خالد شاطي - الاحتضار الثالث للعجوز.. قصة قصيرة

العجوز تموت. إنها المرة الثالثة، فاستدعينا على عجل إلى البيت الكبير.
أجلسوني جنب سرير احتضارها كما في كل مرة، فأنا المفضل لديها. من الشباك الكبير والقديم؛ دخلتْ الغرفة القديمة نسمة هواء منعشة. يا لها من نسمة هواء منعشة غريبة.
عينا جدتي الزجاجيتان مثبتتان على السقف. وبالكاد سمعتُها؛ تعدُّ بترتيب دقيق أسماء الأئمة: الباقر الصادق الكاظم الرضا... ثم تعيد الكرة بإيقاع يعلو وينخفض ليتحول إلى همس. ولا أدري لم استحوذ عليّ شعور بأنها ستموت هذه المرة.
عند الباب الخارجي؛ أعلنت صرخة أختي الكبرى عن وصولها:
- يبوووووووووو....
هرعتْ إليها خالتي لتعلمها أنّ الجدة ما تزال حية. دخلتْ الغرفة وافترشتْ الأرض تحت قدميّ الجدة وراحت تولول.
أمسكتُ كف العجوز اليابسة بعد تردد، فضغطتْ على يدي وغطتها بكفها الأخرى. لابد أنها عرفتْ أنها يدي، يدي الناعمة، (يد معلمة) كما يصفها عباس البقال كلما يصافحني.
- هل عرفتني؛ جدتي؟
سألتُها، فضغطتْ على يدي أكثر؛ وقالت دون أن تحوّل نظرها عن السقف:
- أنت.... أنت الله.
سرتْ رعشة في جسدي. لم أستطع الابتسام مثل أختي الكبرى وخالتي؛ مثل أختي الأخرى وأخي. ولا أن أُفلتُ قهقهة مثل خالي وأطفاله. انحنى خالي على السرير وقال في أذن العجوز:
- هذا حبيبك خالد.
أصدرتْ العجوز، من بين أسنانها، طرقعة نفي خافتة، خافتة جداً؛ وقالت:
- هذا الله.
ساد الصمت. دخلت الغرفة نسمة هواء منعشة مرة أخرى؛ فأحسستُ بتباشير الخريف في قلب هذا الصيف القاسي. نظرتُ للعجوز فغمرتني محبة جارفة لهذا المخلوق؛ حتى أنني وددتُ لو كنتُ مكانها؛ محاطاً بأولادي الذين سأنجبهم وأولادهم الذين سينجبونهم. واصلتْ العجوز التمتمة. إنه لأمر غريب أن أحسد عجوزاً تحتضر، تنظر إلى السقف وتردّد أسماء الأئمة المعصومين؛ وتعتقد أنني الرب.



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى