مي عاشور

أمسك عسكريان من عساكر الدرك بإدريس وأخذاه. وصل الحال بإدريس أنه لم يكن قادرا على التحامل على قدميه; فقد أوسعته قوات الدرك ضربا مبرحا, وبالرغم من ذلك كان يحاول المشي وهو يعرج. اعترف أخيرا بذهابه إلى مسجد الإمام كوي في صلاة العيد, وسرقته للمصلين هناك. رغم أنه لم يكن يعرف أي شيء عن هذا الأمر...
كانت لدي هواية عظيمة في السابق، ألا وهي النقاش عن الحياة, وفي أوقات كثيرة كان يغمرني شعور عظيم, في كل مرة كنت أمارس فيها هذه الهواية، وهذا الشعور جعلني مستمتعا بهاـ لا أكل منها أبدا. حتى أتى يوم، ولا يزال قلبي يخفق حتى الآن, كلما ذكرت بهذا اليوم الغاية في السوء. ففي ذلك اليوم, كانت الصديقة التي...
لم التق بوالدى لأكثر من عامين، وأكثر شيء محفور في ذاكرتي ولا أستطيع نسيانه هو هيئته من الخلف. رحلت جدتى في شتاء ذلك العام، وانتهت مدة عمل والدى، مررنا بأيام قاسية توالت فيها المصائب. قررت العودة من بكين إلى شو جو، لأحضر مع والدى المأتم، وعندما وصلت إلى هناك لرؤيته، كان فناء المنزل ممتلئ بأشياء...
عندما رأيتهما في تلك الحديقة جذبني إليهما شيء لا أعرفه، جعلني أتتبّعهما بعينيّ، على الرغم من بحر الرؤوس السوداء الذي كان يغمر المكان. كانا مسنّيْن تجاوزا الثمانين، ولكنّ البريق الكامن في قلبيهما ينعكس بوضوح على وجهيهما، فيكسو الخطوط والتجاعيد التي حفرها الزمنُ بحيويّة عجيبة. كانا يسيران...
عزيزي وانغ: قد نكون في مكانين بعيدين، تشرق الشمس عندي ، بينما تغيب عندك؛ ولكننا على الأقل نتنفس نفس الهواء. كُنت أمس في حجرة مكتبي ، ووجدت بين مجموعة من الأوراق ، صورتنا وتلك الورقة التي تركتها لي قبل مغاردتك من القاهرة، مكتوب فيها عنوانك واسمك. حاولت البحث عنك عبر شبكات التواصل الاجتماعي...
إن الروح تشعر بقدر من السكينة المسبقة لتواجدها في مكان ما، فتسوق المرء إليه بلا تفسير. أخيراً …أفضى بي ذلك الزقاق الطويل الذي سكنت فيه إلى شارع فسيح، ظننت أن هذا الزقاق لا نهاية له، تركت نفسي أسير مع سيل الطريق، الذي يقسم البيوت القديمة رمادية اللون، حمراء القرميد والنوافذ على جانبي الطريق،...
ذات صباح، عندما تنهضون من فُرشكم، تكتشفون أن قشرة طلاء الحياة بدأت في التصدع. تحملقون إلى عينوكم وكأنكم تتأملون وجه يائس وطاعن في السن.. يطل وجه الحقيقة الحزين الذي كان مغطى بالطلاء المتساقط من دورة المياه. تملأ كفوفكم رعشة قلق من الماضي لا يمكن أن تُخفي، والمعلوم أنها هي تلك قصص الهروب...
انبعث هواء بارد من مكان ما، فاخترق دائرة الحرارة الصيفية الخانقة، ثم تبعته رياح رقيقة متتالية. بدأ الصيف في الانسحاب تدريجيًا، وانشرحت الصدور. باب موصد ونافذة مغلقة… ظلت روحي بهذا الشكل لأيام وشهور، معتمة، قاتمة، تفتقد الهواء، أبحث عن منفذ لأخرج منه ولا أجد. حتى ظننت أنني سأظل حبيسة هناك إلى...
إلى أسين بعد وقت طويل جداً حَلّ المساء. أدجن ليله بشكل غير عادي، وعميق، وداهم للغاية. أتذكر أننا مشينا تحت الأشجار لفترة وجيزة، ثم قفز الذين كانوا بصحبتي إلى الماء؛ فربما عدت إلى المنزل لذلك السبب. لا أدري، ولا أتذكر. في البيت كرسي بذراعين أجلس عليه يومياً، لأتأمل جداراً متعرجاً غير مستو،...
لا يكون الأمر مملاً تماماً حينما يداهمني الأرق. بعد الساعة الرابعة والنصف فجراً، يمكنني أن استمع إلى صوت مبهم غير واضح لكنس الأرض، منبعث من خارج النافذة؛ بعيد ويدنو، خفيف ويحتد، كما أنه غاية في الرقة، وكأنه طراز حديث لسلم موسيقي ابتُكر خصيصاً. ينشغل تفكيري أحياناً بعامل النظافة الذي يكنس الأرض،...
عشتُ لوقت طويل دون حب، لم يكن بسبب وجود طقس مطير ولا لكونه فصل الخريف، لكن فقط لأنني كُنت قد تحررت من حب قديم، وعجزت عن بدء حب آخر جديد. كان الحب بالنسبة لي عادة قديمة. في وقت من الأوقات كان يتملكني فضول لمعرفة كيف يعيش إنسان بلا حب، وكيف يأكل، وكيف يتجول، وفيم يفكر. على كل حال فهذا الإنسان لا...
تقول الفتاة، أنه لا يمكنها أن تكون مع من تحب الآن، فتعلق نفسها بأمل لقائه في يوم ما، من سنة ما، في مكان ما. أيمكن أن يحدث ذلك فعلاً؟ دائمًا ما تكون قلوبنا مفعمة بالأمل عندما نقول يوم ما، من سنة ما، في مكان ما، وفي الوقت ذاته يخالجنا شعور بالإحباط؛ لأننا ندرك لو كان الأمر متاحًا الآن، ما كانت...
رائع حقًّا! أهداني صديق زوجين من طيور الزيبرا. وضعهما بداخل قفص بسيط من أعواد البامبو المضفرة، بداخل القفص كانت توجد أيضًا لفافة من العشب الجاف، التي كانت بمنزلة عش دافئ ومريح لهما. يقال: إن هذا نوع من الطيور يهاب البشر. عَلقت القفص أمام النافذة، حيث كانت هناك أصيصة لنبات الغيلان الفرنسي مزدهرة...

هذا الملف

نصوص
28
آخر تحديث
أعلى