طالب عبد العزيز - قصائد التذكر والنسيان

1
قبالةَ َ المرسى الخشبيّ
في جزيرة (بيننك ) بماليزيا ،
حيث الطريقُ واحدة ٌإلى الغابة
ولما يَئن للربابنةِ بعدُ ، إسكاتُ المكائن
كانوا ، ُيمسكون بالدّفات ِ حسبْ .
ثمةَ شمسٌ على القبعات ..
وِبحَيْرَةِ مَنْ تناهَبَهُ الوقتُ،
ظلَّوا ، ينتظرونَ تراخي الموجِ على الطين .
لكنَّ بحّارا ،بخُفٍ من ليفٍ وصَنْدل
هبطَ مسرعاً ، مثلَ سناجبِ لِنكَّاوي المرقَّطة،
حتى أنَّ الظِّلالَ لم تكدْ تلحقُ به .
فجأةً، خلعتِ الريحُ جناحيه
سقطَ البحرُ من ذاكرته
وصارتْ جذوع ُ النخلِ عميقة ًخلْفه ،
.......
نحن ، الذين ما زلنا على يمين ِالمركب ِ،
أو في العَنْبارِ الرطْب ..
حيث يقطّعُ الموجُ عُرواتِ الحقائب
والذين ستبقى رائحة ُالمقاعدِ في ثيابهِم
حتى آخرِ النهار . لم نعدْ نراه،
نحن ،نختلفُ على لونِ قميصهِ حسب
هذا الذي تعدُوه ُالنمورُ هناك.
شيئا فشيئا .. صار ينسى مراكِبه ُ،
في غابةِ السناجبِ،
التي نغادرُها الآن .
2
ستترُكُكَ الجزيرةُ خضِلا ً،
تقولُ بائعة ُالأنتيكات على الساحل
وحين تنسحبُ من بين يديْ كوالالمبور
تذكّْر شجَرَها الرّطْب َ،
سلالمَ معابدِها الهَرِمة ،
وإنطفاءة الشارعِ خلفَ الجبل
أنت َالذي تمضي بطيئاً إلى السُهوب .
ومثلما وقفت،َ خائفا ًتراكمُ بعضَك َ
على طاولةِ ُمرِّوض ِالنمور
ستقف ُطويلا ً،على دكِّة ِالمطَعم ِالشَّرقي،
في شارع ِالعَرب ..
بين عارضات ِالمَساج ِ .
ولنْ يستغرق َالوقت ُكثيرا ً
كي يَطبعَ القَّواد ُعلى كفَّك ِإذّْن َالدخُول ِ
فكنْ صَبوراً على الليل هنا ،
لأن النهارَ بحجم ِسَراويلِ الكمبوديات .
صغيرٌ ، صغيرٌ جدا ياصديقي :
أيَّهُا الخَصَيبيُّ :
وأنتَ آخذ ٌطريَقك َإلى البيت ..
على النهر المنسرح إوزا وأشنات
تذكَّرْ ،أيضا ً
أن َّ اللواتِي تسللنَّّ من سريركَ في الفجر
ُهن ََّ مَنْ رقصْنَّ عارياتٍ معكَ في المَعْبد
كنِ ِالتذكَُّرَ
وكن ِالنسيانْ .
3
رُكَّابُ ُالعبَّارةِ ناموا
والذينَ تركناهم على الرصيفِ، كذلك
بائعة ُالمَتّْجر ِالسَّمراء ..
التي راودتك عن فساتينها أمس
ومؤجرو المركباتِ تحت ُمتحفِ الأسماك
المُرشِدُ البحريُّ بناظُورهِ الطويلِ ، أعلى البُرّج
النخيلُ البعيدُ،البعيد ..
الذي دأبَ ،يلفُّ الضَّاحية َمن الشَّرق
والطرقاتُ التي تتلوى صَباحاً
قبلَ إرتماسِِ الشمسِ بالسَّنادين
طائرةُ الورق ِالتي َسقَطت ْ
من يدِ الطفلِ الانجليزي،
على السرير ،حيثُ يَرقدُ أبواه .
ناموا ُ، كلُّهم،
فتَّتَ الزَّبدُ أقدامَهم ،
ولم يَعُدْ الموجُ يوقِظ ُأحداً ،
في الغٌرفِ المُفتَّحةِ الأبواب ...
كانت الريحُ باردة ً في الأعالي
وَحّْدَكَ ، ثملا ًوحزينا ، تقْتفي الآن َ،
وجَّه َ القمرِ الشرقي،
في الليلة ِالثلاثين ،
من ضَياعِك َفي غابة ِالمطَر.
وحّْدَك َ تنسى
وَحّْدكَ تتذكََرُ
أو تكاد ..
أنَّ السُّفنَ التي تغيبُ في البحار ِ
وخلفَ الغيم ،
لنْ تقولَ وداعا ً
هي التذُّكرُ
وأنت النِسّيان .
4
قالَ : نلتقي عِندَ (مِربَضِ ِ الأسُود)
لكنَّه ُ اختفى في فَم ِالنَمْر ، (حانة ِ الأمس ِوالغَد)
حيث ُالمَطرُ لمَّا يزلْ باهتاً على التماثيل . .
ومستحماتُ الليلِ لا ُيشْبِهنَّ مُستحِماتِ النًّهار
كانتِ الظِّلالُ تمحو قُبَّعاتِ القادمين ..
فيما تنشغلُ النساءُ بترتيبِ الكؤوس
هم يغطونَ القواريرَ الكبيرة َ بالزهر
ويغمطونَ حقَّ الصغيرات ..
آخرون ، قدَّموا النبيذ َعلى السَّمك ِوالفاصُولياء
وظلَّ المَسَّرحُ َمسرحاً حتى شقَّ البحرُ
قميصَ الليل .
كان الموجُ يهزُّ على النائمينَ الستائر
لكنَّه ُ ظلَّ يأتي ويذهبُ
ثم يذهبُ ولا يأتي
وحينَ التقطَّتُ حَجراً لأوقِظَهُ
كان َالماء ُ حائلاً بيننا
الماءُ الواضح ُ
خلفَ زُجاجةِ النبيذِ الكبيرة ْ.
5
في مَفازةِ الأَبنوسِ، أو في المَعبدِ،
على المرقاةِ التي لا تنتهي...
في الأعالي .. هناك ،
حيثُ القردة ُصَفَّانِ على الخشب ِالمائل
فرحة،ً تخمشُ أحذية َالسائحاتِ البدينات .
ساعةَ يتشكَّلُ الصًّوان آلهة ً،
في المحاريبِ ..
هذا التأريخِ السريِّ .
أو على خاصرةِ الجبلِ البلهاء
حيث يتلوى الوقتُ شرقيا
والأرائكُ لما تزلْ طيعة ًبيدِ الليل،
خائفة ًمن تباعُدِ أصابعِ المُودِّعيِن
في الصباح ..
على جناحي النَسرِ عندَ المرسى .
صبياتُ الساحلِ ،نصفَ عاريات ٍ
ُيزجِّجنَ مداخل َ البيوت
حتى يشفَّ المطرُ تحتَ أقدامِهن
هناك ...
ستقفُ بقرة ُالشمس ِالهندوسية
لِصقَ كتفي بوذا العظيم
بقرنينِ معقوفينِ إلى السماء،
وقد غامت كثيرا .
آخذو السلالمَ إلى المعبدِ يقترحونَ الدُفلى
ويقترحُ النازلونَ ألآسَ
ومنذُ الثلاثاءِ الماطر
كان السيَّاحُ يهبِطونَ المراقي الألفَ
فلا يصلون..
فيما يُمسكُ هؤلاء بعراجينَ بعضِهم
هم يلوِّنونَ الوقتَ بالمظلات
فجرَ أمسِ، امتلأ الوادي بالزهر
أكان الآسُ التذكرَ؟
أكانتِ الدفُلى النسيان ؟
6
حيثُ تنكسرُ الشمس ُ
ينتهي البحر ...
وحيثما تمتدُ يدُ الموجِ، أجدُك ِ
أنتِ تلامسينَ الأشياءَ كلَّها
فلا ُتربكي الحروفَ،
ولا تَصفَعي المعنى بمِكنسةِ السئوال
يا آنيةَ الظلّ .. أيتها الباردةُ على البلطيقِ الآن َ
لمّا تزل ،ُتقسِمُ الريح ُ
إنها فساتينُك التي على أباريقِ ِ النبيذ
وفضتُك التي تتيبسُ في الخشب
وهذا الملحُ ، ُبحةُ صوتِك ِ بعدَ السُّكْر
وصَيفُ قدميكِ الذائبتين .
فخذيهِ ،خذيه ِ.. الماءَ الذي يتكسَّرُ تحتَ مرآةِ إبطك
يا سيدةَ الموجِ والمظلات
هذا القلبُ الشيخ ُ،
كيسُ القلائدِ والأقراط
سيتذكرُكِ كثيرا على المراسي ،
وعلى الطُرقاتِ،
التي لا تنتهي إلى الماءِ دائما .
7
فجأة ً ،
أرختْ سيدة ٌمِقعَدها ،ونامتْ
في الجزيرةِ التي يلفُّها الغيمُ من الشرق
وتغمِرُها الشمسُ ساعتينِ في النهار .
ولكأنه لم يصطَبحْ أبدا ..
هذا الظامئُ الأبديُّ ،الموجُ..
منذُ الصَّباح ،
راحَ يشربُ صدرَ السفينة
الموجُ الذي ينفلق الآنَ ،
ظلَّ أبيضَ، ثلجيا ً،
حتى إنتصفَ الخشبُ المحيط .
السيدةُ في مِقعدها الرطبِ
لم ُتوقظِها صَيحاتُ العُمّالِ السُّود
وقبلَ أنْ ُتسمِّي ُالريحُ وجهَتهَا
حلَّ الظّلام ،
صارت الطريقُ قناطرَ ضوءٍ ٍومظلات
صارت القِردة ُ تعثرُ بأقدامِ السائحين .
وحيثُ يصّعدُ الموجُ ،كانت السلالمُ تهبِط ُ
فيما الحبالُ على الجانبين ،
تبتكرُ مسالك َجديدة ً للقادمين..
ولأنَ المطرَ لا يني واثباً على رقبةِ الجبل
ُيباعِدُ الفلاحونَ بين الأغصان.
وفي الأزقةِ ِالمهجورةِ المظلمة،
ُيقايضُ البَّحارةُ الخمرَ بالنساء
فيما تسرِقُ الببغاواتُ السراويلَ المعلّقة .
.. على الساحلِ في لنكاوي
حينَ أفاقتِ السيدة ُ
أسرعتَ تغطي عُصفورَكَ الميِّت
ها أنت، ُتعجِم ُ ما تفصحُ عنه المسافات
قلْ لهم وداعا :
شجرة َالمانجو العمّلاقة ،
أقدامَ المستحماتِ الصغيرات
وبائعَ التذاكرِ الذي أوهمكَ باحتراقِ بيته
راكبي الطرقاتِ التي لا تنتهي
الخارجينَ من الظلال شجرا
والواصلينَ البحرَ قبلَ البحر ،
الذينَ تبتلعُهم الغابة ُ،
كانت الريحُ تكتبهم على النوافذ ..
كانت الشمسُ ترسمهم على الشرفات
هم اليوم ..
ممنوعونَ من التذكّر
محروسونَ من النسيان .
أعلى