شيرين فتحى - لا يجب أن تكون بدينة..

كان لا بد له أن يقضى عليها، لقد خربت حكايته، لن يحتفِ أحد بتلك الرواية التى أصبحت فجأة هى بطلتها.
هى لا تحمل المواصفات المطلوبة للبطلة، لا يعرف كيف وقع بطلا القصة فى حبها وجعلاها البطلة.
لا يجوز أن تكون البطلة بدينة هذا كفيل بإسقاط الرواية، هكذا قال لنفسه لا يجوز لامرأة بدينة أن تتمكن من مراقصة بطلين بكل تلك المهارة التى قامت بها البطلة، "لا يجوز لها أن ترقص أصلا".
لم يدرك كيف غافلاه ووقعا كلاهما فى محبتها، حاول أن يكمل الرواية على هذا الأساس لكن ارتباكه الشديد وخوفه من سخرية القارئ منه جعله يحاول الخروج من هذا المأزق.
وبالفعل خلق للبطلين شخصية جديدة أكثر جمالا وإثارة من البطلة ووضعها فى طريقهما معا بتمكن، لكن الغريب أن علاقتهما بتلك الجديدة لم تدم لأكثر من ثلاث صفحات، عادا بعدها لمطاردة بطلتهما التى كان قد بدأ الكاتب أن يكرهها.
فكر الكاتب فى أن يقتلها، وأن يضع لها بعض السم فى الفصل الثانى من الرواية فينتهى منها تماما، ويتفرغ بعدها فى صناعة بطلة أخرى تحمل المقاييس المضبوطة للبطلات، لكن أحد البطلين كان قد أدرك فكرة الكاتب الدنيئة فهدده بانسحابه من الرواية كلها وأخبره أيضا بقدرته على إقناع البطل الآخر بالانسحاب.
فاضطر الكاتب للعدول عن فكرة قتلها، لكنه فكر فى أن يتمادى قليلا فى تشويهها حتى يؤثر ولو قليلا على مشاعر البطلين فيعيدا النظر فى قصة حبهما تلك.
لكن الغريب أن صمت البطلة التام واستسلامها لكل هذا التشويه الذى قام به الكاتب لم يزدهما إلا تعاطفا ومحبة أكثر للبطلة.
وأخيرا اضطر الكاتب إلى أن يغافلهما ويزوجها فى سطرين صغيرين من رجل لا تعرفه، وصنع لكل منهما فيما بعد امرأة خاصة.
لكن البطلين تجنباه تماما وقررا مقاطعة القصة، ولم يتحركا من أمام السطرين اللذين زوج فيهما البطلة للرجل الغريب،
أخذ الكاتب فى الاكتئاب بعدما حاول فاشلا أن يخترع أبطالا آخرين، لكنه فوجئ بعجزه التام عن تنفيذ تلك الفكرة.
وفوجئ بعد عدة أيام بنية بطلته الكريهة على كتابة مذكراتها عن الرواية وعن ظلم الكاتب لها وعن حزنها واستسلامها التام لكل ما فعله بها.
كتبت أنها كانت تقدر ارتباكه أمامها بل أنها كانت مستعدة تماما لتناول السم الذى كان ينوى قتلها به فى الفصل الثانى كى تريحه من حيرته، كانت تعيسة لأنها لم تتمكن من اقناعه بوجودها معه فى القصة كبطلة، فعلى الرغم من اعترافه بأنها كانت تؤدى دورها بطريقة أكثر من رائعة إلا أن بدانتها تلك كانت كفيلة بإفساد كل شيء تماما.
كانت متأكدة فى أنه لا يجوز للبطلة أبدا أن تكون بدينة، لكنها لم تحاول أن تلوم الكاتب الذى صنعها ولا حتى لامت الظروف التى أوقعت البطلين فى غرامها، فهى لم تكن تتمنى أن تصبح البطلة، كل ما كانت تحلم به أن تؤدى مشهدين صامتين فقط فى إحدى صفحات الرواية.
لم تكن تحلم بملامسة الأبطال ولا حتى القراء، كانت تحلم بالفرجة عليهم فقط من قريب، ربما لهذا كانت هى أيضا حريصة على ألا تزيد من حيرتهما، كانت تعلم أنها كبطلة قد تنقص من قدريهما كأبطال أمام القراء لمجرد محبتهم الشديدة لها.
لهذا كانت راضية ومستسلمة تماما لكل ما قد قرر الكاتب فى فعله بها حتى بعدما اختصر قصة زواجها فى سطرين فقط، وكأن التعاسة التى ألقاها بها لم تكن لتستحق منه حتى بعض الاهتمام.
شعر الكاتب بظلمه الشديد للبطلة بعد قراءة مذكراتها التى كانت تنتوى نشرها فى الفصل السادس والأخير من القصة، فقرر ألا يكمل الرواية وترك أبطاله معلقين فى الفراغ.
وامتنع تماما عن الكتابة حين أدرك عجزه التام عن التحكم فى مجريات الأحداث.



شيرين فتحى

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى