زهرة ظاهري - مساحةُ حلْم.. قصة قصيرة

في ذاك الركن المقابل لشرفتها..كان يقف كل يوم لبعض الوقت..يدخن سيجارته ويمضي..الزمن كان على عين المكان.. يسجل حضوره اليومي في نفس اللحظة التي تخرج فيها الى شرفتها..وكانها كانت على موعد مع وقفته..تلك الوقفة التي تتكرر كل يوم دون ان يتبادلا تحية الصباح او يبادر احدهما بالسؤال ..والشارع لا يزال خاليا الا من وجودهما ..كان الصمت ثالثهما ..يتقصى خبايا حلم نسي الزمن ان يرسمه..
كانت تسترق النظر اليه خلسة ..حين يكون تائها مع دخان سيجارته السابحة في الفضاء على غير هدي .. وكان يرفع عينيه الهائمتين ليتفرس ملامح وجهها ويشبع نظره بسحر طلعتها ..كلما كانت منشغلة عنه بتفقدها لحديقة شرفتها المعلقة ..
الشمس تنثر اشعاعها وتغازلها..فتتورد الخدود سرعان ما تكسوهما حمرة قانية لم تكن تدرك انها تصطبغ بخجلها حين نظرت اليه والتقت العينان ذات صدفة .. ومن ثم ..كان الحلم..
لم يعد ياتي اليها..ولا يتسمر في الركن المقابل لشرفتها.. رافعا عينيه الهائمتين علهما تلتقيان بعينيها ذات نظرة مباغتة ..ولم تعد تقف الى شرفتها ناظرة الى اللا شيء وكانها تنشد موعدا معه.. غير ان وجهه كان يلح في الحضور في كل ان ….تماما كما كان طيفها يجول بخاطره ويحرمه المنام..
كانت سعيدة بحلمها معه .. وكان منتشيا بخياله..
كان يستحضرها متى شاء وكيفما شاء..احيانا يصورها اميرة ..ويصنع لها من ازهار حديقتها تاجا..ويتوجها ملكة قلبه وروحه.. واحيانا يحلو له ان يجثو على ركبتيه ويسمعها قصيدة غزل
” اتعرفين من تكون اجمل النساء واعذب النساء
اتعرفين الزهرة اذا تلالات في اول المساء
ملكة وحولها الجواري نجيمات تائهات
في مملكة السماء
اتعرفين كيف يتهدج العاشق باسم “روحه المقدسة”
في لحظة القيام
اتعرفين
طيفك يحرمني المنام”
واحيانا كان يستحضرها طفلة ..ويخيل اليه انه عاد طفلا ويمتطي الحلم…. طفلان كانا يسابقان الريح والامل والامنيات..وحين يرهقهما العدو ..كان يفترش الثرى ويعد لها صدره مخدعا ..ويدثرها بانفاسه.. ويقضيان الليلة يتسامران ..ويتضاحكان .. واحيانا كثيرة كانا يتخاصمان كلما عن لهما ان يقتسما نجوم السماء ولا يتفقان..
– هذا النجم لي ..
– بل ذاك لي انا..
يدفعها عن صدره ..ثائرا كطفل ..وتصر على عنادها مفتعلة الغضب ..ثم لا تلبث ان تطلب مخدعها على صدره قائلة في غنج
“تنازلت عنه ..هو لك ”
فيرد والدفء يسري باوصاله “هو لك..”
ثم يرددان معا”هو لنا”
طفلان يقتسمان العطاء ..طفلان كانا ..وكان الحلم..
وكانت تكتب اليه كل ليلة رسالة ما لتعلقها عند الفجر بشرفتها ..وفي اخر المساء تاخذ رسالتها ..تلفها بخيط من حرير ..وتودعها داخل صندوق الذكريات ..
كانت تصنع اسطورة عشقها ..راكضة وراء خيالها ..غير عابئة لما يمليه واقعها .. وكانها بذلك تتحدى الزمن الذي من شانه ان يجتث جميع احلامها ..راسمة لها علامة غربتها الابدية خارج اطار الزمن..كل ذلك خشية التورط في قصة حب يرسمها لها الزمن دون ان يكون لها شان في ذلك ..فهو من يحدد ابعادها ..يبعثها في اللحظة التي اراد ان تكون ويقتلها متى شاء..
هي ستشكل قصة عشقها كيفما تشاء ..دونما شقاء ..دونما انتظار .. دون ان تكون بحاجة لان تبحث لها عمن يعلمها كيف تتداوى من ادمان صوت حبيب ..سيقرر الزمن ذات لحظة ان يغيبه..
هي ستكتفي بحلمها والصمت .. وستحبط مؤامرة الزمن


زهرة ظاهري

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى