فهد عنتر الدوخي - الجديد في ذاكرتي عن صاحب إمتياز (دابادا) الراحل حسن مطلك..

الكثير ممن تناول سيرة الراحل حسن مطلك الذي أحدث صرخة مدوية في فضاءات السرد على مستوى الوطن العربي, بروايته الشهيرة(دابادا) حتى ظلت أبواب التحليل والمكاشفة مشرعة الى يومنا هذا,ومن خلال تجربتنا المتواضعة في هذا الشأن فقد تسنى لي الإطلاع على الكثير ممن خاض غمار الكتابة عنها, والبعض نصب نفسه شاهدا على فصولها, وأقصد من الجيل الذي واكب غزارة الأنتاج القصصي في تلك الفترة, الذين إعتمدوا في دراساتهم على وسائل التواصل الصحافية والأدبية كالصحف والمجلات والإذاعات والقنوات التلفازية كمصادر بحثية انذاك, اذ لم يكن لديهم سبق المعرفة بهذه الشخصية الشرقاطية ,الآشورية بعكس الذين جالوا معه وطافوا بظروف هذه البيئة والذين تختزن صدورهم بذكريات خالدة ومواقف إنسانية متنوعة قريبة اليه بحكم عوامل عديدة أهمها المزاملة والصداقة وصلة القربى, إبتدأت على الأقل من رحلة الدراسة في إعدادية الشرقاط في العام1977 من القرن المرتحل وحتى رحيله مغدورا بتهمة التخطيط لإسقاط نظام الحكم في السنة المشؤومة 1990 التي غيرت مفاهيم الجغرافية والتاريخ لهذا البلد لماشهده من أحداث وكوارث وخاصة بعد أحداث الكويت والحصار الإقتصادي الذي جثم على خارطة الوطن لسنوات عديدة,وقد نسجت أول خيوط المعرفة به من خلال ابن عمه, صديقي وزميل الدراسة الأولية عبد سطم الروضان,وبيت عمه الذين سكنوا مبكرا في قصبة الشرقاط بعد أن غادروا قرية إسديرة وسطى, وفتحوا متجرا للمواد المنزلية في سوق الشرقاط القديم, وكان الراحل يسكن معهم لغرض الدراسة إذ لم تتوفر مدرسة ثانوية في الساحل الأيسرمن نهر دجلة أنذاك, الأمر الذي جعل أغلب التلاميذ الذين ينهون الدراسة المتوسطة في القرى المحاذية للنهر يواصلون رحلة الدراسة في ثانوية الشرقاط, ومن بينهم أيضا الراحل الروائي ابراهيم حسن ناصر,مؤلف رواية(شواطئ الملح شواطئ الدم) التي فازت في مسابقة وزارة الثقافة والإعلام العراقية في العام 1988كأفضل رواية تجسد وقائع الحرب العراقية الإيرانية وخاصة في معركة الفاو الخالدة ,حسن مطلك الذي عرفته رساما إنطباعيا ماهرا حد الدهشة, وبحكم انتخابي رئيسا لمكتب سكرتارية الشرقاط, الأتحاد الوطني لطلبة العراق الذي يشمل الرقعة الجغرافية الممتدة من قصبات وقرى حمام العليل والقيارة وحتى مشارف ناحية الزاب الأسفل جنوب شرق مدينة الشرقاط من الضفة اليسرى لنهر دجلة, فقد تطورت صلتي به,وأصبح صديقا ماهرا في علاقاته مع زملاءه, يواكب أنشطة ألاتحاد الأجتماعية , الفنية منها, كالرسم والتمثيل, في هذه الفترة برزت مواهب حسن مطلك الفنية, حتى كان له حضورا مميزا في معارض الرسم في المناسبات الوطنية والإجتماعية, يزين ذلك كله شخصية هادئة ومحبوبة, تجده متفائلا, مبتسما, خجولا نوع ما,تبدو ملامح وجه الحنطي العريض المشرق, وترتيب شعره وهندامه الأنيق أنه قادم من مدن لم تطئها شموس الجفاف والتصحر الذي إعتاد عليها سكان القرى والقصبات الريفية, وعندما نشحن ذاكرتنا البعيدة, أذكر أن الهيئة الادرية للإتحاد الوطني لطلبة العراق أجرت مسابقة لتصميم شعارفني يمجد مناسبة ما وقد عممت شروط المسابقة الى الجامعات والمعاهد والمدارس لمحافظة نينوى, وقد سارعت الى زميلي الراحل حسن مطلك ووضعت على طاولته هذ الأمر, وبعد بضعة ايام جلب لي مشاركته في هذه المسابقة بتصميم مبهر جدا وفيه مواصفات الرسم الهندسي الحديث وحتى كان إستخدام الألوان بأقلام غاية في الجودة تضاهي اعمال كبار الفنانين في بغداد ونينوى انذاك, ومن فرط إعجابي ودهشتي بهذه اللوحة, حزمت حقائبي وحملت اللوحة الى مقر الهيئة الأدارية للإتحاد الكائن في شارع الدواسة الفخم, إذ إستقبلني الزميل العزيز مؤيد عيدان كاطع للهيبي رئيس الهيئة الإدارية للإتحاد الذي كان يدرس في كلية التربية, جامعة الموصل قسم التاريخ, إذ نال بعدها شهادة الدكتوراه بهذا الإختصاص , الذي اصبح استاذا وعميدا للكلية التي تخرج منها , وأبدى ذهوله عندما رآني بحالة انشغال وحضوري في وقت متأخر من نهار نيساني,ودون دعوة منه للقدوم الى مدينة الموصل, ولما عرضت التصميم عليه, قد إنصعق من مهارة هذا الفنان وأصابته الدهشة والفخر في آن معا بقدرة وموهبة طالب إعدادية من قرية ريفية اسمها(إسديرة وسطى) التابعة لقضاء الشرقاط, وكان يدرك أن هذه الموهبة كان مبعثها حضارة مدينة آشور وعمرها تجاوز الثلاثة آلاف سنة, وسرعان ما إتصل بالهاتف الأرضي بمدير مطبعة جامعة الموصل التي كانت رائدة في نشر رسائل الماجستير, وأطروحات طلبة الدكتوراه, والبحوث العلمية للأساتيذ, وطبع الكتب المنهجية, وهي دار نشر وتوزيع لمعظم النتاجات الادبية والانسانية والعلمية, والتصاميم الهندسية والجغرافية,وبعد مداولة هاتفية ونقاش ساخن مع مدير المطبعة أبدى أسفه الأخير لإنتهاء المدة المقررة لإستقبال المشاركات لأن النتائج حسمت وإختيرت النماذج الفائزة وهي قيد الطبع والأنجاز,الأمر الذي جعل الزميل مؤيد في حالة إمتعاض وأسف شديدين لما آل اليه حالنا, وفي ضوء ذلك, تم تأطير (البوستر) اللوحة وتعليقها في واجهة مقر فرع الإتحاد ومكافأة قدرها عشرة دنانير للزميل حسن, الذي تبرع بها هو الآخر لنشاط اللجنة الفنية في اللجنة الاتحادية لثانوية الشرقاط, والغريب في الأمر أن الزميل الراحل حسن مطلك لم يعر إهتماما بالموضوع وقابل فشلي بإبتسامة هادئة كروحه..
وفي واحدة من نشاطاتنا الطلابية فوجئنا بزعل عريف الحفل في وقت حرج لإقامة أمسية كان يحضرها قائمقام القضاء وبعض المسؤولين وضيوف آخرين حتى عالج المشكلة ووقف على خشبة المسرح, وكان بارعا في تقديم الأمسية وخرجنا بصدور يزينها الأنشراح , مع كل ما اسلفنا لم نعلم ولم نكتشف ميوله الأدبية وعنايته الفائقة في السرد والتي ظهرت فيما بعد أن تخرجنا من الإعدادية, هو قبل في كلية التربية جامعة الموصل, وأنا قبلت في كلية الإدارة والاقتصاد, الجامعة المستنصرية, وفي خضم هذا الوقت, أخبرت أخي الكبير سامي عنتر الدوخي, الذي كان يدرس في قسم الكيمياء, كلية التربية, جامعة الموصل, ويعمل في المكتب الطلابي الحزبي للجامعة, أعلمته بمواهب زميلي حسن , وسرعان ما إحتضنه ليملأ باحات الجامعة بتصاميم وبوسترات وقد طبعت بتقنية عالية بنفس المطبعة التي كان يخامر إحساسنا وصولها كهدف عظيم, تتوج برسوما خالدة يشهد لها التاريخ.ورغم ضعف التواصل بيننا خلال بداية ثمانينيات القرن الفارط بسبب الدراسة,حتى تناقلت وسائل الإعلام فوز القصة القصيرة في مسابقة وزارة الثقافة والاعلام العراقية, قصة( عرانيس) للقاص حسن مطلك ونشرتها مجلة (ألف باء ) الناطقة بلسان الوزارة والتي نالت عناية النقاد والكتاب الكبار لغرابة الحدث وجمال اللغة والتقنية القصصية التي كتبت بها علاوة على واقعيتها وهي تلبي مطالب مرحلة حرجة من حياة العراق.وعندما تصفحت أحداث هذه القصة,وطريقة كتابتها والأسلوب المبتكر الذي وثقه فيها, أدركت أنني لم أكتشف مخزونا إضافيا من الإبداع والمواهب الجديدة لزميلي الذي عايشته وزاملته لأعوام عديدة,أما رواية( دابادا) التي قال لي عنها( أنها سوالف أهلنا وتعاليلهم وضحكاتهم وهرج مجالسهم وهي دابادااااااا الخ)وذكر لي أن أحد الكتاب المصريين الكبار والمشهود له بالعمل الروائي, نصحه أن لايقدمها للنشر لأنها ستكون مغامرة خطرة, و(أخشى عليك من الفشل والإحباط).. وكانت لي آخر زيارة له في العام 1989, في قرية إسديرة , تناولنا طعام الغداء في منزله, وكان الأخ الروائي الدكتور محسن الرملي, الأخ الأصغر له, الذي كان يدرس في كلية الاداب جامعة بغداد, قسم اللغة الإسبانية حاضرا, يستمع الى حاديثنا عن الرواية وظروف كتابتها والنجاح الباهر التي حققته وكان رحمه الله مسرورا بهالة المجد التي صنعته هذه الرواية….

السيرة الذاتية, ويكيبيديا.. الشبكة العنكبوتية…
حسن مُطلك (1961 ـ 1990) كاتب ورسام وشاعر عراقي.[1] ويعد واحداً من أهم الأصوات الأدبية الحداثية التي برزت في العراق في ثمانينيات القرن العشرين. ولد سنة 1961 في قرية سُديرة التابعة لمدينة الشرقاط في شمال العراق. أنهى دراسته الجامعية سنة 1983 حاصلاً على شهادة البكالوريوس في التربية و علم النفس من كلية التربية في جامعة الموصل. أقام عدة معارض للفن التشكيلي وأصدر مع مجموعة من أصدقائه في الجامعة مجلة (المُربي) نشر فيها مقالتين إحداهما عن الفن التشكيلي والأخرى قراءة لرواية الطيب صالح (موسم الهجرة إلى الشمال). وبعد أدائه للخدمة العسكرية الإلزامية عمل أستاذاً في معهد المعلمين في كركوك ومديراً لعدة مدارس إعدادية. تزوج وله ابنتين هما: مـروة وسـارة. حاز على الجائزة الأولى لقصة الحرب سنة 1983 عن قصته (عرانيس) والجائزة التقديرية سنة 1988 عن قصته (بطل في المحاق). ثم نشر روايته (دابادا) التي تعتبر قمة أعماله الأدبية. أُعدم شنقاً بتاريخ 18/7/1990 الساعة السابعة مساءً، لاشتراكه في محاولة لقلب نظام الحكم. حيث راح يصفه بعض المثقفين إثر ذلك بأنه (لوركا العراقي). خصصت مجلة ألواحألواح ALWAH الصادرة في إسبانيا عددها 11/2001 عنه بالكامل، 300صفحة. كما خصصت عنه ملفات في صحيفتي (المدى) و(الزمان) العراقييتين. وكتبت الكثير من الشهادات عنه والدراسات عن أعماله، من بينها رسالة دكتوراه أنجزها عبدالرحمن محمد الجبوري في جامعة الموصل بعنوان (الخطاب الروائي عند حسن مطلك.. دراسة تأويلية). وحسن مطلك هو شقيق الكاتب العراقي محسن الرملي.





أعلى