الجنس في الثقافة العربية ناصر الجاسم - الجنس في مجتمعنا الشرقي

أتذكر عندما كنت صغيرًا في سن يسمح ويجيز لي الاطلاع على عورات النساء والدخول إلى مخادعهن وغرفهن السرية الخاصة كانت في البلدة عجوز مزاحة ضحاكة في أرذل العمر، وكان مجلسها عامرًا بالرواد من القواعد من النساء والشابات يلتففن حولها في ساعات الضحى وفِي العشية، وكنت أمرّ بركنها أحيانا ويصادف أن يكون مزاجها حسنًا فتقول: لو أن لي قضيبا لضاجعت به الرجال جميعهم، ومن ثم تشخر وتنخر وتصفق وربما رقصت في مكانها وهي جالسة، وكانت في منتهى العفاف وصوامة ولا تؤخر فريضة عن وقتها، وكانت النسوة يستعذبن مزاحها هذا ويطربن له ويشاركنها المرح والابتسام والضحك ولا يعبن ذلك عليها.
وأتذكر أيضا عندما كنت أعود من بلغوا من العمر عتيًا وأصيبوا بخرف الشيخوخة وهم على أسرّة المرض أنهم كانوا يتفوهون ببذاءات جنسية، ويرفعون أصواتهم بجمل غارقة في الحسية ويدلون برغبات سريرية مستغربة، ولَم يكن هذا السلوك يبدر منهم في شبابهم فقد كان العقال مربوطًا حول ألسنتهم بشدة فكيف ارتخى بهذه الدرجة العالية من الرخاوة؟وكانوا في سيرهم الذاتية طهرانين جدًا بالكاد يأتي منهم الزلل أو فاحش القول والفعل، ويستوي في ذلك حتى النسوةاللاتي تأتي أخبارهن إلى الرجال إذا ما سألوا أقاربهن وأرحامهن وأصهارهن عن حالهن في العجز والمرض ومع الخرف.
وأتذكر أيضا عندما أختلفُ إلى مجالس الخاصة من القضاة والمعلمين والفقهاء والخطباء والأئمة وأهل الحل والعقد أجدهم يتبسطون ويفرطون في قول النكت والطرف الخالعة والماجنة وما تحت السرة عند المرأة ويتلذذون بفعل ذلك كله أيما لذة، وحينما أراهم حول عامة الناس وبين التلاميذ وعند المأمومين أجد حالهم مختلفًا البتة وغير الذي هو عليه عندما يختلون مع بعضهم البعض فيكثر على وجوههم التجهم ويشحّ الابتسام ويكثر التوبيخ ويكبر اللوم للناطق في حضرتهم بما هو حسي وجنسي فأستغرب،ويكبر عجبي ويعظم استغرابي عندما يغضب نَفَر من أولئك أو من عامة الناس أيضا فأسمع حينها السباب الجنسي يطال أم المغضوب عليه خاصة ويرد ذكر محاشمها الغليظة في الموقف المحتدم وينال القبل خاصة أما الأب أي والد المغضوب عليه فبمنأى عادة عن السباب الجنسي ونصيبه اللعنة غالبًا، فعندما أفكر في ذلك كله وأتأمله أعلم جيدًا أن الكتابة الجنسية أو الحسية مقبولة ومرفوضة في الوقت نفسه، وأنه لا توجد معيارية لضبط تأثيرها عند القارئ، فهي محبوبة ومكروهة، وسهلة وصعبة، وحلوة ومرة، وجميلة وقبيحة وحلال وحرام ومَحْمْدة ومَذمّة وتجوز ولا تجوز وعيب ولا عيب.
وهذه التضادات كلها كنت أعيها بوضوح وأعلم باستحالة حسم القول فيها في مجتمعنا السعودي، مجتمعنا صاحب الازدواجية الحادة في التلقي القرائي وفِي القول وفِي الفعل الحياتيين. لذلك كنت أتساءل بيني وبين نفسي: لماذا لا يقبل القارئ أو المتلقي عامة دخول اللفظ الجنسي أو الحسي إلى خانة النص المكتوب أو الحديث عن الجنس في السرد القصصي أو الروائي أو في كافة الأنواع الأدبية؟
وإذا حدث وقمت أو قام شخص غيري سارد أو شاعر وفعل ذلك، فلماذا الذي يعارض ذلك الفعل مني أو من غيري يسرعُ في البحث عن المكتوب الجنسي ويقرأه ويقبل عليه بنهم وربما أنكر قرأته له أو اطلاعه عليه؟
ربما لأننا في العالم العربي تربينا تربية قاسية على ثقافة العيب، وكانت هذه النتيجة التي يفترض أن تبحث في حقل علم النفس، لذلك تأتي الكتابة الجنسية لديّ على أنها جزء من الفعل الإنساني الطبيعي، ومن حتمية التعالق البشري، وبما أنها عندنا في وضع يحتاج إلى أن تكتب فقد كتبتها.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى