عبدالقادر وساط الطاغية - يَغضب على وزير المرأة

- جاء في " إتحاف الخلان " :
حدثنا شيخنا أبو الفضل النجداني ، قال :
كان الشيخ أبو الحسن بن عدنان بن الخصيب ، الملقب بقطب السرور، وزيرا للمرأة و الحب و الغزل في حكومة نجدان . و كان رجلا تياها ، متعالما ، متظاهرا بالفصاحة ، متصنعا للعفة و الطهر .و كنا مع ذلك نُكْبرهُ لرباطة جأشه . و كان الطاغية يَعرف منه ذلك و يستثقله و يعرض عنه في المجالس و لا يخاطبه إلا في ما يطرأ من أمور الوزارة التي كان يتولاها . فلَمْ نذكر أنه كلمه يوما في موضوع آخر ، إلا مرة واحدة . إذْ كنا في مجلس الطاغية المستبد ، نتذاكر الأشعار، فأفضى بنا الحديث إلى أسماء الجبال في الشعر العربي ، فإذا بصاحب نجدان يلتفت إلى الشيخ قطب السرور و يسأله قائلا :
- أخبرني أيها الشيخ الوزير ، ألستَ من بني جذيمة ؟
فأجابه :
- بلى، أيها الطاغية .
فعاد المستبد يسأله :
- ففي أرض بني جذيمة جبل اسمه " بنان" ، ذكره الشاعر حين قال :
فقلتُ لصاحبَيَّ و قَلَّ نومي = أمَا يَعْنيكما ما قدْ عَنَاني ؟
أضاء البرقُ لي و الليلُ داجٍ = بناناً فالضواحي من بَنانِ
قال الشيخ قطب السرور، و قد بدا عليه الضجر و الفتور :
- لا أعرف هذا الجبل و لا هذا الشعر، أيها الطاغية .
قال الشيخ أبو الفضل النجداني :
فحدَثَ عندئذ ما كنا نتوقع حدوثه منذ فترة من الزمن ، إذ نظر المستبد بالله إلى الشيخ الوزير نظرة منكرة ، محملة بالوعيد ، ثم أمره بالنهوض حالا و الوقوف أمامه ، فلم يجد الشيخ بدا من الامتثال . إثر ذلك ، شرع الطاغية يتفرس في الشيخ المغضوب عليه من رأسه إلى أخمص قدميه ، ثم خاطبه بقوله :
-أيها الشيخ المغتر الجاهل ، الفدْم الغافل ، أراك تدعي الفصاحة و أنتَ أعيا من باقل ، وتمشي مشية المختال الفخور و أنتَ أقصرُ من يوم السرور ، و ترفع يدك في مجالسي عن الطعام و أنت أجْوعُ منْ كلبة حَوْمَل ، و تُعرض عن الشراب و أنتَ أعطشُ منْ ثُعالة ، و تتوسم في نفسك الشجاعة و أنتَ أجبنُ من الهجْرس ، و تظن أنك عاقل و أنت أحمقُ من لاعق الماء ، و تتصنع الأنفة و أنتَ أهْونُ منْ قُعَيس على عمته ، و تحسب أنك على هدى من ربك و أنت أضَلُّ من ضَبّ ، ويدور بخَلَدك أنك ميمون الطالع و أنت أشأم من البسوس ، و تدعي الصدق و أنت أكذبُ من مسيلمة ، و تتظاهر بالعفة و أنتَ أزنى من قرد ، و تزعم أنك نقي الجسم و الثوب و أنتَ أنْتَنُ من عش الهدهد ، و تحكي أنك كثير السهر و أنت أنْومُ من فهْد ، وتحلف أنك عديم الأذى و أنت أعدى من الجرب ، و تقسم أنك حليم و أنتَ أحقد من جَمل. و قد غرك مني إغضائي عنك ، فحسبتَ أني مأمون الجانب و نسيتَ أني ينطبق عليّ قول خداش بن زهير :
و قتَّلتُ الرجالَ بذي طواءٍ = و هدمتُ القواعدَ و العُروشا
قال الشيخ أبو الفضل :
فبقينا نعجب و الله من هذا الكلام الذي ارتجله الطاغية ارتجالا ، ونعجب أكثر من الشيخ قطب السرور الذي كان يصغي إليه دون أن يرف له جفن ! ثم رأينا المستبد بالله يشير إلى صاحب شرطته، و إن هي إلا ثانية حتى اقتيد الشيخ إلى خارج القصر، في انتظار تسييره إلى الكثيب. و منذ ذلك اليوم لم نسمع عنه خبرا و لم يره منا أحد.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى