ميسلون هادي - المذيع الوفي يتهكم.. قصة قصيرة

المذيع في حالة الحرب والسلم.. يشتري ولا يبيع.. يولد ولا يموت.. لا فرق عنده إذا ناقش مسرحية الفصل الواحد، أو حقوق المعتقلين في السجون السرية….. المهم أن لا يحب أو يكره المخرج في الحالة الأولى.. وأن لا يحب أو يكره النائب العام في الحالة الثانية… وفي حالة التنويه بظهور الأطباق الطائرة في سماء الأريزونا، فالأفضل أن لا يحب أو يكره سكان الفضاء…. أما إذا تساقطت أمطار الميثان على أقمار زحل، فيجب أن يصبح فوق المجرات جميعها…. في وجهه تعبير موحد لأسوأ عيد ميلاد ممكن.. وسلسلة من الحركات المتكررة، والعبارات العارضة والمعارضة، ولا ننسى الابتسامات الاستراتيجية التي ترتسم حتى عند قيام الزلازل واشتعال براميل البارود. كثير منهم لا يعرفون شيئاً عن مضاعفات مرض السكري أو عن مؤاخذات ابن عقيل على ألفية ابن مالك.. ولا عن جهود العرب المحدثين في دراسة الغزل العذري في العصر الأموي.. ما حاجتهم إلى ذلك؟ صرخة أرخميدس أهم.
متعالون بشكل صريح.. وفي مرحلة أخرى يصبحون سلبيين بشكل مبطن.. لديهم شبكات عصبية ممتازة.. وخطط مسيلة للدموع.. وأقفاص صدرية بعيدة المدى .. وأصوات مدهونة بالزبدة. مدعومة بالدبابات أحيانا،ً أو خارجة من غيابة الجب.. توم هانكس ونيكولاس كيج لا يضارعان أمثالهم من النجوم القطبية.. لا تعريف لهم في القواميس القديمة، أما الجديدة فتتهكم عليهم لأنهم يخاطبوننا جميعاً بالأعزاء دون أن يعرفوا أحداً منا.. ويجلسون في بيوتنا دون أن نقدم لهم شيئاً يشربونه….. شركاء في التقدم إلى الزاوية من الجبل الغربي دون أن تمطرهم القذائف والصواريخ. وبالرغم من أنهم لا يدعون أحداً وشأنه، لم يحدث أن صدرت بحقهم مذكرة إعتقال واحدة.. أو استدعتهم وحدات تفكيك المتفجرات.. يقولون كل شيء بدلاً عن الزعماء، وإن لم يقولوه كأنه لم يحدث… منذ ثوان قليلة كان المذيع هنا.. والآن قال في أمان الله.. ماالذي أخبرنا به؟.. لا شيء إلا كثير من القنابل في قندهار وقليل من الزلزال في اليابان وعشرة آلاف قتيل، وإعصار في كاترينا وخمسة آلاف قتيل، وتسونامي في أندونوسيا والضحايا لم يُعدّوا بعد.. والهواء هو السبب.. حقاً الهواء هو السبب.. لا يمكن المكوث طويلاً في الهواء دون ثلاثة أطنان من حبوب الأسبرين، وثلاثة أرباع برميل من القهوة، وثلاثة كيلوات من دروع اتحاد المذيعين.. تكريماً لمن يعارض التدخين وهو يدخن..
بوسعه الدخول إلى كل بيوت الأعزاء في آن واحد.. وأن يتحدث إليهم بلسان واحد.. وأن ينسى شيئاً في كل بيت.. وأن يتفكه معهم أو أن يشاركهم حلاوة المشمش.. وإلى حلاوة الرز باللبن يدعو الخميني والقذافي ومبارك وداروين وفيثاغورس وكارل ماركس ولا ننسى اينشتاين والبشير والأسد.. داخ ودوّخ الجميع معه… وجعلهم يربطون أنفسهم إلى أنابيبب الكلوكوز المغذي لكي لا ينهضوا لتناول الطعام.. ويرتدون الحفاظات أيضاً لكي لا يذهبوا إلى الحمام.. ولكن الأنواء مطرية والجو جميل إلى درجة أنه حتى الجراثيم خرجت إلى الهواء الطلق، فأصابت الجميع بالنزلات والنشلات دون أن تقصد.. ما عدا المذيع طبعاً، فهو لا يصاب بالزكام ولا بالإسهال…. وله الكلمة الفصل في الربيع مع الخريف.. وإذا ما جن جنون العالم، فهو العاقل الوحيد.. لا يقلق ولا يتهور ولا يهتز.. يجب أن لا يحب أو يكره شيئاً ولا حتى كرة القدم.. ولهذا لا يهتم حتى عندما تصبح الكرة في منطقة الجزاء…. هذا عجيب.. جداً عجيب…..فقلت استأذنه دقيقة واحدة للحديث عن أحواله فقط.. لا أطلب سوى دقيقة واحدة.. قال أنا مشغول بيوم عصيب.. فالمظاهرات مشتعلة في كل مكان.. قرب حلويات الشويطر في المنامة وقرب كشري حمادة في القاهرة….. ماذا عن فطيرة اللحم بالعجين العراقية؟.. قال يبدو هذا مشوقاً.. هيا إذن.. قل لي كيف تحبها؟ قال أحبها دائماً مع التظاهر ضد الطغاة.. وماذا عنك؟ أليس لديك حساب في الخارج؟.. كلا.. ألم تتواطأ في حياتك؟.. كلا.. مع من أنت؟ أنا مع المقاومة العربية ضد الاحتلال البريطاني والفرنسي والإسرائيلي والإيطالي والأمريكي.. همم.. وما علاقة ذلك بسؤالي؟.. أنا مذيع والقناع يحرسني من كل مكروه.. وأذني شمعدان من توجيهات صوتية لشخص واحد فقط.. ولا يحق لأحد الاعتراض عليه.. والتمديد وارد وبالإجماع .





تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى