مسعود غراب - الكلب يقودني إلى البيت.. قصة قصيرة

خرجنا صباحا كالعادة ، مستأنسين بصفاء الحال ، الشمس لما تطلع بعد . كان أكثر مرحا مني وحيوية ، و كنت أستعين بعصاي المتوسطة الطول ، و المعكوفة قليلا في الأعلى ، أمسكها بيد ، و باليد الأخرى اثني طرف الحبل ، والذي لست أدري أكنت أشده به أم يشدني . الأكيد أني منذ سنوات خلت ، كنت اصطحبه معي لأهم الأماكن في هذه الناحية المجاورة ، حيث كان حديث العهد بالبيت ، وبالحياة . نستمتع بالسير في الشارع الشجري ، والذي يفضي بنا الى وسط المدينة ، حيث المحلات التي قد نمر عليها في طريقنا عند العودة .. أخذنا دربنا المعتاد ، كنت بطيئ الحركة ، ثقيل الخطو ، وكان مرحا ككل صباح ، يسبقني مرة ، و يتخلف أخرى ، يميل الى اليمين تارة و الى اليسار تارة أخرى ، يمر بين رجلي ، يكاد يسقطني ، ومرة يتمرغ على حافة الطريق ، أو يبسط ذراعيه ، وكأنه بذلك يعتز بفتوته ، ويستعرضها على الطريق التي ألفت رفقتنا. عندما نبتعد عن البيت يصير الكلب أكثر ملازمة لي ، وأقل حركة ، حيث يحرص الا يتركني وحيدا ، وكأنه يحس بحاجتي اليه ، وأصير اكثر حرصا على أن لا أرخي الحبل بيدي ، فقد يلهيه شيئ ما ، ويغفل عني ، أو اغفل عنه ، وأضل الطريق ... انه دائما يغمرني بوفائه ، و طيب العشرة بيننا ، فهو الرفيق الوحيد الذي كان يملأ علي حياتي بعدما قفرت بيتي من كل الاهل و الأحباب .، كان ينسيني الكثير من الهموم ، وأستعيض بوفائه عن الكثير من خيانة الناس ، وغدرهم ، ومن نفاقهم ، الا أنني دائما كنت أحذر طبع الكلاب.أخذت مكانا ما بعدما أحسست بشيئ من النصب ، واسترحنا . و أنا أهم بالرجوع ، ضربت من حولي ، لم أجد الا عصاي ، اعتمدت عليها لأنهض من مكاني : ياترى أين ذهب ؟ أنا متأكد أنه سيعود ، ولكن ليس هذا هو الوقت الذي يتركني فيه .. أوه ، انني لا أستطيع العودة بدونه ، ان بصري لا يتجاوز قدمي . أوه أين غاب هذا الملعون .. ؟؟بعد فترة عاد ، وبسط ذراعيه أمام رجلي ، وكأنه يعتذر عن هذا الغياب ، هممنا بالرجوع وطرف الحبل بيدي ، لم يعد يكثر الحركة كما في الصباح ، يلاصقني ،يسبقني قليلا . مشينا ..، ها قد توقف، ربما رأى شيئا ما ..؟ ، أحثه على السير .لا يستجيب .أحاول أن التفت هنا وهناك ، لم أرى شيئا ، ولم أسمع ، ..مازال الكلب رابضا بمكانه ، أحثه على السير ، أهش عليه بالعصا ولا يستجيب .استرقت السمع ، وقد عوى الكلب عواء خفيفا ، وحرك ذيله الملتوية التي لامست رجلي ، وكأنه يرحب بأحد ، وبقي شاخص البصر صوب الناحية الجانبية.حاولت أن أعرف ما الأمر ، تمعنت جيدا ، واقتربت بنفس الاتجاه ، تحرك معي هذه المرة ،و زادت حركة الذيل ، ولهاثه ، كأنما رأى حبيبا .ها أنا قريب من المشهد كانا شبيهين في كل شيئ ، لون واحد ، وقوام واحد ، وعينان يتبادلان الشوق .يلتفت إلي ، ويرفع رأسه نحوي وكأنه لا يود الفراق ، ولكن شيئا خفيا كان يجذبه اليها ، في النهاية جمع في عينيه معنى الوداع الأكيد.. جذبت الحبل ، لعلنا نكمل طريقنا ، ولكنه بقي ساكنا مكانه ، لم يسعفني الكلب ، وراح يقترب أكثر منها ، وراحت تلعقه بلسانها، إنها أمه . لقد فلت من الحبل ، وكأنه ارتبط بخيط آخر أكثر متانة ، وبقيت متكأ على عصاي ، و الحبل يتدلى بين يدي ، وراحا معا حبيبين رفيقين في الطريق ، و قد خلفا وراءهما معنا وذكرى ، وبقيت وحدي وسط الشارع الكبير.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى