لينا كيلاني - الفارس.. قصة قصيرة

ما كان خيالا في أدب الخيال العلمي ، تحقق معظمه في الواقع على نحو يبعث على الدهشة والكثير من الإعجاب بخيال البشر وقدرته على الإبداع . ومن أشهر كتابه - كما هو معلوم - هربرت جورج ويلز الإنجليزي، وجول فرن الفرنسي. فتخيل هذا الأخير صعود الإنسان إلى القمر وغوصه إلى أعماق البحار بغواصة ، كما تصور إلى أي مدى يمكن أن يصل الإنسان لو اخترق بواطن الأرض واغوارها العميقة ، وما الذي يمكن أن يجده من أسرار أو كنوز. وعبر ويلز عبر رحلة بطله في آلة الزمان مئات السنين، ثم ملايين السنين عن خيبة أمله في التطور البشري وتقلص التفاوت والفوارق بين الناس. سيجد في رحلته الثانية أن مدينة لندن التي كانت آهلة بالسكان ، خالية الشوارع ، لا أثر فيها للبشر ، ففضل الرجوع بآلته إلى زمنه القرن التاسع عشر .. خلو شوارع لندن ويلز التي تخيلها في هذه الحال، بعد ملايين من السنين من عصره ، نحياه اليوم في مدننا وفي كل مدن العالم في بدايات القرن الواحد والعشرين فقط، بسبب تجول كائن متوحش رهيب غير مرئي يفتك بالأرواح ، مواجها أعتى صانعي الأسلحة في العالم لا يعرفون عنه إلا اسمه الغريب "كورونا". قرأت مؤخرا قصة قصيرة بعنوان " الفارس " لكاتبة أدب الخيال العلمي لينا كيلاني، أثارت بخيالها القضية قبل وقوع ما وقع ، ققد خرجت بطلتها إلى صحراء قاحلة باحثة عن النقاء الذي تفتقده في عالمها المليئ بالتلوث البيئي والذي يسوده الشر والأخطار من كل جانب ، وهي في بحثها عن منبع النقاء تنهل منه لتنظف العالم من الأوباء ، التقت في أجواء غرائبية فارسا مغوارا ، وكانت الصحراء مقفرة شاسعة هادئة هدوء شاملا، حتى الرياح لا يسمع صوتها . إنها رحلة تقوم بها الساردة - المشاركة بحثا عن النقاء لمدينتها التي عمها التلوث فطال البشر والحجر ، وعن فارس يعيد الصفاء والنقاء إلى أزقة وحارات المدينة الملوثة ، و يستطيع أن يرجع أمجادا ضائعة . تصادف البطلة الفارس المنشود ، يترجل عن فرسه التي تختفي فجأة كأن رمال الصحراء ساخت بها فطمرتها. يأخذ يدها ويذهب بها إلى مدينته العجيبة التي صعدت من بين الرمال الناعمة ، بحذاء مكان لقائهما. هنالك أراها الفارس الذي كانت تسمع عنه واسمه ماجد ، أمجاد التاريخ الذي تنتمي إليه البطلة : الكتب القديمة والحديثة التي تزخر بالعلم والمعرفة - المخترعات والاكتشافات التي توصل إليها أجدادها في الماضي العريق في تلك المدينة المنظمة التي تذكر البطلة بأقدم مدينة وجدت على الأرض . إن البطلة قامت برحلتها إلى الصحراء بحثا عن قيم أصيلة تفتقر إليها مدينتها ، وعن يوتوبيا تتوق أن تنقلها كلها إليها. إنها مثل بطل رواية "دون كيشوت" الذي خرج ليجلب الخير والعدل والمحبة والنقاء والصفاء للناس . لكنها تصاب بخيبة أمل ، كما أصيب بطل سيربانتيس. لقد عجزت الفتاة فلم تتمكن من تحقيق ما كانت تحلم بجلبه من مدينة الأمجاد من أجل تغيير واقع مدينتها التي حل بها التلوث في هوائها ومائها ونفوس البشر فيها. إن القصة غنية بالدلالات والرموز الموحية. هل الفارس هو مخلص فردي أم جماعي ؟ هل تعني به الساردة - المشاركة الحاكم العادل ؟ أو الأمة أو الشعب ؟ أو الإنسانية برمتها بإرادتها تغيير واقع العالم الذي انتظر طويلا ولادة الفارس الحقيقي : الإنسان الذي يملأ الدنيا خيرا ومحبة وسلاما ، ويسعى إلى جعلها حيزا قابلا للحياة ، بعيدا عن الحروب الغريبة العمياء التي تدمر العالم كله بدون أي تمييز . هل يمكن أن نتخيل ولادة عالم جديد بعد هذه التجربة الإنسانية المريرة بسبب كائن هلامي غامض ، يسوده الإخاء والتكافل والمحبة والسلام ؟
أعلى