ناصر الجاسم - النزر.. قصة قصيرة

نجم الشتاء المسمى سعد الذابح يعلن عن ظهوره في السماء بغبرة كثيفة وباشتداد نباح الكلاب الليلي، والعجوز غنما في ضحى اليوم الثاني من ظهوره تواسي في برحة البيت الطيني حفيدتها جوزه التي أجهضت حملها الأول بصوتها الواهن الآتي من خلف ملفعها الحامي وجهها من عضات ذباب الربيع الذي بكر في ظهوره، وذلك من خبرة مرات حملها بأبنائها الاثني عشر، لتتغذى جوزه جيدا، وتحلم بالحمل من جديد، وتكف عن المنازرة مع نساء أخوتها : الطراح يا بنتي يطرح أمه، وفيه من قالت: السقاط يسقط بأمه، والمركب مشى بحريم الرجل وما مشى بحريم الحما، واللي تحت الفحول ما تحول،
ومن غبى ما ربى ، والحمل بالولد يشين وجه أمه ويشهيها أكل المالح، والحمل بالبنت يحلي وجه أمه ويشهيها أكل الحلو، وجوزه بلون وجهها الأصفر وعينيها الغائرتين انتهت من شرب الدارسين المغلي بالماء، وبيض الدجاج الأسود، لتنظف رحمها من بقايا جنينها الممزق، وأخذت تراقب بحسد زوج الحمام الذي عشش في سحارة البرتقال الخالية والكائنة فوق الزوائد الجذعية لأعمدة الغرف، والذي نشط في تعليم فرخيه على الطيران القصير من فوق جدار إلى فوق جدار آخر من جدران المنزل وهي تقول في سرها: عمر ضناي هزاع عمر هذين العشين الجميلين، فقد عرفت أنني حامل في نفس اليوم الذي وضعت أمهما فيه البيضتين، وبدأت الحساب والعد لي ولهما، كنت أتمنى أن ألده، وأرى عينيه وأشمه وأحضنه وأرضعه بعدما تفرض في بطني، وتسبحه جدتي غنما وتنفسني قبل أن تغمض عينها.

تقول البنات: نفاس العجايز ما فيه أحلى منه، وأن تعلق يدي ورجلي في السماء أربعين يوما، ودعائي يستجاب! وعياض بإزاره الجديد الأخضر المقلم المورد من البحرين فوق نخلته الطويلة ينبتها غير عابئ بالقليل المكشوف من عورته الذاوية، ويساقط مواساته على جوزه كرطب جني: الأولاد ثمرة من الرحمن، والطراح يايمه خلاله خضراء قاسية تنقشع من أمها النخلة وتؤذيها، والولادة خروج روح من روح، لكن إذا الله سهل تكون مثل الرطبة الناضجة تنخرف في وقتها ، ثم أخذ يحكي لها حكاية البدوي والفلاح ليسليها: سخر البدوي من الفلاح فقال : أنا أحسن منك ، فرد عليه الفلاح بقوله: ناد على غنمك، فنادى البدوي غنمه بصوته فمشت بعيدا عنه، وقال له ثانية: ناد على النخلة، ونادى البدوي على النخلة فلم تمش خطوة واحدة وبقت مكانها، فقال الفلاح: أنا أحسن منك، غنمك مشت وتركتك ونخلتي وقفت ولم تتركني!

نفضت جوزه وجعها، وقامت تطعم الطيور خبزا اجتهدت في تقطيعة قطعا صغيرة تناسب المروق إلى حواصل الطيور عبر مناقيرها، وعياض راح يحكي لغنما : النزر مافيه أشين منه ، مثله مثل الفالج والسلال، و ذيك السنة حين عرف خطاف أن أخته فرجه زنت طلب منها أمام الناس أن تغطي وجهها عنه، فرفضت، وصفعها على وجهها، فتنازر بها، ودقها المرض في ساعتها، وعالجها زوجها بالأدوية السبعة، وبالمئة دواء إلا دواء ، وبدواء الأدوية ، ولكنها ماتت ؛ لأن الجان اللي لفاها من الصفعة يهودي، وبغاه الشيخ لما قرأ القرآن عليها ونطق يسلم، ولكنه عاند و ما أسلم، وردت غنما على عياض بحكاية جوزه وعضات الذباب المتتالية تجبرها على التقطيع في الحكاية.

جوزه بنت غضه بضه لوقف البرغوث على خدها قضه ، مصليه مهلله، عافه كافه، نظيفة اليد والعرض، لا لها ولا عليها، آمنه مامنه، لا وجعه ولا تجعه في حفظ الله، إلين دخلت أغزيوه دخلة الشر علينا، تحمل شياطينها فوق رأسها، حتى طاح الجاعد وأنا قاعد مثل ما يقولون ، دخلت مغربيه و الجناني توها حاضره معنا على السفره، وصرخت ذيك الصرخة الطويله، وزقعت على بنتي: قومي يا السراقه البواقه، ياالمتسيتله المتخيتله طلعي أذهبي، الفتاشه العمانيه ورتني صورتك في طاسة الماء، وروعتها حسبي الله عليها وهي روعتها، وكانت الروعة سبه لها، وتبين أن ذهبها على أمها في العرس ترقص به.
قال الراوي: وتسلل الجن خفية إلى رحم جوزة دون أن تدركهم الأبصار ولا الأسماع، ولا يعلم أحد كم عددهم ولا دياناتهم، فانقضوا على جنينها، ومزقوه داخل بطنها، وختموا كل قطعة منه بآثار غضبهم وحقدهم على أمه جوزه، فكانت القطع الساقطة من الرحم في بيت الأدب زرقاء اللون، ولم تختم الجن القطعة التي كانت تؤكد أن نوع الجنين كان ذكرا !


الثلاثاء 16/6/2009 م _ 24 الواحدة صباحا./6/1430 ه

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى