خيري شلبي - "سمبو".. قصة قصيرة

أقام الشيخ "علي"، أحد رؤساء قبائل العربان، وليمة فخمة في بلدته، احتفاء بعودة حجاج العائلة. دعا إليها كل الشخصيات العامة، إضافة إلى مشايخ العائلات. اصطفت ألوان الطعام، وتبارى الحاضرون في التهامها، بينما "سمبو" يروح، ويغدو بمهارة، يقدم خدماته للضيوف.
"سمبو" عبد زنجي، رفيع الجسم، سمهري. ورث انتماءه إلى عائلة الشيخ "علي" من أبيه الذي كان بدوره أحد عبيد الأسرة. انتهى الطعام، ورفعت الأطباق، ودخل سمبو يحمل صينية فوقها بطيخة ضخمة، وضعها أمام الشيخ. قال الشيخ لسمبو : أحضر سكيناً لشق البطيخ.
حاضر سيدي.
هرول "سمبو"، ثم عاد بصينية عليها بطيختين، وضعها أمام الضيوف. صاح الشيخ:
- ياولد... أحضر سكيناً لشق البطيخ.
رد سامبو وهو يغادر المكان: حاضر ياسيدي.
ما أن عبر الباب خارجاً حتى لاقاه شخص ما، ناوله صينية عليها عدد آخر من البطيخ، حملها، وعاد فوضعها أمام الضيوف. شخط الشيخ "علي":
- ياولد ... قلت أحضر سكيناً لشق البطيخ.
هرول "سمبو" متعثراً في خطاه، خارجاً لتلبية الأمر، وسرعان ماعاد يحمل مقصاً كبيراً يعلو الصدأ شفرتيه، وتكسو مقبضيه ألياف من وبر الغنم.
بهت الشيخ "علي"، ونظر إلى "سمبو" مستفسراً، فقال :
- لشق البطيخ ياسيدي.
هبط جو ثقيل، فخيم على المكان... سيطر الشيخ علي على الغضب الذي احتدم بين جوانحه، وسأل الخادم:
- ماذا طلبت منك أن تحضر ياولد؟
- طلبت سكينا ياسيدي.
- لماذا إذن أحضرت المقص؟
- لشق البطيخ ياسيدي.
ضجت القاعة بالضحك، واحتقن الدم في عيني الشيخ. كان "سمبو" يبتعد متعثرا في طابور من الخدم يوزعون السكاكين الكبيرة، ذات المقابض الفضية، عندما سمرته في مكانه صيحة الشيخ:
- تعال هنا ياولد.
تقدم "سمبو" حتى وقف بين يدي الشيخ.
- نحن نشق البطيخ بالسكين، أم بالمقص؟ .. رد قائلا:
- بالمقص ياسيدي.
أعتمت الدنيا بالفعل، وتراقصت الأشياء في عيني الشيخ وسط عاصفة من الضحك.
قال الشيخ للخادم: اذهب الآن.
نال الجميع قسطاً وافراً من متعة الشراب، والطعام، والحديث، إلا الشيخ "علي" الذي خمدت حركته، وأعتمت عيناه، وكأنه في مأتم. لم تفلح كل محاولات الحضور للتسرية عنه.
انتهى الحفل، وانصرف الناس، والشيخ على كآبته. خرج حزيناً، كسيفاً، وسار على مهل حتى بلغ داره، اتخذ مجلسه، وطلب إحضار "سمبو". حضر الخادم يرتجف. اعتمد الشيخ في مجلسه على عصاه، نظر إلى "سمبو" نظرة خاوية، كمن فقد اهتمامه بالأمر، سأله:
- نحن نشق البطيخ بالسكين، أم بالمقص؟
قال "سمبو" بإخلاص: بالمقص ياسيدي.
شقت العصا الضخمة الهواء، واستقرت على كتف "سمبو" الذي صرخ بفزع. حمد الرجال الواقفون الله، أن العصا لم تصب رأس سمبو، وإلا لقتلته في الحال. تمالك الشيخ "علي" نفسه، مدهوشاً من قوة الضربة، استعاد رباطة جأشه، وسأل : نحن نشق البطيخ بالسكين، أم بالمقص؟
رد سمبو باكيا: بالمقص ياسيدي.
كأنما جنت العصا، انهالت في ضربات قوية، متلاحقة على جسد الخادم كيفما اتفق، دون تدبير. لم يفلح الرجال في السيطرة على غضبة الشيخ، حتى تعب هو فتوقف، وجلس يلهث، بينما "سمبو" يتلوى من الألم.
صرخ الشيخ: أوقفوه.
وقف "سمبو" عاجزاً عن السيطرة على نفسه. نظر الشيخ إلى الخادم.
- نحن نشق البطيخ بالسكين، أم بالمقص؟
رد سمبو: بالمقص ياسيدي.
انتفض الشيخ صارخاً في رجاله: خذوا هذا الولد، واتبعوني.
خرج من الدار، سار في الطريق المترب الطويل، دار عند الطاحون حتى وصل الى الجسر فعبره، يتبعه الرجال ممسكين بالخادم، حتى توقف عند المصرف الكبير، فتوقف الرجال
سأل الشيخ: نحن نشق البطيخ بالسكين، أم بالمقص؟
أجاب سمبو: بالمقص ياسيدي
صاح الشيخ بغضب: أغرقوه.
هبط اثنان من الرجال ممسكين به، بدلا من إلقائه في المصرف، كأنما ليعطوا الفرصة لتردد الشيخ، مضوا متوغلين حتى بلغوا الجزء العميق من المصرف، كان الماء قد طال صدورهم، فتوقفوا، زعق الشيخ:
- نحن نشق البطيخ بالسكين، أم بالمقص؟
قال سمبو: بالمقص ياسيدي.
صاح الشيخ: أغرقوه. وطعن بأصبعه الهواء إلى أسفل.
جذب الرجال "سمبو" إلى الأسفل، وكانوا الآن يرغبون بالفعل في إغراقه. غطست رأس سمبو تحت الماء، وارتفعت ذراعه تضرب الهواء. ارتفع صوت الشيخ:
- نحن نشق البطيخ بالسكين، أم بالمقص؟
كانت رأس سمبو تحت الماء، ولكن ذراعه المرفوعة انفرجت أصابعها تمثل حركة المقص، ثم تهدلت، وسقطت في الماء. استدار الشيخ عائداً وسط رجاله، وهو لا يكف طوال الطريق عن السب، والهذيان.

خيري شلبي
أعلى