جمال قصودة - الجنس في القطار .. قصة قصيرة

يوم السّبت يوم عظيم و مرهق بالنّسبة لي كصحفيّ يعمل بجريدة ثقافيّة أسبوعية ، جريدة ” المساء الثقافية ” التي تصدر صباح يوم الاثنين ، ولأنها تصدر يوم الاثنين يتعيّن على الطاقم الصحفي المرابطة بمقرّ العمل منذ الصباح وإلى وقت متأخّر لندفع بها السبت ليلا إلى المطبعة لتأخذ طريقها نحو مسالك التوزيع انطلاقا من ليلة الأحد وتكون في الأكشاك صباح الاثنين , إذا نحن الذين قيل عنهم ” لا يعرفون السّبت و لا هم يسبِتون([1] )” ، فعلى عكس أخوتنا اليهود -الذين يعظّمون السبت و لا يشعلون النّار فيه- أرباب العمل في جريدتنا- جريدة المساء الثقافية- يشعلون النّار فينا من أجل إصدار تلك الأوراق التافهة التي لا تصلح إلا للمرحاض ، ولئن كانت النّار فينا هذا السبت – و ككلّ سبت- إلا أنّنا نلتقى والحقّ يقال مع أخوتنا اليهود في طقس ” الكيدوش ” الليليّ ساحدّثكم عنه لاحقا إن استطعت إذ يتعيّن عليّ الآن إتمام ” كشكوليً الثقافي ” ، و “الكشكول الثقافيّ” هو الركن الوحيد لي في الجريدة الذي يوقّع باسمي الصحيح و المعلن بقيّة الأركان يوقّعها رئيس التحرير باسم مستعار ” صبري يوسف ” مع أني منجزها ، صبري يوسف هذا – وقد كنته في مرّات عديدة- على عاتقه مهام جهنميّة كالمهمّة الموكولة لي الآن ، مهمة انجاز حوار حصري مع الروائي البرتغالي” جوزيه ساراماغو” كصحفيّ مغمور قد لا تجيد البرتغالية ولا الانقليزية حتى و قد لا تملك رقم هاتف ” ساراماغو” كلّ ذلك لا يهم في عرف” جريدة المساء الثقافية” و أربابها ،لأنك بالنهاية لن تنجز مقابلة مع ” جوزيه ساراماغو” من الأصل ،كلّ ما عليك فعله هو انجاز حوار متخيّل ولا يهم إن كان المُحاوَرُ ميتّا أصلا لان المُحَاوِرَ – صبري يوسف- عابر للزمن ولا يعترف بالمستحيل ،يكفي أن تضيف تنويها أسفل الحوار تؤكد فيه أن الصحفي الالمعيّ صبري يوسف قد أنجز المقابلة سنة 2009 ليصدّق القرّاء الرواية ،رواية انجاز المقابلة مع “جوزيه ساراماغو” قبل وفاته بسنة ، سيتعذّر على “ساراماغو ” أن يكذّبنا أو يحتج لان “جريدة المساء الثقافية” لن تصله وهو في مستقّره الأخير و اذا ما وصلته سنقنعه بكوننا شيوعيون مثله مغرمون مثله بالتخييل و سنحرجه مثلما أحرج الله – السيد الخالق- في رواية “قايين”، فمثلما نجح “ساراماغو ” في إحراج الذات الإلهية سينجح صبري يوسف- وهو الصحفيّ الالمعي- في إحراجه و إقناعه .

السادسة مساء و ما أزال في مكتبي انهيت الكشكول الثقافيّ ،رقنته و أتممت مراجعته اللغوية و انطلقت منذ ساعتين تقريبا في انجاز المقابلة ، لم البس ربطة عنق كتلك التي يلبسها رئيس التحرير في مهماته الرسميّة او مقابلاته القليلة مع شخصيّات أدبية او أكاديمية موقّرة ، مقابلة مع “جوزيه ساراماغو” قد لا تحتاج ذلك لان الروائي المتحصّل على جائزة نوبل للأداب ميكانكيّ وصانع أقفال في الأصل علاوة على انشغاله و تبنيه للفوضوية ،فوضويّ مثلي قد يروق لجوزيه ساراماغو أن يجالسه .

و لكن “جوزيه ساراماغو” صانع الاقفال هذا قد نجح هذه المرّة في احكام قفل عقلي ،جفّت منابع التخييل عندي و عجزت على إتمام الحوار المرتقب منذ أكثر من ساعة لم أضف اي كلمة ،قلبت الموقع – موقع الجريدة – ،فتحت أدوات مشرفي المواقع لمتابعة الكلمات الدلالية الأكثر رواجا على محرّك البحث فوجدت :” الجنس في القطار” ، “قصص نيك “، ” قصص جنس”، “ناكني وأنا طفلة”،” قصص إغراء عاهر” ….. هذا ما يبحث عنه القرّاء اذا !!!!!!! .

بقيت مشدوها ووجدتني مجبرًا على تغيير خاتمة “الكشكول الثقافيّ ” لاضيف هذه الجملة : “قارئي العزيز أعلم أنك ستفتح هذا النصّ لانّ عنوانه ” الجنس في القطار ” و لكنّ رئيس التحرير منذ أكثر من أربع سنوات يجبرني على إجراء حوارات متخيّلة مع “جوزيه ساراماغو ” و أمثاله “.

عندها دفع رئيس التحرير الباب و دخل المكتب مزمجرا : “ماذا فعلت يا ابن الزنا ؟ هل أتممت الحوار ؟؟؟؟؟؟”


[1] يُقال سَبت اليهود أي تركوا العمل , قال ابن منظور: سبت يسبت سبتاً : استراح واستكان ، يقال أيضا سبت يسبت إذا عظم السبت


www.intelligentsia.tn
الجنس في القطار - أنتلجنسيا
الجنس في القطار بقلم :جمال قصودة يوم السّبت يوم عظيم و مرهق بالنّسبة لي كصحفيّ يعمل بجريدة ثقافيّة أسبوعية ، جريدة " المساء الثقافية " التي تصدر صباح

www.intelligentsia.tn www.intelligentsia.tn




ودمت بخير

تعليقات


الشاعر جمال قصودة
حقيقة أقول، إسمك كان الدافع لقراءة القصة القصيرة وليس عنوانها المثير للفضول.
القصة فيها مفارقات جميلة وتفتح لنا مغاليق أبواب الصحافة وما يعانيه الكتاب يومياً.. إنه استنزاف حقيقي لمواهب شاعر مثلك.
سأكون شاكراً لو استطعت أن تدلني إلى المكتبة التي أستطيع منها اقناء كتابك النقدي عن الشاعر العراقي سعدي يوسف.

ودمت بخير
 
أعلى