أمل الكردفاني - قصة غجري الريح

وانقشع غبارك
عندما هطل المطر
فغنى الغجري
بجيتاره الذي ورثه من أبيه..
أغنية الوداع الأخير...
وهو يعبر الأرض
دون أن يفكر في محطة للوصول
...

هارباً من الحداثة..
من كل طريق معبد..
من كل الأبراج المتلألأة..
من ضجيج المدن..
من كآبة المباني الحكومية..
ينحرف الغجري محاوراً المعابر الرملية..
يلتقي بصبية القرى..
فيغني لهم ويرقصون..
يمر بالفلاحات ذوات أغطية الشعر الحمراء..
فيعزف لهن ألحان الحب..
حتى تتورد خدودهن...
يقابل الرعاة...فيتجنبهم..
ويستقبل السهول الواسعة
بأعين لامعة
وعلى ظهره
علق جيتاره الذي ورثه من أبيه..
.....

يلتقي الغجري بفتاة أحلامه..
لكنه يتركها ليتابع الإرتحال..
الغجري لا يعرف الحدود..
لا يعرف ماذا تعني الغرف الدافئة..
لا يعرف ماذا يعني العمل اليومي..
لا يعرف ماذا تعني المدرسة..
لأنه لا يريد أن يتعلم..
بل أن يحيا مرتحلاً..
....

لا يملك الغجري أوراق ثبوتية..
فهو لا يعرف ماذا تعني بضعة أوراق ملوثة بالحبر والأختام..
لا يعرف الغجري السلطة..
فهو حين يلتقي عمدة القرية
يصيح:
لماذا يطيعونك وهم أحرار..
لا يعرف الغجري الجوع..
لأنه يأكل أي شيء في الطبيعة..
الزهور والفراشات..
وطين الأنهار...
ثم يستل جيتاره من ظهره..
ويمضي في إرتحاله
وهو يعزف أغنية تحكي عن حلم
بدفء صدر إمرأة حسناء ..
يرتحل الغجري خلف الربيع..
وكأنما هو مربوط إليه بحبل..
فهو لا يحب الشتاء..
لا يحب الصيف..
لا يحب الخريف..
مثل طيور السماء..
يتبع الغجري رائحة الطمي والرحيق..
يشير بأصبعه للأفق البعيد:
- هناك أمطرت..
ويعزف أغنية للمطر...
.....

ماذا تملك ايها الغجري؟
تسأله فتاة حانة
في سويعات الوقوف العابرة
يقول: ماذا تعني أملك؟
لا يملك الغجري شيئاً..
لأنه يملك كل شيء.
يملك حريته..
تقضي معه فتاة الحانة ليلة
ثم تطرده من أحضانها في الصباح
فيحمل جيتاره
ويغني باكياً على قلبه المكسور..
عابرا السهول والجبال..
إلى حيث لا يعرف
....

يقابله سائقوا الشاحنات
يعرضون توصيله..
لكنه يرفض..
إنه لا يريد تفويت لحظة دون أن يكون في قلب الطبيعة...
يغني
مستهلكاً الوقت بجيتاره
جيتاره الذي ورثه عن أبيه..
أبوه الذي لا يعرفه...
بل ما حكته أمه له قبل وفاتها
وهما راحلان في الطريق..
فيدفنها..
ويصلي عليها
دون ان يعرف لأي إله صلى
فيبتسم..
ويمضي في إرتحاله الأبدي
.....

وعندما يعبر الغابات..
وتحاصره الضباع..
يستل جيتاره ويغني..
تراقبه الضباع بدهشة..
وتظل مندهشة وهي تنهش لحمه
وهو لا يزال يغني..
عازفاً على جيتاره
جيتاره الذي ورثه عن أبيه..
أبوه الذي لم يعرفه ابداً..

.....

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى