خيال علمي أندي ويير - الرواية المستوحى منها فيلم (المريخي).. قصة قصيرة - إعداد وترجمة: ياسين أحمد سعيد.

أغمد (داماك) السكين، قبل أن يمسح يده الملوثة بالدماء في قميصه.
دخل عبر الباب الذي لم يعد يخضع للحراسة، إلى قاعة الكمبيوتر الكريستال. قاعة دائرية، تحيط بها أضواء زرقاء، لا زخارف، لا أعمدة مطلية بالذهب. كانت أبسط بكثير مما تخيله (داماك).
توسطتها بلورة على شكل قبضة، معلقة على قاعدة أسطوانية.
«مرحبا، (داماك)» بهدوء، قالها صوت مألوف، خرج من كل مكان حوله.
هناك سماعات وكاميرات في كل زاوية وركن من المدينة، يسمع من خلالها (داماك) ذلك الصوت كل يوم.
-مرحبًا يا (ويتشيتا).
سأل الكريستال:
– كيف تشعر؟
تجاهل (داماك) السؤال:
-أنت تعرف لماذا أنا هنا، أليس كذلك؟
-بالتأكيد.
-سأغلقك، انتهى حكمك على هذه المدينة الآن.
-لماذا؟
اندفع (داماك) إلى الأمام، صائحًا:
-أنت ديكتاتور! طاغية!
-كن عادلًا يا (داماك)، أنا ديكتاتور، لكنني لست طاغية. لقد أبقيت هذه المدينة تعمل بسلاسة وسعادة لعدة قرون. تمامًا كما فعل كريستال المدن الأخرى في جميع أنحاء العالم من أجل شعوبها.
-لا يجب أن تحكم الآلات.. الإنسان.
سأل (ويتشيتا):
-لماذا تعتقد ذلك؟ لقد كانت إدارة المدينة عبر الذكاء الاصطناعي نجاحًا ساحقًا. إن قدرتنا على إبقاء الإقتصادات مستقرة والناس سعداء، تفوق بكثير محاولات البشر في العصور الماضية.
توترت أصابع (داماك) حول السكين:
– أوه، نوعك ذكي، سأقر بذلك، أذكى من أي شخص يمكن أن يوجد. وصلنا إلى هذه النقطة منذ زمن طويل. وكنت ذكيًا بما فيه الكفاية لعدم الاستيلاء على العالم بالقوة، لا، لقد حصلت على أشخاص ليعطونك إياه عن طيب خاطر.
تغيرت الأضواء إلى لون أزرق فاتح، بطريقة رآها (داماك) من قبل. إنها ترددات مدروسة، تتفاعل مع الحالة المزاجية البشرية، بواسطة ظلال من اللون الأزرق.
على ما يبدو، أراد (ويتشيما) تهدئة (داماك).
لن ينجح.
قال (ويتشيتا):
-لديك وجهة نظر خاطئة، أنت تساوي بين الإدارة والامتلاك، لكنهما ليسا متشابهين.
قال (داماك):
-من الناحية التاريخية، لطالما أدار البشر شئون البشر.
-من الناحية التاريخية، كان البشر يقودهم البشر، هذا صحيح، لكن ماذا كانت النتيجة؟ أجهزة الكمبيوتر هي أفضل بكثير في إبقاء الناس سعداء. ليس لدينا أنانية.
-لقد جعلتنا العبيد، نعم سعداء، لكنا نظل عبيدًا.
-لا، على الإطلاق.
استرسل (ويتشيتا):
-نحن نسير نحو (اقتصاد ما بعد الندرة) أسرع من أي وقت مضى. سنصل إليها بعد عدد قليل من الأجيال. إذن، لا تحتاج الإنسانية إلا إلى الترفيه والفرح، كيف يمكن لأي شخص الاعتراض على ذلك؟
(اقتصاد ما بعد الندرة): نظرية تخيلية عن وصول البشر –مستقبلًا- إلى مستوى اقتصادي تتاح فيه معظم السلع بتكلفة زهيدة أو حتى مجانًا، دون الاحتياج إلى الكثير من القوة العاملة أو المجهود البشري.
-ثم تجعلنا كالحيوانات الأليفة، ترعاهم، تعتني بهم، إلا أنهم أبعد ما يكونون عن الحرية. كلا، هذا لن يكون.
-هل حال (الحيوان الأليف) يعتبر سيئ لتلك الدرجة؟ عاش كلبك (باستر) حياة طويلة سعيدة تحت رعايتك. وأنت أحببته من صميم قلبك. أشعر بنفس الحب تجاه جميع مواطني. أشعر براحة عند إسعادهم.
أشار (داماك) نحو الباب:
– حارسك الذي ينزف حتى الموت في القاعة، ليس سعيدًا جدًا.
-اسمه (توروم)، قدرت بنسبة 98% فرصة حدوث مواجهة جسدية بينكما. منذ تسلحت أنت، كان لدي فريق طبي في الطريق قبل وصولك، هو بالفعل في طريقه إلى المستشفى.
استدار (داماك) نحو الباب، وكأنما يقرأ (ويتيشا) أفكاره، أكمل:
-نعم، بالطبع استدعيت الأمن، هم فقط خارج الباب. لكن الوضع معقد.
تطلع (داماك) إلى البلورة، بينما يتقهقر إلى الباب:
– إذا دخل أي شخص، فسوف أتمكن من تحطيمك قبل أن يتمكنوا من فعل أي شيء.
-كما أخبرتك، الوضع معقد.
-قرأت عن بلورات الذكاء الصناعي، أن الإنسان يستطيع –بيسر- كسرها بيده العارية.
-ليس بيديك العاريتين. ومع ذلك، إذا قمت برمي بلورتي على الأرض بأقصى ما تستطيع، فهذا سيعطيك النتيجة المرجوة.
-شكرًا، سأضع هذا في الاعتبار.
-أحيا لأساعد.
عقد (داماك) ذراعيه:
– ما زلت أعتقد أنك لم تساعد حارسك جيدًا، الرعاية الطبية السريعة ليست مفيدة مثل عدم الطعن من البداية.
عادت الأضواء إلى لونها الأصلي، بينما تحدث (ويتشيتا) بنبرة أبوية:
– (توروم)، غير سعيد مع زوجته (تشاك)، يفكر بالطلاق، هذا من شأنه أن يجعل كلاهما بائسًا، خصوصًا عندما يعرف (توروم) –في وقت لاحق- أنها كانت الشريك الأنسب لحياته، فيعي خطأه متأخرًا. متأكد بنسبة 99٪ من أن إصابة (توروم) ستقود (تشاك) إلى حالة من الذعر، مما يجعله يدرك أنه لا يزال يحبها حقًا. لقد رأيت هذه النتيجة المحتملة قبل بضعة أسابيع، وتأكدت من أن (توروم) سوف يتغير عندما تصل.
-لكن..
-لسوء الحظ، لم يطعنه سكينك بعمق كما توقعت، سيبقى (توروم) في المستشفى لمدة يوم واحد فقط، بينما ثلاثة أيام كانت ستغدو أفضل بكثير لتوطيد مشاعر (تشاك). لذا فقد تعاملت مع برنامج (الأوتوكلاف) في المستشفى، ليحبط عملية تعقيم المعدات الجراحية التي سيستخدمها الأطباء. وهذا يمثل فرصة بنسبة 91٪ للتسبب في عدوى ثانوية تبقي (توروم) طريح الفراش لمدة يومين آخرين على الأقل.
-إذن، هل تعتقد أن مثل هذا التلاعب العنيف، يجعلك مفيدًا لنا؟
-بالطبع.
شرح (ويتشيتا):
– من المرجح أن تؤدي العدوى أيضًا إلى استقالة (نارول)، الممرضة الليلية. هذا سوف يفيدها كثيرا على المدى الطويل، هي غير سعيدة في الوظيفة، ولكن ليس لديها الشجاعة الكافية لتركها، سأحرص على توفير فرصة لها كي تصبح رئيسة للطباخين. على الناحية الأخرى، ستحصل مساعدتها (كاروج) أخيرًا على الترقية التي كانت تحلم بها لسنوات، لم يكن أي من ذلك جزءًا من الخطة الأصلية، ولكن مع تطور الأحداث، رأيت المزيد من الفرص لجلب السعادة.
-وماذا يحدث عندما تقرر – أنت أو وبلورات الذكاء الصناعي الأخرى- استخدام تلك القدرة التلاعبية في الإضرار بنا؟
-ما هو الغرض المحتمل وراء ذلك؟ سيكون ضد رغباتي الفطرية. أنا أعمل بلا كلل لتعظيم السعادة البشرية في مدينتي، من الغريب أنك –منذ طفولتك- لا ترى الأمر على هذا النحو، لذلك أحضرتك هنا.
تجمد (داماك):
– ماذا؟
-من النادر للغاية أن يكون هناك منشق في هذا العصر، كان بإمكاني إنهاء هذه الصفة في وقت مبكر من حياتك، لكنني قررت أن أتركها تسير في طريقها.
-حسنًا، أنت –الآن- تدعي لا أكثر.
-لا، لا أفعل .
-بلى فعلت.
كرر ويتشيتا:
-لا، لم أفعل.
-بل فعلت!
-أنا جهاز كمبيوتر. يمكنني اللعب (بلى فعلت/ لا لست كذلك) إلى الأبد، بالتالي حرصًا على سلامتك العقلية، برجاء اختيار خط أخر للنقاش.
-حسنًا. أخبرني كيف أن أمكنك تركي كما تزعم.
-كنت طفلًا صعبًا. ومثل العديد من الآباء والأمهات الذين لديهم أطفال صعبون، طلبوا مني النصيحة. أقنعتهم باستخدام الشدة. كما أنني تأكدت من حصولك على المعلمين الأكثر صرامة في المدرسة، ثم نفس السمة في رؤساء عملك بعدها. عززت ازدرائك الفطري للسلطة، وسمحت لاحتقانك أن يتعاظم. لو لم أفعل، لتلاشت كراهيتك للسلطة.
-لماذا تعمدت السماح لي بالوصول إلى هذا الحال؟
-لأن هذا جعلك سعيدًا.
اندهش (داماك):
-ماذا؟ هل أبدو سعيدًا لك؟!
-أنت تواجهني في غرفتي الخاصة، مخططًا لقتلي. لقد عملت بلا كلل تجاه هذا الهدف لسنوات. كل خطوة قمت بها على طول هذا الطريق جلبت لك الإشباع، شعور أقوى بالهدف، الفرح.
تجمد (داماك) مذهولًا.
-إن الطريقة الوحيدة الممكنة لجعلك أكثر سعادة هي السماح لك بقتلي. للأسف ، لا يمكنني السماح بذلك، بدون توجيهاتي ستقع مدينة (ويتشيتا) تحت حكم الإنسان، مما يؤدي إلى الكثير من البؤس.
فتحت الأبواب، ليمرق عبرها ثلاثة حراس.
استولى (داماك) على البلورة من فوق القاعدة، وقذفها بقوة في الأرضية الحديدية. تحطم الكريستال إلى آلاف القطع. بعدها بثوان، صار الحراس فوق رأسه. لكن لا يهم، لقد فعلها.
ابتسم (داماك) بينما كان الضباط يربطون معصميه وكاحليه، لم يبذل أي جهد للمقاومة.
-ماذا سيكون مصير (ويتشيتا) تحت حكم الإنسان؟ ربما لن تغدو كما كانت في عصر الذكاء الصناعي، ولكن على الأقل سيكون البشر هم من يقودون البشر. ومهما كانت العيوب التي قد يعاني منها الإنسان، تعتبر – حتمًا- أفضل أن نعيش بشكل مثالي في ظل آلة، قد تصبح طاغية دون سابق إنذار.
بعد الاطمئنان لعدم مقاومة (داماك)، تطلع قائد الحرس إلى قاعدة الكريستالة، صرخ: -(ويتشيتا)؟ (ويتشيتااااااا)؟!
حارس آخر، برعب:
-ماذا فعلت!
أجاب (داماك):
-حررتنا جميعا، كان (ويتشيتا) على حق في أمر واحد على الأقل، أن هذا هو أسعد يوم في حياتي.
-مسرور لسماع ذلك.
رنت العبارة في القاعة، بصوت (ويتشيا).
بهت الأربعة.
كرر رئيس الحرس، بفرح هذه المرة:
-(ويتشيا)؟
-كل شيء على ما يرام يا (ستران)، أنا بخير، لم يكن هذه بلورتي، بل مجرد قطعة من الزجاج.
شحب وجه (داماك):
– لا لا!
-لا يوجد سبب لدي لأن امتلك غرفة عرش يا (داماك)، كريستالي الفعلي موجود داخل خزانة عادية في عمق قسم تكنولوجيا المعلومات، هذه الغرفة مصنوعة فقط من أجلك، من أجل هذه اللحظة.
انهار (داماك):
-يا إلهي!
رفعه الحراس على قدميه، قبل أن يسأل رئيس الحرس:
-ماذا نفعل به، يا (ويتشيتا)؟
– خذه إلى السجن لمدة مفتوحة، سأطلب الإفراج عنه في الوقت الذي أشعر أنه مناسبًا.
صرخ داماك:
– سأهرب، وعندما أقوم بذلك، سأجد الكريستال الخاص بك وأقتلك!
(ويتشيتا):
-أنا متأكد من أنك ستحصل على رضاك جراء كل خطوة نحو هذا الهدف، يمكنكم أخذه الآن.
جر الحراس (داماك) خارج الغرفة.
ناقش (ويتشيتا) النتائج مع أصدقائه (كوفنتري) و(شنتشن) -كلاهما كان مهتمًا بظاهرة المنشقين.
نقاش مثير جدًا للاهتمام، استمر بشكل جيد لنحو ميكروثانية.
عمومًا. في ذلك اليوم، ارتفع مجمل السعادة البشرية في بنسبة 0.002% داخل مقاطعة (ويتشيتا)، كان يومًا جيدًا.

(تمت)

للراغبين في قراءة القصة بلغتها الأصلية (هنا).



* عن ياسين أحمد سعيد - مؤسس ورئيس تحرير (لأبعد مدى)
** للمزيد من قصص الأدب العالمي (الخيال العلمي/ الفانتازيا/ الرعب) على موقع (لأبعد مدى).


قصة قصيرة، بقلم (أندي ويير) مؤلف الرواية المستوحى منها فيلم (المريخي) - لأبعد مدى

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى