محمد بنميلود - أراقب العالم ويدي في جيب المعطف

برجل واحدة
وعكازتين
عاد من الحرب
في سفينة
قال إنه سيتزوج
/
أراقب العالم ويداي في جيب المعطف
أحب أرصفة الموانئ في الشتاء
السرحان الطويل
النوارس والغيوم فوق صاري السفينة
القطة تتمطى منتظرة الصيادين ببذلات مطاطية
خضراء داكنة وصفراء وحمراء كالمغيب
الزوارق ترجع في الفسحة القصيرة
من عرض البحر
محملة بالديناميت
ألف كشكولي الصوفي جيدا على عنقي
أتمشى وحيدا
وصامتا
على الحافات
/
الحرب في الطرف الآخر من العالم
يحكون أن ذلك مثير للغاية
أن تعيش هناك
كما في حلم
في الربيع
متوسدا رشاشك
تحت أسراب طيور
تعشش في سقوف الثكنات
يفقد الناس هناك أهاليهم بسهولة
في كل دقيقة تصلهم أخبار جديدة
يملئون الرصاصة الفارغة بالزئبق
لجلب الحظ
يحملونها في جيوبهم
ويعلقونها في مقدمة الجيبّات
قال إن البنات يصرن أجمل
وأشهى
في الحرب
حزينات ونضرات
كانعكاس أضواء نيون مدينة بعيدة
في إسفلت مبلل
بعيون عميقة متحفزة للحب
وللولادة
ولعض الشراشف
والتقلب على السرير
كسمكة الحنكليس
في صنارة
كنت أدخن وأراقب ابتعاد السفن
خمنت كل ذلك وحلمت به
بينما كانت حياتي دائما هنا
رتيبة ومسالمة
دون حرب
ودون أهل
ودون حبيبة
/
تجدهم فقط في الموانئ الشتائية
وعلى متن العبَّارات
أولئك الرجال الوحيدين
القساة
الذين يصلحون أصدقاء
يحكون لك حياتهم
مدخنين الغليون
يتقاسمون معك تبغهم
تلك عادتهم الحميمة
كعائلات تكرم الضيف بشاي ساخن
يمدون لك الغليون مشتعلا
بعيدا جدا عن البيوت
وعن العائلات
عليك فقط أن تقول: شكرا
دون استغراب
ناظرا بنصف عين
إلى صفرة النيكوتين
في شنب البحار العجوز
الذي من طحالب
الكلام كله
قبالة تلك الآفاق الخاوية
يكون فقط
بالصمت
وبالنوارس
كما تعلم
/
أحب أن أسمع معزوفة
على الساكسافون
قبالة الأمواج
أنت تفهم قصدي
لقد تغربتَ مثلي طويلا
وتفرقت بك السبل
ولم تجد أقاربك
لتبيت عندهم ليلة واحدة
سرير في البانسيون لابأس به
في غرفة بلا تلفاز
وبلا علاّقة
يد خادمة الغرف تكون حانية دائما على الملاءات
يمكنك أن تشم رائحة أمّ في تهدج صوتها
حين تسألك: متى ستغادر؟
وأن تعانقها أيضا
بحرارة في الشتاء
إن كانت عجوزا
لكن
لم يكن في جيبك ما يكفي
لحجز غرفة رخيصة
كانت ممتلكاتك سيجارة واحدة
وصورة بالأبيض والأسود
للعائلة
ورصاصة فارغة
ليس فيها زئبق
لجلب الحظ
الرصاصة التي وجدتَها
قرب جثة
العالم
أنت تفهم قصدي
معزوفة على الساكسافون
قبالة الأمواج
أمر جيد
لرجل وحيد
يريد الآن
أن يرقص
/
قطة الصيادين
ليس لها إسم
تبيت داخل الصخور
وتحت الزوارق المقلوبة على الرمل
وفي نظرات المتشردين النائمين بعيون مفتوحة
قطة المحيط
التي تسهر
حتى وقت متأخر
ولا أحد يناديها
/
كان يخفي في جيبه سكينا
قال إنها ذكرى من بلاد بعيدة
قبضتها من قرن ماعز الجبال
نادرة جدا
وحادة
يخرجها ويتملاها في ضوء انعكاس المجرات على الأمواج
فتبرق من بعيد
قال إنه مستعد لفقد حياته
قبل فقده لسكينه
/
قبل أن يأتوا إلى البحر
كانوا فلاحين في السهول
وحرفيين
وباعة سلع مهربة في العواصم
دون ضرائب
في مدخل الميترو المعتم
وساعات روليكس مسروقة
من متاجر اليهود
وجنودا منحتهم الحرب أسفارا مجانية وفسحا إلى كل مكان
وطعاما دون مقابل
وفارين من سجون محروسة بالكهرباء والكلاب
حفروا أنفاقا في الإسفلت
وفي عروقهم
حتى وصلوا إلى البحر
ببصمات ممسوحة
ووجوه جديدة
كل مساء يمكنك أن تسمع غناءهم الحزين
وقهقهاتهم
وترى ضوءا خافتا
في مقدمة المركب
يظهر ويختفي كلما تحرك الراقص يمينا أو شمالا
رافعا نخبه إلى السماء
بظل طويل ليده
على الأمواج الهائجة
/
كل فجر
تجلس القطة فوق المنارة
بعيون لا ترمش
منتظرة خروج البحارة
من حانة الميناء
إنها ساعة فطورها
قطة العواصف
المدللة
/
كان علي أن أغادر ذلك الميناء
إلى الميناء المقابل
خلف المحيطات
أوشكت أن تمطر
قال لي إن البحر
أسهل
من أن يتقدم العاشق
في بلاد الحرب
ليقطف لحبيبته زهرة
داخل حقل
ألغام
كان عازف ساكسافون في السفن
برجل واحدة
وعكازتين
يعزف جالسا
بحارا دون مركب
ودون شباك
ودون صنارة
بالموسيقى الشجية فقط
يصطاد أسماك أيامه
بموسيقى الأبواق
في الضباب
/
بعد كل تلك الرحلات الموحشة
فوق أمواج غير ثابتة
دون مسارات
وسط العواصف والأمطار المائلة كالرماح
دون حرب سوى مع نعومة الماء
أخيرا تنجو السفن
تصل سالمة
وعملاقة
إلى السواحل
لترسو
بسلام
كانتحار الدلافين
أعلى