زهرة ظاهري - رسالة أخطأت عنوانها..

"أجوس خلال الذاّكرة .. كلّ مامرّ علينا ، لحظات الصّفو القليلة ولحظات ارتباكي.. أذكر أن قلت لي مرّات عديدة "أعشقك " حين كنت أردّد " كم أحبّك "..
أذكر أنّك كنت في كلّ مرّة و لتنتشلني من تعبي وثقتي المهزوزة بالحبّ تخبرني بأن كل الأشياء متغيّرة أما الحبّ فهو الحقيقة الوحيدة الثّابتة ..
كنت أصدّقك وأمتلئ بالكون وبالحياة .. لم تكن لي حياة خارج مجرّتك . كنت قد نصّبتك الها ورحت أتعبّد في محرابك . أنهل من قسوتك الشّيء الكثير لأكون على قدر هذا الحبّ الّذي غزا روحي دفعة واحدة فتشظّيت .. لم أفكّر يوما أن تكون النّهاية عقيمة وبكلّ هذا الوجع ..
لم أكن أراهن على غير حبّي الكبير لك وتقديرك لهذا الحب ..
أذكر أن قلت لي يوما كيف يمكن للمرء أن يدير وجهه عن شخص يحبّه بكلّ هذا الصّدق في زمن لم يعد فيه للصّدق ولا للحبّ مكان .. كنت أصدّقك وأنتشي ..
أنا المتطرّفة جدّا في حبّك لم أكن لأطلب شيئا سوى أن تكون بأفضل حال وأن تحبّني قليلا ، قليلا فقط . فلا طاقة لك لتجاري جنوني ولهفتي عليك ..
اليوم وأنا على حافة أحزاني وأنت بكلّ هذا البعد ، لاشيء يجعلني أبكي .. وحده الصّمت يترجم كلّ أحزاني ، يسائل الزّمن وقلبي الذي مازال مسكونا بأشجانه وبك يسأل "لماذا"؟
أنت لاتعرف معنى أن تشتاق امرأة عاشقة لرجل ملك عقلها وقلبها .. لايمكن أن تدرك أيضا معنى الانكسار والتّشظّي حين تدرك أنّ بونا شاسعا يفصل مابينك وبينها .. لاأقصد المسافة المكانية ، أبدا . الحبّ لايهتم بالمسافات ..
البون يكمن في تلك الفروقات الشّاسعة بين ما أحمله تجاهك وما يمكن أن تشعر به حيال هذه المرأة التي ربما تراها غريبة الأطوار بحبّها الكبير وأحاسيسها الصّادقة.
هذا الإحساس القاتل أحاول دائما وقدر الإمكان أن أنأى به بعيدا عنّي حتّى لا أصطدم معك كلّما سألتك عن حقيقة مشاعرك تجاهي. فأجدني أكتفي بالقليل منك لأنّي لاأستطيع العيش بدونك وأظلّ أحلم بك .
لامناص لي من الحلم ..
ألست القائل بأنّه جميل أن نكون قادرين على الأحلام ؟
منذ أحقاب طويلة وأنا أقتات من حلمي ..
لاأعرف إن كان يحقّ لي أن أحلم غير أنّي أجدني مستغرقة في هذا الأمر دون أن أسائل نفسي كثيرا ..
أحاول أن أجد لي كلّ المبرّرات المشرّعة لذلك وأتكئ على كلامك : "أجمل الأحلام تلك التي تكون عصيّة التّحقّق ...تستدرجك لإعادة التّفكير فيها "
لابدّ أن يكون لي معك نصيب ما لأستمرّ في هذه الحياة ولأشعر بجماليّة الكون ورونق الوجود ..
ماالّذي أملكه غير أن أظلّ على ناصية حلم يأسرني إليك ؟
هذا الأسر أجمل مابقي لي بعد أن تبدّلت أحوال كثيرة .. مازلت أركن إلى قيدي وأستلذّ البقاء داخل سجنك الملوّن بأحلامي الصّغيرة ..
لمَ يستبدّ بي الحلم هذه اللّيلة ويزداد الشوق إليك ؟
أتخيّلني معك ، قريبة أكثر نتقاسم ساعات اللّيل ونتمنّى أن لاينتهي ..
كم سيكون الأمر جميلا بالنسبة إلي !
لاأعرف ماإذا كنت مسكونا بنفس الشعور ؟
يتبادر إليّ السّؤال فأحاول الهروب منه حتى لايتحوّل إلى هاجس ينغّص عليّ لحظة حلمي..
"ماالّذي تريدينه ، حدّدي ؟ "
بالأمس سألتني صديقتي وقد ضاق صدرها من شكواي..
أخبرتها بأنّني لاأملك أن أحدّد ..
قلت لها بأنّني أريدك أن تكون موجودا دائما وفي نفس الوقت أريد أن أظلّ بعيدة..
لم تضحك كعادتها وتقول عنّي مجنونة ..
اكتفت بأن تقول لي : ارحلي واتركيني بسلام..
لست غاضبة من صديقتي فهي أرأف منّي عليّ . كلّ ما في الأمر أنّها تعجب لأمري ، هي لاتعلم أنه في في البعد أيضا يكبر الحبّ ، يتغذّى من الحلم ..
هي ترفض الخيالات الواهية .. ماأراه حلما جميلا ، تراه وهما قاتلا ومدمّرا .
أعذرها ، أعذر تمرّدها وسخطها عليّ وعلى استكانتي ..
هي لاتدرك أنّه مع شخص مثلك كان علي أن أتخلّى عن كثير من توقي وجنوني وأن أكتفي بالقليل ، القليل منك وأركن إلى حلمي..
كيف تستطيع ؟
علّمني كيف وارحل إن شئت.. هبني قليلا من عدم اكتراثك وقسوتك ولامبالاتك..
كم مرّة حاولت أن أكون مثلك فأتجاهلك كما تتجاهلني وأنشغل عنك بكلّ الأشياء التي لاتذكّرني بك.. وأذكرك فلا أحنّ إليك . وتجول بخاطري فلاأشتاق ولا أتلهّف لمعرفة أخبارك ولا السّؤال عنك . كم مرّة حاولت أن أبدأ من جديد بدون قسوتك وأن أعوّد قلبي على النّسيان والسّلوى فأهجرك ..
كلّ محاولات الهجر باءت بالفشل فهذا القلب ليس لي ..
أيّها العابر على عتبات الوجع ، امنحني فرصة وحيدة فقط لأبحث عن شتاتي المبعثر بداخلك .. امنحني فرصة وحيدة فقط لألملم شظايايا المنكسرة ولأتعلّم منك كيف أعيش بسلام في حضرتك ، أنت الغائب الحاضر دوما أخبرني كيف تستطيع أن تقتل قلبا هو عاشقك ؟
من منّا فقد الآخر ، من تراه سجّل خسارته الكبرى ؟
بعد أن انكسر قلبي ، تجلّت الحقيقة أمام عينيّ عارية تماما .. ماأبشع وجه الحقيقة حين يتجلى عاريا من كل زيف !
حين يخبرني أنّ لعبة الحياة الّتي خلتها لذيذة كشفت عن وجهها الحقيقي وبان بالمكشوف أن لا لعبة لذيذة .
كلّ ألعاب الحياة مقنّعة ببدايات تأخذنا نحو السّماء ثم تطيح بنا نحو أسفل القاع..
تلك اللّحظة الفارّة من التّاريخ مازلت أذكرها ..
الشّوارع المبلّلة والثّنايا المزدحمة بالمارّين على عجل والواقفين على قارعة الطّريق ، الأشجار المتمايلة مع بشائر الصّباح ، الشّمس المتغنّجة ، المتستّرة بالغيوم ، العصافير الشّادية تسكب عذوبتها في إطلالة النّدى.. والقلب المحلّق بلا أجنحة ، لم يعد بينه وبين الأفق حواجز .. يمتطي جناح فراشة خفّاقة تسافر على عجل .. لم يكن بينها وبين الوقت حسابات خاصّة ، كان يكفي أن ترتعش ليتوقّف الزّمن وليكتب التّاريخ في روزنامة جديدة بمنأى عن مواقيت غرينتش حكاية أخرى ..
لم يكن الأمر يتطلّب طقوسا ولم يكن بحاجة لأساطير العشق القديمة ليهتدي الحبّ إلى طريقه الأسلم .. كم بدا الأمر بسيطا ، كان يكفي أن يرفّ جناح الفراشة ليندفع الدّفء من منابع العصيان .
ليت المسألة توقّفت في كونها حلما جميلا..
ماذا جنيت من حلمي حين تحقّق ؟؟ لحظات لاغير من سعادة مشبوهة لم تدم طويلا . كانت أقصر من أن يكون لها عمر .. كنت منذ البدء كمن يمشي على حبل وبعينين مغمضتين . لم أكن أخشى السّقوط فقد كنت تأخذ بيدي ..
أغوتني مغامرة الحياة فرحت أتقدّم بثقتي العمياء في وجودك الدّائم معي. كنت أمدّ لك يدي ، أحاول التّمسّك بك والتّماسك غير أن يدك سرعان ما وهنت وخذلتني مستعجلة سقوطي ..
أيّها الهارب مني ، الفارّ من زخم مشاعري ، المتوثّب دائما للإطاحة بي . .
وأنا ..
المتعلّقة بك ، الرّاضخة لقلبي وصدقي وشعوري بأن لاحياة في غير حضرتك ..
ليتني اكتفيت بفكرة أنّي أحبّك أردّدها في سرّي وينثرها قلبي باقات أقحوان ونسرين لصباحاتي القلقة .. ويظلّ الحلم مجرّد أمنية هاربة منّي..
كم عاما مرّ وأنا أربّي الحلم في رحم الصّمت حتّى كبر الحلم و ملّ العتمة بداخلي وخرج إلى النّور ؟
حين قلت لأوّل مرّة "أحبّك" ، تهادت الشّمس وانتشت غيمة في السّماء وأمطر قلبي وكنت ترقبني .. تكتفي بالصّمت أحيانا وتمطرني قسوتك في أحيان كثيرة ..
ماالذي سأكتبه الآن وأنا في المكان المعزول عن العالم ؟ في غرفتي التي أراها مكمن ودائعي وأسراري الصّغيرة ؟
هذا المكان الّذي أكون فيه قريبة أكثر منّي . أقضي ساعات طويلة مع نفسي أتأمّل دواخلها ، انكساراتها والنّدوب العميقة الّتي تخلّفها خيبات آخر النّهار .. "
في مقهى بعيدة بمدينة غريبة ، يقبع وحيدا و يتأمّل في صمت ؛ ليس بعيدا عنه جلست امرأة وحيدة تدخّن بنهم .. في الرّكن المقابل ، جلست ثلاث نساء يتجاذبن حديثا يبدو خطيرا ويدخّنّ بنهم أكبر..
كان في كلّ مرّة يضرب كفّا بكفّ ويتساءل : كيف أهملته بهذا الشّكل وتوقّفت رسائلها إليه وهي تعرف جيّدا أنّها جسر التّواصل الوحيد بينهما؛ هو لا يدرك أنّه بمكان ما ، تقبع امرأة تدخّن الوقت وتنتظره منذ أحقاب طويلة ..
امّا هي فكانت عند كلّ ليلة تنتظر الصباح لتمدّ ببصرها نحو الشّارع عسى يطلّ ساعي البريد برسالة منه
يتهكّم اللّيل ويمرّ سريعا على غير عادته ، لا يمرّ، هو يتوارى خلف أنظارها المترقّبة يترصّد مثلها الصباح.
كانت الرّسالة في يد شخص آخر في مكان آخر ظلّ في كلّ يوم يفتحها ويعيد قراءتها و يحدّق في الفراغ من حوله.


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى