عبد العزيز بركة ساكن - البيتُ بيتي..

البيت بيتي، وبيت النملات العجولات، الستائر القديمة والمروحة.
بيت السحليتين الصغيرتين والفارة
البيت بيتي وبيت الضب والعنكبوت وبيته، وبيت الذبابتين العالقتين بخيطه،وبيت الثعبان الأرقط المتربص بي: الحيَّة مصنوعة من الخشب أهدتني إليها سيدة ومعها قبلة.
البيت بيتي وبيت الكتب الصفراء، شنوا أشيبي، هاروكي موركامي، فرانز كافكا، واسيني الأعرج، عراقي في باريس، وأرفف المكتبة العجوز وأخشاب الموسك.
بيت البعوضة يبتلعها الضفدع: بيت الضفدع.
البيت بيتي وبيت السرير الكبير ومنضدة القراءة وصنبور المياه المعطوب جركانة الخمر الفارغة، أعقاب السجائر، أحذية النساء القديمة، فراشتان تتحريان الرحيق في زهرة ميتة، الزهرة الذابلة، أسورة أمي القديمة، جلباب النوم، قصاصات الجرائد، صورة المهاتما غاندي على الحائط وصوت الآذان البعيد، البيت بيتي وبيت المرأة الغائبة وسبحة العقيق اليمني الجميل.
بيت الطيبين والفاسقين والمارقين والخانعين
بيت كل من يشبهني ويكرهني: تعجبني في المرأة أنها لا تستقيم إلا إذا اعوجت، وفي الرجل الانحطاط.
بيتي وبيتهن وبيتهم والقط الذي يلعب اليوجا علي الحائط: القط يصلي.
بيت الحائط والغائط وشجرة الجوغان العملاقة والمسكيتة الشريرة وبيت الحزانى المتشردين وتاجر البضائع الكاسدة، يغتب التلفاز الآن رجلاً يحبل بتوأم: بيت التوأم والرجل والتلفاز.
بيت الصافية وألم قشي ومختار علي وصديقي المنسي في قبره والدجاجات.
بيت الكلب: اقصدني حينما لا تكون امرأة في بيتي، وتكون النافذة مشرعة، وقلبي يتلصص في خاطر سيدة بتشممها ويهرُ.
أتجول عاريا فيه ولا اخشي بوليس النظام العام وإذا طرقت حذاؤه نافذتي أرد إليه بكل شجاعة دون ان اهرع إلي جلبابي: تفضل، إنه بيتي.
عندما تلعب الصهباء بي، وارى الشجرة أرنبا، فان بيتي يصبح القفزة التي تفلتني من كلب الصيد، والعثرة التي تؤخرني من مصادفة الكارثة، ويصير المرأة الوحيدة الوفية التي تحتضن البيت، بيتي ايضا خمارتي التي لا تقود إليها خرائط الشرطة ولا يعلم قنانيها المخبرون، بينما تقبل أغنياتها السحابات البعيدة ويفوح خندريسها كروان وسكسفون ونساء لا يخشين في الحب لومة لائم..
بيت كتبي المغضوب عليها والضالين: هنا اكتبها، أغنيها أمارس معها الحب، وأمزقها وابكي عليها، وحينما تنهض من موتها، مثل الزومبي، ادفع بها إلى ناشر مجنون.
لوحة زيتية رسمها مستنير، بيت صديقي دكتور الجعلي، بيتي وبيت الجن والشياطين، أعشاب المطر الصيفي اللذيذ.
بيتي بيت بيتي الصغير المشيد من الطين اللبن وأخشاب الشجيرات القتلى التي ماتت فداء لنا، وبيت روح أبي وأمي وبنت الطريق وبيت حافظة الصدر التي نسيتها على رواية عوليس قصدا أم مكرا، فالبنيات يوقعن حضورهن فيما يتركن من متعلقات: دبوس الشعر، فردة جورب، رباط قصير من الكتان، خصلة طويلة دافئة على الوسادة، وتحت الوسادة حرير مجنون، احمر الشفاه على كوب الماء وكاسات العرق، فانلة بيضاء من الساتان تشبه قبلة منسية في لسان نزق تتركها النساء عادة تحت الملاءات، عدسات العين، قلامة الظفر، ناتفة الشعر، سؤال لا إجابة له،موسى لمحاولة الانتحار الفاشلة، قبلة سريعة من اعلي الكي بورد، عراك قصير، منديل تعب، قلم روج، واق أنثوي مستعمل، كركبة الباب، ونسيت ان أقول ان بيتي هو ايضا بيت الباب والنافذة المشرعة.

عبد العزيز بركة ساكن
أعلى