حيدر عاشور

فجأة وجد نفسه إزاء موقف لا يحسد عليه، ولم يفكر يوما بأنه يفكر في شخص أخر أو يعره أي اهتمام بعد أن عانى كثيرا من رتابة وملل الحياة التي يغوص في بقاياها...وجد نفسه مرة واحدة عاشقا، ومد لها حد النخاع.. حلما بتلك المرأة الارستقراطية المزهوة بجمالها وكأنما يتسلم شفرة سرية ،فلقد ايقظت في أعماقه أحاسيس...
منذ زمن سحيق وانت تردد مع نفسك بان لا احد في هذه الحياة الكالحة يفهمك فالزوجة عبارة عن حاسبة مالية تتعامل معك بالدفع العاجل فقط ولا تفكر اطلاقا من اين تأتي انت بالمال، اما طلبات الاولاد فلها بداية وليست لها نهاية وغالبا ما تقف الزوجة خلف الستار لتدفعهم لكي يمثلوا عليك ادوار العوز والحاجة، ودائما...
أدمن كتابة الرسائل ومراجعة دائرة البريد والتزاحم مع المراجعين والمتقاعدين من اجل ان يرى عينيها السوداوين الجميلتين وشعرها المتمرد تحت غطاء رأسها المزركش وادرك ان يوم الخميس الخالد قبل عامين كان يوم ميلاده الحقيقي وقد اخبرها بشوق وعشق بأن ساعة التعرف عليها وبتلك المصادفة العفوية هي عيده الروحي،...
خرجت من كل شيء خاسرا، العمل المبكر ابتلع طفولتي ، وحاصر مراهقتي، الحروب انتزعت مني أجمل الأيام وحرمتني من أي طعم للفرح، فغدوت جسدا بلا روح ، كائنا مهشما يرثي نفسه ويحصي خيباته ومازالت الأيام تعبث بسكينته... في تلك الظهيرة نهضت من فراشي وقررت دون تخطيط مسبق أن أضع لحياتي في هذا اليوم حدا وأسدل...
ليس غريبا أن استرجع ذاكرتي الى الوراء وان ارتب أشيائي نحو الأفضل والأسمى ، وان أفكر بنفسي وانسيها من أساء لها وأقلقها ، هي قدرتي في محو صفحات من حياتي مشبعة بألم وحزن حد البكاء وان ابدأ بصفحة جديدة انقش فيها أحرفا من نور . لذا قررت أن أعيش حياتي بدون حبيب وان اعشق كل جميل ولطيف وان أتسامى...
كل امرئ يقذف الى هذا العالم الغرائبي يحمل في أعماقه هوسا خاصا فهناك من يولع بالنساء وأخر يتعلق ويتعبد في محراب المال وغيره يهيم في التجارة أو الصناعة أو السفر وهناك من يحمل شخصية اشراقية يفيض على الآخرين بينما يتوغل غيره في شخصية سوداوية يبحث عن ضحايا يصنع لهم الفخاخ والأذى بكل أشكاله . الكل...
لم يبق له من شاغل سواها منذ ان تعرف عليها.. قبل ثلاثة أشهر، وظل يتردد على الدائرة التي تعمل، وفي كل مرة كان يبحث عن حجة وتبرير الى ان استعصى عليه ان يذهب مرة اخرى، وبدأ يتصل بها بالنقال وينفق الكثير من المال مقابل سماع صوتها وطريقتها المميزة بالكلام، وشعر وهو يسير بجانبها في حديقة ابي نؤاس انه...
قرر توفيق سلمان فجأة ان يكتب مذكراته بعد ان افنى ثلاثين عاما في تصليح السيارات بأنواعها على الرغم انه تخصص في السنين الاخيرة بتصليح السيارات اليابانية ، ولهذا يعزو الكثير اطلاق تسمية ( توفيق الياباني) ، ولهذا يعتز بهذا اللقب ويضحك بقوة بينما يهتز كرشه المتقدم قليلا امام جسده معلنا عن حال ميسور...
مع اندلاق الومضات الاولى لفجر كانوني يرسل لسعات برد تنبئ بنهار بارد توجست خفية وأنا اترك دفء الفراش لئلا يبخر الزمن ،وأغادر بسرعة جنونية وصوت أمي يلاحقني بأن اتناول فطوري ، اليوم هو غير الايام وعليّ أن اثبت جدارتي في أول تحقيق صحفي اكتبه ، وقد اخترت ( مسطر) عمال البناء وما فيه من مكابدة والبحث...
لم يبق لي في هذه الحياة الغارقة بالأحزان وطغيان الالم والأنين الذي رافقني منذ موت ابني الذي كاد يلتحق بالجامعة بعد ان انهى دراسته الاعدادية ،كان مولعا بالشعر منذ صغره ربما كان تأثيره بأمي التي كانت تنشد الاشعار الحزينة في المناسبات المؤلمة لاسيما في نهايات الليل ،وفي خلوتها وعزلتها في غرفتها...
منذ صغره تعلم الرسم قبل كل شيء، قبل تعلم الحروف وسائر المعارف الأخرى... رسم صورة أخيه الأكبر وأخته ومعلم الرياضيات الذي يكرهه ويتمنى أن يفصل من المدرسة، فهو لا يأتي إلى الصف إلا والعصا الغليظة معه... كبرت خطواته وسارت الأعوام سريعة، نظر إلى المرآة وأدرك أن الوجه الطفولي قد اختفى، ويقف أمام...
اطفأتِ النور وتركت جسدها المتعب يرتمي على السرير، امتدت يدها دون شعور منها الى المذياع فتدفقت الاصوات واختلطت الاذاعات: قررت القوات الامريكية سحب اخر لواء لها عبر الاراضي العراقية تطبيقا لاتفاقية الانسحاب. ادارت موجّه المذياع: الفيضانات تشرد سبعة ملايين من سكان باكستان، الحرائق تجتاح روسيا...

هذا الملف

نصوص
87
آخر تحديث
أعلى