أدب السجون مروة التجاني - الجوانب الخفية للسجن(1)

المعروف إن الفرد يفقد بعض من الحقوق الإنسانية إلى جانب جزء كبير من آدميته عند الدخول للسجن خاصة في الدول الديكتاتورية ومن ضمنها السودان الذي يحكم بنظام عسكري مستبد . هناك مقولة يرددها كل سجان للسجناء الجدد ومفادها " ما يحدث في السجن يبقى في السجن " هذه المقولة ليست بمثابة تحذير أو تنبيه بل تحولت لشعار لدى السجانيين لأن الخارجين من السجن غالباً ودائماً ما يلتزمون الصمت فلا منبر لهم ولا وجود لجهة قانونية يمكنهم اللجوء إليها لبث الشكوى في الانتهاكات التي يتعرضون لها ، لذا تنجح هذه المقولة في اتيان ثمارها ويبقى الصمت هو الفائز وينتصر السجان الذي يرفع هذا الشعار .
لست هنا بصدد الحديث عن حقوق السجين القانونية والعدلية بل للحديث من ناحية انسانية بحته . ما يحتاج إليه الفرد العادي ليكون انساناً هو الحصول على متطلبات الحياة الأساسية ، يحتاج السجين لأشياء بسيطة ليشعر بأنه على الأقل على قيد الحياة وإنه لايزال ينتمي للبشر ، أبسط هذه الاحتياجات هو حق الحصول على صابون وماء ليغسل جسده وملابسه ، لكن هذا لايحدث في السجون السودانية التي يكتنفها الغموض والصمت وشعارها إن مايحدث داخل جدرانها يبقى داخله . تتلقى السجون السودانية نقوداً قليلة لتصرف على السجناء ، لكن الحقيقة إن رغم قلة هذه النقود فهي لاتذهب لمستحقيها وهم السجناء بل إن بعض السجانيين يسرقون هذا الصابون الذي لا يجوز لهم .

يعاني كثير من السجناء داخل السجون السودانية مشكلة في عدم حصولهم على الصابون الذي نادراً ما يوزع عليهم ، والحق الحق إن بعض السجانين يسرقون جزءا كبيرا من هذا الصابون فيعتمد السجين على ما يحضره أهله ليقضي حاجته ويقدر على أن يعيش في نظافة . تخيل فردا يحرم من حق النظافة الشخصية ، أي انتهاكات تلك التي لانزال نصمت عنها . إن حرمان السجين من الحصول على صابون لأن التكلفة عالية تحرم السجين من أن يشعر بأنه انسان وتنتهك حقه الأول في الحياة . هذا هو الجانب الخفي للسجون السودانية التي تحرم الفرد من أدنى الحقوق وحتى عندما يحصل عليها فأن ذلك يكون بمشقة وبعد سماع الفاظ نابية لاتتماشى مع الأدب والاحترام . لايمكن للعقل أن يتصور إن يحرم فرد في القرن الحادي والعشرين من أبسط الحقوق المتمثلة في حق الحصول على صابون على سبيل المثال داخل السجون السودانية التي لاتزال تمارس أبشع أنواع العنف ضد السجناء وتحرمهم بحجة قلة التمويل من أقل حقوق الحياة .

السؤال الذي يطرح نفسه : ماذا يحدث داخل السجون السودانية ؟ . يتحدث كثير من السجناء عن البنية التحتية المتهالكة التي لايصلح للإقامة فيها ومن ضمنها المراحيض العامة داخل هذه السجون ، فهي متهالكة وقديمة وطافحة بالمياة القذرة الناتجة عن مياه الصرف الصحي ، ومع ذلك لايكون للسجناء خيار غير استخدامها لقضاء حاجتهم ، فكيف ترفع مثل هذه السجون شعارها الظاهري المتمثل في " السجن اصلاح وتهذيب " وهي تحطم روح الفرد بحرمانه من حق احترام جسده بنظافته والحصول على ماء نظيف لإستخدامه .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى