ريم العيساوي - الشــك.. قصة قصيرة

السيّارة تبتلع الطريق ابتلاعا . والمقود بين يديك مارد متجبر . وعيناك تلاحقان سيارة اجتازتك، يقودها رجل وسيم، تجلس حذوه زوجتك وهى تداعب شعره بأصابعها الرقيقة البضة.

احترق قلبك غيرة فقررت مجاوزة سيارة غريمك . . دارت في خلدك فكرة الانتقام . . ضغطت جَهاز السرعة وكدت تدوس المترجلين . أبطأ الضوء الأحمر . وغلا دمك لوقوفك .. لعنت هذا البطء خوفا من انفلات غريمك .. اصطكت أسنانك وتصلب شعر شاربيك لعنت حبك الصادق وقلبك الوفي وودك الصافي لزوجتك اللـّعوب . لم تكن تتوقع منها هذه الخيانة ... " لعله زميلها في الشغل أراد أن يوصلها ؛ لأنك أبطأت في الاجتماع ".

ثم أحسست بانهيار صرح حياتك في طرفة عين . . . الضوء الأحمر والأعمدة الكهربائية وأنوار السيارات جحيم تنصهر فيه روحك . ضاعفت في السرعة ... وخرقت الضوء الأحمر وكدت تصدم سيارة معاكسة لاتجاهك وقلت : " لا بد أن ألتحق بها وأفضح ألاعيبها " .

وأصبحت في دوامَـة تقطع عليك أنفاسك ، فتحت بلور النافذة وتنشقت نفسا طويلا من الخارج.

ولم تعد تحسّ بقبضة يديك على المقود ، صارت دائرته مادة هشة كالقطن ... لم تعد قادرا على ملاحقة غريمك ... فسرعته تفوق سرعتك . وأخذ خيالك يؤلف رسالة توديع لزوجتك الخائنـَة ... تضعها على السرير بعد أن تجمع أ غراضك في حقيبة وتغادر البيت .. إنك لم تنجب منها أولادا واشتدت الظلمة فلم تعد تشاهد زوجتك وغريمك ... لقد حاولت بكل جهد أن تسابقها لكنك فشلت ، إذ كدت تدوس شيخا مترجلا وضغطت المكبح فارتجت بك السيّـارة في عنف وإذا أنت في المستشفى وخرق بيضاء تعصب جبينك، ويدك ورجلك في الجبس ، ويدك الأخرى مقطوعة تماما . وتناهت إلى أنفك رائحة الأدوية.

وتراءت لك صورَة الأطباء ، يتحلقون حولك ويفتحون صدرك وينزعون منه قطع الزجاج المهشـّم ويقلعون قلبك الوفي ويزرعون في مكانه قلبا خائنا . تلاحقت أنفاسك، وتصارعت دقات قلبك ، وأنقصت من السرعة ، ونزعت فكرة الموت من خيالك ، وفتحت زر الراديو داخل سيارتك وتناهت إلى مسمعك كلمات أغنية.

ترنمت بكلماتها ثم اهتديت إلى معناها ، فأخرست صوت الراديو وأشعلت سيجارة في حركة عصبية ، والسيارة تطوي الطريق وتلتهمه ، وأنت تهتز على مقعدك ، وتسطع جمجمتُـك السقفَ فصحت صيحة عالية وتاه بك منعرج حاد .. ربتت زوجتك على كتفك بلطف قائلة : " انهض يا عزيزي لقد طلع النهار ".

تململت في الفراش والعرق يغمرك . وأطلقت ضحكة عالية وعانقت زوجتك طويلا وغصت في حرارة القبل واستحضرت حفلة زفافك يوم حاذيت عروسك الجميلة المتألقة في السيارة ، وخلفكما باقة الورد الزاهية . يومها قلت في نفسك : " كم هي جميلة ورائعة حبيبتي ، إني أغار عليها " .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى