأندلس في القديم كان غناؤهم إما بطريقة النصارى وإما بطريقة حداء العرب”. فإذا عدنا إلى موشحة ابن رافع رأسه وجدناه...
تتميز الموشحة عن القصيدة العربية بأن الأصل فيها هو الغناء والتلحين الموسيقي، فكلماتها كانت توضع طبقاً لأنغام سارية على الألسن، والمقطع الأخير فيها يحسن أن يكون أشطاراً مغناة بالفعل بالعامية الأندلسية أو بالأعجمية الرومانثية، وهى الإسبانية القديمة. وهذه الخرجة ـ كما تسمى ـ يقول عنها ابن سناء...
إلى جانب التنضيد الموسيقي الذي جعل علماء العربية يعتبرون الموشحات خارجة على الأعراف الأدبية، هناك تنويع لغوي باعد بينها وبين هذه التقاليد الصارمة، ويتمثل في أمرين:
أحدهما بناء الموشحة في الأغلب على خرجة أعجمية أو عامية، مأخوذة من الأغاني الشعبية المتداولة، واعتبارها مركزاً تنتهي إليه المقاطع...
بعث إليَّ القارئ الكريم الأستاذ مدحت الفيومى برسالة طيبة يعقب فيها على موضوع بنية الموشحات، كما وردت في هذه القراءات، ويرى أنها تختلف عما درسه من قبل على يد العالم الجليل الدكتور محمود علي مكي في بعض الاصطلاحات. ومع تقديرى البالغ لما تفضل بذكره الأخ الكريم فإنني آثرت اختزال بعض الكلمات التقنية...
صلاح فضل
كيف نقرأ رسالة الغفران ؟
كتبت بنت الشاطئ إهداءها الشخصي للطبعة المحققة من "رسالة الغفران" في بضع كلمات وجيزة "إلى الذي علمني كيف أقرأ". ومع انها كانت تقصد في ما يبدو القراءة العلمية الصحيحة لسطور المخطوطات، وفك ألغازها الكامنة في الإشارات والاسماء والنصوص والعبارات، والمقابلة الدقيقة...
آثرنا أن نبدأ بقراءة نماذج من الموشحات قبل أن نتعرف على الوشّاحين أنفسهم أو نتدبر معالم فن التوشيح، حتى يكون النص الشعري هو مناط التذوق الجمالي أولًا، ولئن كانت أخبار هؤلاء الوشاحين قليلة نادرة فإن عبارة بن ماء السماء الذي أوردنا قطعتين له يتميز عنهم بالسبق، وقد حفظ ابن بسام في ذخيرته عددا من...
قبل أن نستكمل قراءة موشحة عبادة بن ماء السماء الأندلسي، المتوفى عام 422هـ، أود أن أشير إلى أمر مهم في علاقتنا بالتراث الأدبي والفكري القديم، فنحن نعيد بعثه لنستمتع بما فيه من قيم جمالية وفنية، ولنتأمل ثنايا أبعاده الإنسانية والحضارية؛ حيث يرسم لنا صورة الماضي بمختلف جوانبها وظلالها، ومن ثم فإن...
موشحة أخرى وردت فى الديوان لعبادة بن ماء السماء، سابقة على ما ذكرنا فى الترتيب، وفائقة فى الطرافة، لأنها مخمّسة، أي تتألف من مطلع وخمس فقرات، مثل غيرها، لكن البيت الواحد منها يتضمن أيضاً خمسة أشطار، واللافت فيها هو توزيع التفاعيل بشكل لعوب، فقد جاءت على البحر السريع، وانفصلت التفعيلة الأولى...
النموذج الأول الذى أقدمه لهذه الموشحات الأندلسية البديعة هو الثاني في مجموعة الدكتور سيد غازي، وهو من تأليف الوشّاح الأول الذي احتفظت ذاكرة التاريخ باسمه أبو بكر عبادة بن ماء السماء (422هـ) الذي ينتمي إلى عصر قرطبة المرواني، وهو موشح مكتمل البنية في تنظيم مقاطعه، وإن لم يتضمن الخرجة، لكنه مخمس...
تحت هذا العنوان الودود، بعث لي بعض القراء، رسائل لماحة، يطلبون فيها مني العود لمطارحة عيون الشعر، بتوجيه القراءة الحرة لفلذات غالية من كنوز التراث. فصادف هذا الطلب هوى في نفسي، لأن هناك منطقة أثيرة لدي، لم أقاربها في التجربة السابقة، على طول ماعايشتها خلال مقامي في اسبانيا، وهي منطقة الشعر...