المحاورة رقم 7

* أحمد بوزفور

أخي العزيز الأستاذ عبد القادر وساط..
متعك الله بالصحة وفرّج عنك. وبعد،
فقد كنت آمل أن يسجن ابن علي معك بشر بن أبي خازم الأسدي. ذلك الشاعر الفحل الفارس الجاهلي القديم، فإن في شعره مجالا خصبا للحديث والمسامرة، وقد كنا أحرياء أن نظفر منه على يديك بحلول لإشكالات شعرية تعبنا في حلها حتى أكدينا، وما ظفرنا بعد الجهد إلا بتخمينات.وحرصا مني على أن تغتنم الفرصة إذا سنحت، وهي قد تسنح فجأة، فابن علي ذو بدوات، وقد يبدو له غدا فيأمر بسجن بشر، فإذا حدث فإني أحب أن تسأله عن بيت واحد من رائيته المفضلية الوافرية:
( ألا بان الخليط ولم يُزاروا = وقلبك في الظعائن مستعارُ )
وهذا البيت هو قوله:
( وجدنا في كتاب بني تميم = أحق الخيل بالركض المُعارُ )
وأسئلتي حول البيت يمكن إجمالها فيما يلي:
1 ـــ هل يعني قولك ( وجدنا في كتاب بني تميم ) أنك كنت تقرأ وتكتب؟ وهل كان هذا معروفا لدى شعراء الجاهلية: الكبار على الأقل ؟
2 ـــ هل كان للقبائل العربية في الجاهلية كتب؟
3- وهل كان كتاب بني تميم كتابَ أشعار أو سجل مآثر أو كتاب دين مقدسا أو ماذا؟
4 ـــ ما معنى ( المعار ) في قولك ( أو قول بني تميم؟ ): أحق الخيل بالركض المعار؟ هل هو المُسمّن؟ أو المُضمّر أو الذي تركه صاحبه يعير أي ينفلت ويذهب حيث شاء، أو المَرِح النشيط؟ فقد اختلفت فيه الشروح القديمة أو هو من العارية بمعنى الذي تستعيره من صاحبه؟
5 ـــ وقد نقل صاحب اللسان بيتا شاهدا لقولهم ( أعرت الفرس إذا سمنته ) وهو:
( أعيروا خيلكم ثم اركضوها = أحق الخيل بالركض المعار )
فهل هذا البيت مجهول القائل هو الذي وجدتموه في كتاب بني تميم؟
6 ـــ هل قلتَ في البيت ( أحقُّ الخيل بالركض المعارُ ) أو ( أحقَّ الخيل بالركض المعارا )؟، فقد روى القدماء الروايتين معا: الأولى بالرفع ( وهي السائدة ) اعتمادا على الحكاية، وهي الإتيان بالمسموع أو المكتوب كما هو دون تغيير، أي أن المكتوب في كتاب بني تميم هو بالضبط ( أحق الخيل بالركض المعارُ ) مثل قول ذي الرمة في مدح بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري( وذكر ذو الرمة في البيت ناقته التي كان يسميها: صيدح ):
( سمعتُ: الناسُ ينتجعون غيثا = فقلتُ لصيدحَ انتجعي بلالا )
فرفع ( الناس ) حكاية لما سمعه وهو قول المحيطين به: الناسُ ينتجعون غيثا. وهذه على أي حال هي رواية المبرد في الكامل والحريري من بعده في ( درة الغواص )، ومن القدماء من يروي البيت بالنصب هكذا: (سمعتُ الناسَ ينتجعون غيثا)، ويعيب هذه الرواية أن انتجاع الغيث ليس من المسموعات. وهناك رواية النصب في بيتك أيضا بحيث يروى هكذا ( أحقَّ الخيل بالركض المعارا )، اعتمادا على أن ( أحقَّ ) مفعول أول لفعل ( وجدنا ) في الشطر الأول، و(المعارا ) مفعول ثان، ويعيب هذه الرواية أن القصيدة برويّ مرفوع، فمطلعها:
( ألا بان الخليطُ ولم يُزاروا = وقلبك في الظعائن مستعارُ )
ولكن رواة النصب يحتجون بأنك أحد الشعراء الجاهليين المُقوين، والإقواء هو اختلاف حركة الروي مثل قول النابغة: ( وهو أشهر من أقوى )
أفِدَ الترحل غير أن ركابنا = لما تزُل برحالنا وكأنْ قَدِ
زعم البوارحُ أن رحلتنا غدا = وبذاك خبرنا الغرابُ الأسودُ )
فكسر الروي ثم رفعه في بيتين متتابعين. ويقولون إذا كان النابغة أشهر المقوين فإنك أول المقوين، وفي قصيدتك الميمية المفضلية الوافرية:
( أحق ما رأيت أم احتلامُ = أم الأهوالُ إذ صحبي نيامُ )
وهي مرفوعة الروي تقول:
( وكانوا قومنا فبغوا علينا = فسقناهم إلى البلد الشآمي )
فكسرت الروي في قصيدة رويها مرفوع. ومع ذلك فإني أرى هذه الحجة ضعيفة لأن إقواء الشعراء الجاهليين كان بالرفع مع الجر أو بالجر مع الرفع لأن الياء والواو متقاربتان فأما الإقواء بالنصب مع أحدهما فنادر، ولذلك أرجح رواية: ( أحقُّ الخيل بالركض المعارُ ) بالرفع. فما هي الرواية الصحيحة الأصلية؟
7 ـــ ثم قل لي ياشاعرنا العزيز كيف يقرأ أسدي كتاب بني تميم؟، وبينكم وبين تميم ما صنع الحداد. وديوان شعراء بني أسد في الجاهلية حافل بشعر معاركهم مع تميم. وديوان تميم حافل بذلك كذلك. ألا يمكن أن يجرّح الرواة شهادنك، أنت الأسدي، على ما زعمت أنك قرأته في كتاب بني تميم وهم أعداؤك؟، وفي البيت بعدُ إشكالات أخرى ياصديقي، ولكني لا أحب أن أُثقل على بشر، فأما عليك فإني أعرف ولعك بالشعر واستعذابك للخوض في عويصه... فلنؤجل الحديث في ذلك حتى نلتقي بعد إطلاق سراحك إن شاء الله.

=======

* عبد القادر وساط

أخي إسماعيل
يبدو أنني سأضطر للهروب من السجن من جديد
و ذلك كي أقوم بالإجراءات الضرورية لتنظيم ندوة حول هذا الموضوع ، يكون من ضيوفها الكبار سي أحمد بوزفور و سي محمد علي الرباوي

***

صديقي العزيز أحمد بوزفور
أعدك أنني سأطرح هذه الأسئلة على بشر بن أبي خازم إذا هو حُمل إلى سجن الكثيب
إنها أسئلة عميقة لم تخطر ببالي إطلاقا وأنا أحكي عما دار بين هذا الشاعر الجاهلي وابن علي
وفي انتظار قدومه سأحفظ رائية بشْر عن ظهر قلب .
وهذه الرغبة القوية في حفظ الشعر هي خير دليل على معنوياتي المرتفعة، في سجن الكثيب هذا
و قد هرب عني النوم ليلة البارحة فبت أردد قول شاعرنا في رائيته :
فبتُّ مُسَهّداً أرقاً كأني = تمشَّتْ في مفاصليَ العُقارُ
أراقبُ في السماء بناتِ نعْشٍ = و قد دارتْ كما عُطفَ الصّوارُ
فيا للناسِ للرجُل المُعَنّى = بطول الدهر إذْ طال الحصارُ

***

ويا صديقي أحمد بوزفور
رائية بشْر بن أبي خازم كنز لغوي حقيقي
وقد لاحظتُ مثلا قوله: ( تَلَعَ النهارُ) بمعنى ارتفع.
أما وصفه لجمال المرأة فلم أطلع على مثله حين يقول:
ثَقالٌ كلما رامتْ قياماً = و فيها حين تندفعُ انبهارُ
كم تعجبني هذه المرأة الثقال وكم يعجبني شرحُ الأستاذ الكبير عبدالسلام هارون لكلمة ( ثَقال) هذه حين يقول:
الثقال: العظيمة العجيزة، اللفاء الفخذين، الممكورة الساقين، ولا تكون المرأة ثقالاً حتى توصف بهذا كله. ولم تفسر بهذه القيود في المعاجم.
بحثت عن هذه الكلمة ( الثقال) في شعر ابن أبي ربيعة فلم أجدها لحد الآن... وسأقوم بتعميق البحث. إذ لا يُعقل أن ابن أبي ربيعة الذي كان يهجو الرسح يغفل مثل هذه اللفظة ( الجامعة المانعة ) إن جاز هذا التعبير

=============

* إسماعيل أزيات

لعلّ الإجابة المفترضة على التساؤل الثاني الذي وضعه الأستاذ يوزفور أن تكون: بلى، " كان للقبائل العربية في الجاهلية كتب " وبعض حجّتي في ذلك أنّ القرآن الكريم _ وهو المرآة الصافية للإرث " الجاهلي " المكتوب أو الملفوظ تعظيما لبعضه أو تهجينا للبعض الآخر _ تكرّرت فيه لفظة " الكتاب " تنكيرا أو تعريفا أزيد من أربعمائة مرّة، ما يعني شيوع الكلمة و كذلك شيوع جسم الكلمة... لماذا اختفت تلك الكتب؟ وكيف اندثرت؟ ولماذا بقيت الأشعار مصفّاة من كلّ " تعبير ديني جاهلي"؟




1.jpg

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى